مكالمة تحذير إسرائيلية وضعت سكانا في غزة في سباق مع الزمن والموت

أدعت إسرائيل أن حماس تستخدم المباني السكنية لأغراض عسكرية

مكالمة تحذير إسرائيلية وضعت سكانا في غزة في سباق مع الزمن والموت
أيمن عزام

أيمن عزام

8:50 م, الأثنين, 24 مايو 21

    لم يستطع الفلسطيني مجاهد الترك، تخيل أن تكون أول مكالمة تحذير إسرائيلية ترد إليه في اليوم الأول من عيد الفطر من ضابط إسرائيلي يطالبه بإخلاء منزله، الذي يحتمل أن يُصاب في غارة جوية إسرائيلية.

   وروى الترك البالغ من العمر (42 عاما)، والذي يقطن مدينة غزة، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه ظن في البداية أن المكالمة مجرد مزحة من أحد أصدقائه “لكن بعد ثوان قليلة استطعت ملاحظة أن لهجته العربية مختلفة”.

مكالمة تحذير إسرائيلية

    وقال “لم أكن أعرف ماذا أفعل في ذلك الوقت، هل كان يجب أن أطيعه على الفور أم أطالبه بإطالة الوقت، مما يسمح لمزيد من السكان الجيران بالإخلاء”.

    وفي محاولة لكسب المزيد من الوقت، ظل الترك يسأل الضابط الإسرائيلي عن السبب الحقيقي، الذي يدفع الجيش الإسرائيلي إلى تدمير المبنى السكني، لكنه فشل في ذلك.

    وأوضح “كل محاولاتي باءت بالفشل، وطالبني الضابط بالإسراع بإخلاء منزل عائلتي”.

    عندها أدرك الترك أنه وعائلته المكونة من 40 فردًا كانوا يسابقون الزمن والموت.

    وفي 13 مايو الجاري قصف الجيش الإسرائيلي المبنى المجاور لمنشأة الترك السكنية، وعندما وقع الانفجار، كان الأطفال والنساء يندفعون على الدرج محاولين الهروب، مما بدا وكأنه موت مؤكد.

    وقال الترك بصوت متقطع “شعرت بالضعف والخوف والرعب لأننا سنضاف إلى قائمة الضحايا الطويلة”.

    ووقع أول انفجار بينما كان الترك لا يزال على الهاتف مع الضابط الإسرائيلي الذي كان يحاول طمأنته بأنهم أطلقوا صاروخا تحذيريا لتفادي وقوع إصابات بين المدنيين.

    لكن بعد دقائق من إخلاء المنزل، قصفت طائرات مقاتلة حربية من طراز (اف-16) المبنى، وحولته إلى رماد، ما أدى إلى انهيار جزئي للمبنى المكون من أربعة طوابق، حيث تقيم عائلة الترك.

الجيش الإسرائيلي كاذب

    واشتكى الترك من أن “الجيش الإسرائيلي كاذب، أخبرنا أنه لن يتم استهداف المدنيين، لكنه شرد العشرات منا دون أي مأوى آمن لنا، مما زاد من معاناتنا اليومية”.

    وعلى الرغم من كل ذلك، قال الترك إنه سيعيد بناء منزله لأنه يعمل حارس أمن في أحد البنوك المحلية، مما سيساعده في توفير المزيد من المال لإعادة بناء منزله.

    وتابع “ليس من السهل أن تعيش في مثل هذا الموقف وتستمر في حياتك دون أن يكون لديك حلمك الذاتي، الذي يجب أن تؤمن به وتبذل قصارى جهدك لتحقيقه”.

    ويعيش حاليا الترك وعائلته في منزل أحد أقاربه على مسافة ليست بعيدة عن منزله المتضرر، مشيرا إلى أنه يجب أن يواصل حياته بشكل طبيعي ويشكر الله على بقائه على قيد الحياة هو وجميع أفراد أسرته.

    وبمجرد انتهاء التوتر العسكري، عاد الترك لحياته الطبيعية، واحتفل مع عائلته بعيد الفطر، قائلا “اليوم نبدأ عيدنا وسنبقي احتفالاتنا بجميع أعيادنا، ونستمتع بحياة جديدة”.

   وأضاف “أنا واثق من أن الدمار الحالي لن يستمر طويلا، حيث أعربت معظم الدول العربية والعالمية عن تضامنها معنا لأنها أصبحت ترى أننا ضحايا، ونحن بحاجة إلى دعمهم لمواصلة حياتنا”.

    ويعتقد الترك أن القطاع الساحلي يحتاج إلى حوالي عام لإعادة بنائه ليعود ليصبح رمزا لأجمل مناطق غزة التي هوجمت عدة مرات.

    ولم يكن الترك هو المواطن الوحيد الذي تلقى مثل هذه المكالمات الهاتفية من الجيش الإسرائيلي خلال فترة التصعيد العسكري.

قصف منزل أخر

    وتلقى سالم حلس، وهو صاحب مبنى آخر اتصالا مماثلا من الجيش الإسرائيلي حذره من أن منشآته في حي الرمال ستقصف.

    وقال حلس البالغ من العمر (30 عاما) ل((شينخوا)) “صدمت وشعرت بالخوف بعد أن أخبرني الضابط أنهم يعتزمون قصف بنايتنا”.

وأضاف أنه حاول الاستفسار عن السبب، خاصة أن المبنى لا يحتوي على أي مكاتب سياسية أو عسكرية.

    لكن طلباته للحصول على معلومات لم يتم الرد عليها وسرعان ما دمر المبنى السكني بالكامل.

    وزعمت إسرائيل أن حماس استخدمت المبنى لأغراض عسكرية، لكن حلس قال إن هذا غير صحيح.

    فالمبنى الذي يحمل اسم مبنى (الوليد) وكان مصدر رزق حلس الوحيد وعائلته المكونة من 20 شخصًا، قد تم بناؤه في التسعينيات بعد عودة والده من دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان يعمل.

    وقال حلس: “سمعت دوي الانفجار الناجم عن القصف، فشعرت بالأسى الشديد على ظروفنا، خاصة على والدي المسن الذي قضى سنوات عديدة في العمل لبناء ذلك المبنى”.

    ومبنى الوليد هو واحد من 2000 مبنى تم تدميرها بالكامل في غزة بعد 11 يوما من القتال بين إسرائيل وحماس.

    وبحسب وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة فقد تم تحذير سكان تلك المباني بضرورة إخلاء منازلهم قبل استهدافهم من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية.

    وبدأت المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحماس في 10 مايو الجاري بعد أن أطلقت الحركة الإسلامية صواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية على خلفية اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى ومواجهات في القدس.

حصيلة ضخمة من الضحايا

    وخلف القتال 248 قتيلا فلسطينيا، من بينهم 66 طفلا و39 امرأة، و17 مسنا، فيما أصيب 1900 آخرون، مقابل مقتل 12 شخصا في إسرائيل وإصابة أكثر من 300 آخرين، بحسب إحصائيات رسمية.

    وقال الفلسطيني جواد مهدي البالغ من العمر (50 عامًا)، وهو صاحب برج الجلاء في مدينة غزة، إن التصعيد العسكري الأخير هو “الأكثر دموية” بين كل جولات التوتر المتكررة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حرب عام 2014.

    وتلقى المهدي اتصالاً من ضابط بالجيش الإسرائيلي يطلب منه إخلاء البرج، الذي كان يضم المقر الرئيسي لقناة (الجزيرة) الإخبارية القطرية، ووكالة (أسوشيتد برس) الأمريكية، استعدادًا لتدميره عبر غارة جوية.

    وقال مهدي ل((شينخوا)) بنبرات غاضبة “كان مثل فيلم لا يصدق”، بينما كان يقف أمام أنقاض برجه الضخم الذي كان مكونا من 14 طابقا وحوالي 60 شقة سكنية ومكتبا مدنيا.

    وأضاف أن “البرج استهدف بعد أقل من ساعة من الاتصال بعدة صواريخ من طائرات حربية ودمر تماما”، مشيرا إلى أن “كل أحلامه وأحلام عائلته وجيرانه دمرت مع البرج”.

    وتابع مهدي “مررنا بلحظات مرعبة عندما كان الناس يهربون بملابسهم البسيطة دون حتى أخذ أي من أوراق هويتهم بسبب الذعر والخوف”.

    وتساءل مهدي مستنكرا “لا أعرف لماذا يصر الجيش الإسرائيلي على تهجيرنا، رغم أننا شعب نحب الحياة ونستحق أن نعيش على أرضنا بسلام وأمان دون أي تهديد لحياتنا؟”.

يشار  إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.