أثارت أزمة وباء كورونا عديدا من التساؤلات حول الأوضاع القانونية للعمال والموظفين، لا سيما فى القطاع الخاص، من ناحية الحقوق والواجبات والتأمين والرواتب والتسريح والإجازات والفصل والتقاعد، وغيرها من القضايا المتشابكة.
وقال مكتب «أدسيرو- راجى سليمان وشركاه» للمحاماة والاستشارات القانونية إن القرارات التى اتخذتها الحكومة المصرية حتى الآن لم تتطرق إلى إلزام شركات القطاع الخاص بالتوقف عن العمل أو منح العمال إجازة إجبارية، الأمر الذى يعقد من الوضع القانونى للعاملين فى القطاع الخاص.
ولجأت أغلب دول العالم إلى تشجيع أو إجبار مواطنيها على تقييد الحركة والجلوس فى المنزل عبر منح إجازات إجبارية وفرض حظر التجوال في بعض البلدان لمدة أسبوعين أو ثلاثة، بعد تصنيف منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا كوباء.
واتخذت الحكومة المصرية عدة قرارات مماثلة خلال الأسبوع الماضى، من بينها إغلاق المدارس والجامعات وتعليق حركة الطيران لمدة أسبوعين، وكذلك تأجيل جلسات المحاكم والسماح لموظفي القطاع العام بالعمل من المنزل إذا كانت طبيعة عملهم تسمح بذلك واستثنى من هذا القرار العاملين في المؤسسات الحيوية مثل المستشفيات وشركات المياه والكهرباء وغيرها.
وقد لجأت أغلب شركات القطاع الخاص إلى سياسات العمل من المنزل، وذلك يطرح التساؤل عن الأثار القانونية الناتجة عن الوضع الحالي خاصة بالنسبة للموظفين؟.
ومنح قانون العمل المصري صاحب العمل العديد من التدابير التي يمكن اتخاذها للتخفيف من الأعطال التي قد يتعرض لها في مثل هذه الظروف.
وبما أن مثل هذه التدابير يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على حقوق الموظفين المتضررون أيضًا بسبب الوباء المنتشر، فإن مكتب “أدسيرو- راجى سليمان وشركاه” يوصي بألا يلجأ أصحاب العمل إلى هذه التدابير إلا كتدبير أخير حفاظاً على استمرارية العمل.
كما أعلنت الحكومة عن حزمة إنقاذ بقيمة 100 مليار جنيه لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على المستوى الاقتصادى وتعويض القطاعات المتضررة من الأزمةـ تلا ذلك الإعلان عن خفض أسعار الغاز والكهرباء للمصانع إضافة إلى تأجيل دفع أقساط القروض وإلغاء الضرائب على البورصة وتخفيض سعر الفائدة بنسبة 3%.
ولجأت بعض شركات القطاع الخاص إلى سياسات العمل من المنزل للحد من الاجتماع والاختلاط بين الموظفين خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما يطرح تساؤلات حول الآثار القانونية لهذا الوضع بالنسبة للموظفين وأصحاب الأعمال، سواء بالنسبة للتأمين وحدود تغطيته لخسائر أصحاب العمل والعمال أو من ناحية صلاحيات أصحاب الأعمال فى تخفيض أجور ورواتب العاملين أو تسريح بعضهم.
هل تغطي نظم التأمين في مصر خسائر الأوبئة؟
قالت ورقة قانونية صادرة من مكتب “أدسيرو- راجى سليمان” منذ أيام إن قانون التأمين الاجتماعي المصري لا يغطى حالة تعطل الأعمال بسبب الأوبئة والكوارث الطبيعية.
هل يجوز لصاحب العمل تخفيض الرواتب؟
يمنح القانون صاحب العمل الحق فى تخفيض رواتب العاملين بما يصل إلى النصف (بشكل مؤقت)، في حالة عدم قدرة العاملين على القيام بواجباتهم ومسئولياتهم الوظيفية بسبب أحداث قهرية (والتى يعد وباء فيروس كورونا أحدها)، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك فى عقد العمل الموقع مع الموظف أو سياسات الشركة.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز لأصحاب العمل تنفيذ شروط عقد العمل في حالات القوة القاهرة – شريطة أن تكون على أساس مؤقت ولا تقلل من حقوق الموظفين.
ويعرّف القانون المصرى «حالة القوة القاهرة» باعتبارها كل حدث يستحيل توقعه أو دفعه، وتشمل الحروب والاضطرابات المدنية وأعمال الشغب والإضرابات، والأوبئة والحرائق والفيضانات والزلازل، وغيرها من الحوادث التى لا يمكن التنبؤ بها وتخرج عن سيطرة الطرف المتضرر.
هل أصحاب العمل ملزمون بحماية العمال من الأخطار الصحية؟
أما من ناحية الرعاية الصحية، فإن أصحاب العمل ملزمون –وفقا لقانون العمل المصرى رقم 12 لسنة 2003- باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية العمال والموظفين من خطر الإصابة بالبكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات وسائر المخاطر البيولوجية، متى كانت طبيعة العمل تعرضهم لظروف الإصابة بها، وعلى الأخص فى حالة التعامل مع الحيوانات المصابة ومنتجاتها ومخلفاتها، أو مخالطة الآدميين المرضى والقيام بخدماتهم من رعاية وتحاليل وفحوص طبية.
كما يلزم القانون أصحاب العمل، فى هذا الصدد، بتوفير خدمة الرعاية للموظفين بما فى ذلك إجراء التحاليل والفحوص الطبية.
هل يحق لصاحب العمل إلزام الموظفين باستخدام إجازاتهم السنوية؟
تقول الورقة القانونية للمكتب إن أصحاب العمل ملتزمون –من الناحية النظرية- بمنح الموظفين إجازاتهم السنوية بناء على متطلبات العمل، إلا أنه يجوز لهم التفكير فى إلزام الموظفين باستهلاك رصيدهم المتبقى من إجازاتهم السنوية أو رصيدهم المتراكم من السنوات السابقة خلال الأزمة لتخفيف التكاليف.
هل يجوز لصاحب العمل إغلاق المؤسسة جزئيا أو كليا؟
يتيح القانون المصرى لصاحب العمل إذا استمرت الأزمة لشهور أو سنوات، اتخاذ قرار بالإغلاق الجزئى أو الكامل لمؤسسته أو شركته إذا أدت الأزمة إلى تعطل الأعمال لفترة طويلة أدت إلى فقدان المشروع لجدواه الاقتصادية. وفي هذه الحالة تكون مسئولية رب العمل فيما يتعلق بالإنهاء، مخففة إلى حد كبير.
سياسة العمل من المنزل الحل الأكثر إنسانية فى الوقت الراهن
ونصح المكتب أصحاب الأعمال الخاصة بالاختيار من بين عدة إجراءات يراها أكثر إنسانية فى الوقت الراهن، من بينها توفير المستلزمات الطبية للموظف ولأسرته، ومنح بعض الموظفين ساعات عمل مرنة مخفضة، وتبنى سياسة العمل من المنزل بشكل اختيارى أو إلزامى حسب طبيعة العمل، واعتماد أسلوب التناوب بين الموظفين أو العمال، وتحمل تكاليف النقل والمواصلات.
وحث المكتب على اعتماد «سياسة العمل من المنزل» باعتبارها من أفضل الحلول فى الوقت الراهن، مع إلزام الموظفين بنفس المتطلبات الوظيفية.
إلزام الموظفين بإجازة دون راتب وقت الأزمة غير قانونى
كما يحث المكتب أصحاب الأعمال على الامتناع عن اللجوء إلى أساليب أخرى على النقيض تماما، من بينها إلزام الموظفين بأخذ إجازة بدون أجر حتى نهاية الأزمة، أو تخفيض رواتب الموظفين إلى أكثر من النصف، لكون هذه الإجرءات غير قانونية علاوة على أنها غير إنسانية.
النظر بعمل الموظفين من المنزل إذا استمرت الأزمة
كما نصح المكتب رؤساء الهيئات والمصالح والشركات الحكومية بالنظر فى تفويض الموظفين بالعمل من المنزل قدر الإمكان، وذلك فى حالة استمرار الأزمة.
وأثنى على قرار رئيس الوزراء الذى منح إجازات استثنائية مدفوعة بالكامل للموظفين المصابين بأمراض مزمنة مثل السكر وأمراض الكبد والقلب والكلى وكذلك مرضى السرطان، وذلك لمدة 15 يوما.
ومنح القرار الموظفين العائدين من الخارج إجازة مماثلة، إضافة إلى العاملات الحوامل، وكذلك الحاضنات لأطفال تقل أعمارهم عن 12 سنة.
وأكد المكتب ضرورة الالتزام بدفع المستحقات المالية للموظفين دون الخلط بين تلك الإجازات الاستثنائية والاعتيادية، ناصحا بأن هناك بعض المصادر التي تشير بتوسيع نطاق تطبيق هذا القرار على موظفى القطاع الخاص.
وأُسس مكتب «أدسيرو» فى عام 2019 على يد المحامى راجى سليمان، الذى شغل سابقا منصب المستشار العام لشركة أوراسكوم للاتصالات، ونائب المستشار العام لشركة فيمبلكوم.