يتوقع معهد التمويل الدولى IIF ارتفاع قيمة الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى لمصر إلى 389 مليار دولار مع نهاية العام الجارى واستمرار صعودها لتصل إلى 397 مليار دولار خلال العام المقبل بينما ستتحسن نسبة التغير فى هذا الناتج من %1.6 فى عام الوباء إلى %3 هذا العام وأكثر من %4.8 فى 2022.
ويرى جاربيس إيراديان رئيس قسم الاقتصاد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – مينا – بمعهد IIF أن تحسن الناتج المحلى الإجمالى يرجع إلى قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة وباء كورونا من خلال استجابة الحكومة بالإجراءات الصحية الفعالة فى الوقت المناسب واستخدام مجموعة شاملة من التدابير المالية والنقدية وتمويلات كافية من مصادر متعددة الأطراف.
تحسن التضخم
وجاء فى تقرير معهد IIF الصادر هذا الشهر استمرار تعافى الناتج المحلى الإجمالى منذ عام الوباء وحتى العام القادم وكذلك تحسن مرتقب فى متوسط معدل التضخم ليقل من 5.7 % فى 2020 إلى 4.5 % بنهاية العام الحالى ويستقر تقريبا عند %4.6 فى 2022.
ومن المؤشرات الأساسية التى توقعها المعهد للاقتصاد الكلى لمصر تدفقات رأس المال التى ستقفز هذا العام إلى 22.6 مليار دولار ارتفاعا من 6.9 مليار دولار فقط فى عام الوباء بسبب توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية فى أنحاء العالم نتيجة انتشار فيروس كورونا منذ بداية العام الماضى وحتى الآن لدرجة أن عدد المصابين بكوفيد 19 تجاوز 241 مليون حالة واقترب عدد الوفيات من 5 ملايين ضحية.
هبوط الديون
وإذا كانت ديون الحكومة كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى من المتوقع أن ترتفع قليلا من %91.9 العام الماضى إلى 93.3 % هذا العام إلا أنها ستهبط إلى 89.4 % خلال العام القادم كما ذكر المعهد فى تقريره.
ولكن الديون الخارجية من المتوقع أن ترتفع من 34.1 % من الناتج المحلى الإجمالى العام الماضى إلى 36.4 % بنهاية العام الجارى وإلى 38.8 % العام المقبل فى حين أن الاحتياطى الرسمى الذى بلغ 32.7 مليار دولار فى عام الوباء سينخفض قليلا إلى 32.6 بنهاية العام الحالى ولكنه سيتحسن ليرتفع إلى 33.7 مليار دولار خلال العام المقبل.
وتحاول الحكومة مواجهة الزيادة المرتقبة فى تكاليف الاقتراض – عندما يرفع مجلس الاحتياطى الفيدرالى «البنك المركزى الأمريكى» سعر الفائدة خلال الشهور القادمة ولكن مصر تسجل تقدما ملموسا حيث هبطت نسبة الإنفاق من الميزانية إلى %36 فى يونيو الماضى بدلامن %40 فى نفس الشهر من عام الوباء وتستهدف انخفاضها أكثر إلى %32 بحلول منتصف العام القادم.
واستطاعت الحكومة رفع صافى الاحتياطى الأجنبى فى مصر فى أغسطس الماضى لتصبح أكثر قدرة على مواجهة أى تقلبات فى سوق الديون، كما أن لديها أنشطة اقتصادية أخرى تساعدها على التعامل مع أى انخفاض فى تدفقات الاستثمارات الأجنبية غير أنها تسعى أيضا لتنويع سنداتها وتوسيع قاعدة المستثمرين فى ديونها والتحول إلى الديون ذات الآجال الطويلة لتتمكن من تخفيف الضغوط الفورية التى تواجهها بسبب خروج المستثمرين الأجانب من خلال تأجيل سداد التزاماتها المالية.
نجاح المراجعة الأخيرة
وأكد جاربيس أن الحكومة المصرية استطاعت أن تُكمل بنجاح فى يونيو الماضى المراجعة الثانية والأخيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يدعمه صندوق النقد الدولى من خلال اتفاقية تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للحصول على الدعم المالى SBA والتى تستغرق 12 شهرا.
وحققت الحكومة من خلال سياساتها النقدية والمالية التوازن المناسب لدعم التعافى الاقتصادى القوى من تداعيات وباء كورونا وفى نفس الوقت تواصل الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى وتسعى لتقليص الديون العامة وإعادتها إلى مسار الاتجاه النزولى بحسب جاربيس.
وأعلنت الحكومة المصرية أنها تستهدف تحقيق نمو اقتصادى بأكثر من 5.5 % مع نهاية السنة المالية الحالية، بعد أن سجلت 3.3 % خلال السنة المالية المنتهية يونيو الماضى، رغم استمرار فيروس كورونا وتداعياته الخطيرة التى ترتب عليها إغلاق العديد من الأنشطة الاقتصادية فى جميع دول العالم بما فيها مصر ودول الخليج الغنية، كما توقع البنك الدولى ارتفاع معدل نمو الاقتصاد خلال السنة المالية الجارية إلى %5.
أسعار الفائدة ثابتة
وحافظ البنك المركزى على أسعار الإقراض لليلة واحدة وأسعار الفائدة على الودائع ثابتة منذ أواخر عام الوباء وحتى الآن وهبط معدل التضخم الأساسى إلى أقل من %4 فى سبتمبر الماضى بالمقارنة بنفس الشهر من 2020 لينخفض عن المستوى الذى استهدفته الحكومة مما يعنى أنها ستصبح قادرة على تخفيف السياسة النقدية أكثر خلال الفترة القادمة.
وأشار جاربيس إلى أن النظام البنكى مازال قويا مع ارتفاع معامل كفاية رأس المال إلى 16.8 % وهبوط معدل القروض المتعثرة أو المعطلة NPLs إلى 3.5 % خلال الربع الثانى من العام الحالى علاوة على أن مخاطر التمويل مازالت متدنية ولكن صافى الأصول الأجنبية للبنوك انخفض فى الشهور الأخيرة غير أن الدعم المالى التدريجى الجارى حاليا مع الارتفاع فى نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى يؤيدان توقع المعهد لانخفاض ديون الحكومة خلال العام المقبل.
الوباء يقلص السياحة
ويحذر المعهد من أن العجز فى الحساب الجارى سيرتفع هذا العام إلى %4.2 من 3.1 % فى عام الوباء ولكنه سيهبط فى العام القادم إلى %3.7 بسبب ضعف إيرادات السياحة التى كانت تمثل %10 من الناتج المحلى الإجمالى قبل ظهور وباء كورونا.
وهبطت الإيرادات السياحية لمصر بنسبة %50 لتسجل 4.9 مليار دولار خلال السنة المالية الماضية متاثرة بالصدمة التى تعرضت لها السياحة الدولية بسبب كورونا بالمقارنة مع ما يقرب من 13 مليار دولار فى عام ماقبل الوباء.
وارتفعت إيرادات السياحة إلى ما بين 3.5 مليار و4 مليارات دولار فى النصف الأول من العام الحالى، فى حين بلغ عدد السائحين الذين استقبلتهم البلاد أكثر من 3.5 مليون سائح ولكن من المتوقع زيادة عدد السائحين الفترة المقبلة بنسبة تتراوح بين 45 و%60، مقارنة بالعام الماضى.
وكانت الحكومة أغلقت الفنادق فى مارس من العام الماضى بسبب الأزمة الصحية ثم أعادت فتحها بعد حوالى شهرين بنحو %25، من السعة الاستيعابية وزادت تلك النسبة لاحقا إلى %50 ولكن بدأ الاقتصاد يتحسن خلال هذا العام مع انتعاش حركة السياحة ووصول الأفواج السياحية من بعض دول العالم بفضل تزايد التطعيمات وهبوط أعداد المصابين من كوفيد 19.
ورغم أن السياحة كانت من الموارد الرئيسية للعملة الأجنبية إلا أنها من أكثر القطاعات الاقتصادية التى تأثرت سلبا بسبب انتشار كوفيد 19 الذى كبد شركات السياحة والطيران خسائر فادحة على مستوى العالم مع توقف حركة الطيران وفرض قيود على حركة الناس لمنع تفشى العدوى بالفيروس المميت ولكن من المتوقع أن تعود إيرادات السياحة إلى طبيعتها فى مصر مع نهاية العام القادم كما جاء فى تقرير معهد IIF.
تدفقات تحويلات العاملين فى الخارج
وأوضح جاربيس فى تقرير المعهد أن تدفقات تحويلات العاملين المصريين فى الخارج زادت بدرجة كبيرة خلال العام الماضى وحتى الآن ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع العام القادم أيضا مع تزايد التطعيمات ضد كورونا وتعافى القطاعات الاقتصادية فى دول الخليج التى يعمل بها معظم المصريين.
دفعت السياسات التى تبناها البنك المركزى المصرى السيولة الدولارية الواردة من الخارج إلى السوق الرسمية وخزائن البنوك مع اختفاء تجارة العملة فى السوق السوداء وعمليات الدولرة لتتجه تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى المصارف الرسمية ولتسجل مستويات قياسية وتاريخية.
وزادت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال السنة المالية 2020 / 2021 بأكثر من %13 لتتجاوز 31 مليار دولار لتسجل أعلى مستوى تاريخى لها مقارنة مع 27.8 مليار دولار خلال السنة المالية السابقة كما ارتفعت قيمة التحويلات خلال الفترة من شهر أبريل وحتى يونيو من العام الحالى بمعدل %29.6 لتصل إلى 8.1 مليار دولار بينما قفزت خلال يونيو فقط بمعدل سنوى بلغ %15.5 لتقترب من 3 مليارات دولار.
وأدى إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى فى أول نوفمبر 2016 وتحرير سوق الصرف وتعويم الجنيه مقابل الدولار إلى حصول الجهات والمصارف الرسمية على الحصة الأكبر من إجمالى السيولة الدولارية والعملة الصعبة الواردة من الخارج لدرجة أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت إلى 18.7 مليار دولار خلال العام المالى 2016 / 2017 وإلى 24.7 مليار دولار خلال العام المالى التالى وإلى نحو 25.5 مليار دولار خلال العام المالى 2018 / 2019 وإلى 27.8 مليار دولار بالعام المالى 2019 / 2020 ثم قفزت إلى 31.4 مليار دولار السنة المالية الماضية ليتجاوز إجمالى التحويلات منذ التعويم 128 مليار دولار.
سوق الديون أكثر جذبا للأجانب
أما سوق الديون المصرية فقد أكد جاربيس أنها باتت من أكثر أسواق الدول الناشئة جذبا للمستثمريين الدوليين بفضل استمرار ارتفاع عوائد السندات وأذون الخزانة واستقرار سعر الصرف الأجنبى لدرجة أن صافى تدفقات رأس المال قفز بأكثر من الضعف هذا العام حتى الآن بفضل تزايد ممتلكات الأجانب من هذه الديون.
وحققت الحكومة تقدما واضحا فى الإصلاحات الهيكلية خلال الثلاث سنوات الماضية ومنها تنفيذ إصلاحات فى القواعد التنظيمية مما أدى إلى تزايد الاستثمار الأجنبى المباشر FDI غير أن معظمه يركز على قطاع الطاقة لكن تحقيق نمو اقتصادى أعلى وشامل ومستدام يتطلب التركيز على تخفيف التحديات الهيكلية ومنها تحسين بيئة البينزس وإصلاح الماليات العامة وتوفير حرية ومساحة أوسع لأنشطة القطاع الخاص وتيسير نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة.