هل تعود غزة للحياة بعد الموات، مثل إعمار هيروشيما، ودمشق، وبروج بلجيكا، وساراييفو، البوسنة والهرسك – كنماذج لمدن تم تدميرها وأعيد بناؤها فكان بعضها مركزا حضاريا مزدهرا، والآخر استعاد بعضا من روحها التاريخية والثقافية، والآخر مقاصد سياحية وتاريخية محمية؟ أم تنضم لحال حلب والرقة بسوريا، الفلوجة والموصل بالعراق – كنماذج تعرضت للدمار ولم يتم إعادة تعميرها أو عُمرت جزئيا؟ وهل عقود المقاولات والتعمير تم توقيعها فعلا، وتنتظر التسوية السياسية؟ أم سيذكر التاريخ “عملية طوفان الأقصى/السيوف الحديدية” فى غزة 2023، كأحد حالات استخدام الحروب والتدمير لتحقيق أهداف سياسية، مثل هتلر فى الحرب العالمية2، الحرب البارة بين الاتحاد السوفيتى وأمريكا وحلفائهما، وغزو العراق للكويت 1990؟، وكلها حالات لغزو الدول والتوسع الإقليمى، واستخدام الحروب والتدمير لتحقيق أهداف سياسية، أو السيطرة على موارد النفط؟ أم ستكون غزة الترجمة الدموية لصفقة قرن ترامب 2017 (غير المقدمة رسميا).
ما يتم التركيز عليه عالميا حاليا منذ 7 أكتوبر 23، هو رصد المجازر البشرية وتدمير المدينة، ومناشدات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين بالجانبين، وتقديم المساعدات الإنسانية، ونسج روايات المؤامرة حول تنفيذ الصفقة غفلة أو عنوة أو اتفاقا! – ولأسباب كثيرة جدا، لن يسمح جحا بنزع مسماره أو ضربه أو كسر هيبته! كذلك فإن تحول المسمار لخازوق وإسفين صمم خريطة اقتصادية جديدة من شقوق البيت ووعيه الجمعى، جعل للشقوق مصالح حقيقية فى المسمرة تحتاج بقائها، لتتماسك بالخريطة المعدلة لضمان استمرارها.
وبالتالي؛ هل تكون حرب غزة هى حصان طروادة القرن 21 لتمرير “قناة بن جوريون”، للربط بين إيلات والبحر الأبيض المتوسط، لكون أرض غزة فقط القابلة للحفر بخلاف أراضى المنطقة الصخرية؟ وعليه تكون الحرب هى الأداة العملية، التى حشد لها مينالاوس وأجاممنون الأعلام، لتحقيق أطماع سياسية واقتصادية بالمقام الأول؟ وبغض النظر عن تدمير المدينة وتحويل شعبها لأرقام وأهداف، لينفذ الخازوق شقه الأخير بمشروع القناة، مهددا مصر والأردن؟ فينخفض مدخول مصر من 8 مليارات إلى 4 مليارات دولار تحصلها إسرائيل؟! فطالما نجح الخازوق فى إحياء كميات من البحر الميت بالصب فى قناته، فستكون شراكة سياحية رائعة ومحرجة للجيران، ولكنها ستدعم اقتصادا منهارا! وبالتالى سيكون تدمير غزة هدفا ساميا لإعمار بن جوريون، وتغييرا مبدعا لخريطة النقل العالمى، ومقدمة لمشروعات أكبر مثل مد أنابيب عبر الأردن أو بطريق محاذٍ للأردن، لمد أوروبا بالنفط والغاز كرأى الاقتصادى الأردنى حسام عايش!
لذلك فقضية إعمار غزة (كمدينة أو مشروع)، هى اللغز الإستراتيجى الحقيقى فى الأزمة! فلا شك أن أهوال الحروب وآثارها ودمارها تعز عن الوصف أو التبرير، ولكن البعض يأخذها كعملية “فصد” بسحب الدم الفاسد من الجسم، حلا لضغوط الإرهاب، وأشباح الإفلاس الاقتصادى والسياسى، وإعادة ترتيب الجغرافيا لصنع تاريخ جديد! تخيل قناة بديلة لقناة السويس، وشراكة تجارية وسياحية رسمية مع الأردن، ودعم أمريكى مستمر، وتطبيع اقتصادى مع أغنى دول عربية الإمارات وقطر والسعودية قادمة، والشرط الوحيد حل مسألة غزة بالقضاء على حماس نهائيا وإضعاف الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم لإفساح الطريق لبن جوريون الجديد (وتسمية القناة به مقصودا، لرمزية تأثير بن جوريون فى قيادة الاستيطان منذ 1920، ثم تأسيس إسرائيل كأول رئيس وزراء يستمر 30 سنة، وقيادته لحرب الاستقلال 1948، وبالتالى فتجميع أشلاء غزة برمتها، كحصان طروادة، لولادة دولة القناة الحديثة، هو إعمار مستهدف لباقى القرن 21، يستثمر فيه الخازوق أطماع جحا وشبق الشقوق، لبناء بيوت جديدة تشغى بالمسامير والخوازيق والصناعات المستفيدة والمقاولات المستمرة.
فإذا كانت دماء غزة هى البساط الأحمر ومفتاح المشروع الجديد، لاستحداث واقع جديد، وتاريخ أوجع، فمن أدار المفتاح الآن؟ من أوقد نار حرب يستطيع إخمادها؟ هل ستنز ويكيلكس وثائق قريبا عن كواليس غزة وبن جوريون؟ هل ستدفن أسرار صفقة القرن تحت حفر الـ 10 أمتار أعمق من قناة السويس؟ هل ستشهد بنوك سويسرا وليشتنشتاين وكايمن والإمارات حسابات بأسماء النجوم؟ هل ستنجح غزة فى تعميرها بسواعدها أم بالشركات العالمية؟ وهل ستتحمل مصر والأردن فاتورة إعمار غزة، من نواحٍِ عديدة؟
عقود مقاولة إعمار غزة تتجهز يا سادة (إن لم تكن وُقعت)! وما نحن فيه جزء من” milestone” توافقى محترف، يحتاج لوعى وحنكة أكثر احترافا ووطنية لإنقاذ الدار والدوار والدوارة والدردارة! وإلا ستنضم طروادة، لنهضة، دائنين يحرصون على الموات لا الموت! لتكون طروادة /غزة رايح جاي؟
* محامى وكاتب مصرى