يُعرف المشروع بأنه كل عمل يقوم به شخص طبيعى أو معنوى (فرد/شركة/دولة) لتنفيذ فكرة معينة، لتقديم منتج أو خدمة، باستخدام موارد أساسية كالمال والمعرفة واليد العاملة، للتنفيذ فى سوق معينة أو خلقها، لحل مشكلة ما، لتحقيق منفعة مادية أو معنوية.
هذا هو الإطار العام لأى مشروع مجتمعى أو تجارى أو صناعى أو خدمى أو بيئى أو معلوماتى أو تقني، وبغض النظر عن هدفه كونه ربحيا أو تطوعيا أو خيريا، فالنتيجة تتبلور فى منتج أو خدمة ـ بسوق معينة ـ لمستخدم أو عميل ـ لتحقيق منفعة، بهدف الربح.
لاخلاف أن دراسات الجدوى الاقتصادية عماد نجاح المشروعات، ولكن لا يقل عنها أهمية وأثرا دراسة الجدوى القانونية لها، وإن كان مفهوم دراسات الجدوى القانونية وخريطة البنية القانونية للمشروعات.
يعرف عالم البزنس الغربى والأمريكى بصفة خاصة، مفهوم (من الفكرة إلى التسويق)، وهو وجود تصور أقرب ما يكون للوضوح حول فكرة المشروع، منتجه وخدمته، عناصر تأسيسه، سوقه، عميله المستهدف، فوائده، المشاكل التى سيحلها، الفراغ الذى سيسده أو الاحتياج الذى سيلبيه، تسويقه، ربحيته المتوقعة شكلا وموضوعا. إلى جانب ما تقدم هناك البنية القانونية للمشروع المتمثلة فى القانون الخاضع له، شكله القانوني، توثيق خطواته، رسم خريطة علاقات الأطراف والمصالح والمخاطر، الصيغ التعاقدية المقننة لهذه العلاقات، الدورة المستندية الموثقة لتنفيذ الالتزامات والحقوق العقدية.
القيمة الموضوعية لمفهوم (من الفكرة للتسويق) هو مصاحبة القانون كمهندس للعلاقات من البداية لهذا المفهوم، (بمفهوم حكم المباراة الملتزم بالتبصير)، بما يضمن عدم إضاعة وقت ومجهود أطراف المشروع، فى تأسيسهم مشروع غير قانونى أو مخالف أو غير محمى أو مؤمن قانونا أو به ثغرات أو متعارض المصالح أو متخم بالفراغات القانونية.
درجت عادة المشروعات المصرية والعربية، أن تبدأ بفكرة المشروع وأطرافه وموارده وسوقه وعملائه وربحيته، ثم تحيل (التركيبة) إلى الإدارة القانونية أو المحامى أو المستشار القانونى وتضغطه زمنيا (لكتابة العقود) لاستعجال بداية عمل المشروع وتسديد المقدمات المالية..الخ.
نتيجة عدم مصاحبة القانون أو القانونى لمفهوم (من الفكرة للتسويق)، فكثيرا ما تأتى العقود قاصرة الفهم، جامدة الصياغة أو مرنة لدرجة سقوط الحقوق منها، لا تعبر عن المصالح الحقيقية للأطراف التى قد يورطها التنفيذ العملى للمشروع فى تعارض أو تضاد وإساءة استخدام الحقوق أو لدونة الالتزامات.
وفى مشروعات معينة (مثل مشروعات تسليم المفتاح أو البنية الرقمية أو حقوق الملكية الفكرية أو البرمجيات أو التجارة الدولية) فإن غياب فهم واستيعاب القانونى لهدف المشروع ومقاصد أطرافه وطبيعة الأدوار وشكل المنتج أو الخدمة وما يفترض حمايته أو تحديد استخدامه، قد يورط تنفيذ المشروع وأطرافه والمنتج أو الخدمة مستقبلا فى مشاكل ومسؤوليات قانونية وأخطاء تنفيذ وضياع حقوق، تعز عن التدارك.
خريطة البنية القانونية للمشروعات، أداة ومنهجية لا تقل أهمية وخطورة عن الدراسة الاقتصادية والفنية له، وإلا صادف العمل والأطراف المخاطر التالية:
تورط المشروع فى مركز قانونى مادى غير مدروس، بتبنى منهج القص واللصق وتقنين حالة بحالة، وليس حلا قانونيا متكاملا، نتيجة لبس الفهم وخلط الأوراق وعدم حسم أولوياته، بما قد يضيع الحقوق ويضاعف الالتزامات، نتيجة الخطأ فى التنفيذ أو عدم وضوح الرؤية.
خسارة مالية مؤقتة / دورية / دائمة، نتيجة التورط فى التزامات ومسؤوليات لعيب فى شكل العمل أو الإجراء أو طريقة تنفيذه.
تضارب الاختصاصات وشيوع المسئولية وانعدام جهة محددة للمحاسبة وبالتالى ضياع الحقيقة.
السماح بتصورات وسيناريوهات غير مدروسة تأخذ بسياسة القطع واللصق، بدون رؤية موحدة، تسمح بفشل محدود ومحدد، للوصول بنجاح للهدف النهائى.
تبديل المحامين أو المستشارين القانونيين، مع تغيير الخطط القانونية، للضعف وتضارب النتائج، إنقاذا للعمل.
بروز ضغوط مالية خانقة خارج ميزانية المشروع، لعلاج عيوب التنفيذ أو نقص المعلومات أو تجاوز الأهداف.
تعارض مصالح وخلط أوراق وطفو مصالح شخصية وإلقاء التبعات لعدم توحيد الفهم بين أعضاء فريق العمل.
التضحية بميزانية وجهد وتنظيم وسمعة، نتيجة عدم التأكد من المستندات أو دقتها أو توفر الصفات الصحيحة..إلخ
التورط فى مخالفة صريحة / ضمنية للقانون، يستغلها الطرف الآخر كأداة ابتزاز ليحصل من المشروع وأطرافه على ما يجاوز حقه بمراحل.
الزج بالمشروع وأطرافه ومصداقيتهم فى مسؤوليات قانونية وعقدية تفوق قدراتهم وتعوق نموهم لفترات طويلة.
عدم السيطرة الزمنية على تداعيات الخطأ فى التنفيذ، بما يستتبعه من استنزاف موارد مالية وجهد ووقت إضافى.
نتيجة الأخطاء المتراكمة وتردى المركز، تبحث الإدارة الوسطى فى المنشأة عن كبش فداء، ليُقدم لحسابات الإدارة العليا ويتم إعادة تقييم الأخطاء بغير مسؤوليها الحقيقيين.
انفصال الإدارة العليا للمشروع عن واقع المركز القانونى وتجاهل تقارير المستشارين والإصرار على نتائج شخصية تكبد المشروع فقد المصداقية لسمعته واستنزاف موارده وجهد فريق عمله.
عند وصول العمل لمرحلة التأزم المحرج ( أحكام قضائية / تنفيذها / محاضر رسمية / نزع صلاحيات المفاوض / ظهور تلفيق مستندات /..إلخ )، يضحى أطراف المشروع بكل ما تم من عمل وجهد ومال، لمجرد وقف الإحراج ورفع الضغط اللحظى بدعوة الانصراف للعمل الحقيقى !!؟.
من هنا، تبرز أهمية اعتبار المشروعات المصرية والعربية للدور المبكر للقانون والقانونى فى تصميم خريطة البنية القانونية للمشروعات للخروج من دائرة (الاجتهاد والمحاولة) للدخول فى دائرة (الاحتراف والنجاح).
- محامى وكاتب مصرى