معهد التمويل الدولى IIF يتوقع ارتفاع أسعار المعادن الأساسية %44 بنهاية العام الجارى

مع انتعاش التكنولوجيا الخضراء ومنتجات الطاقة المتجددة

معهد التمويل الدولى IIF يتوقع ارتفاع أسعار المعادن الأساسية %44 بنهاية العام الجارى
خالد بدر الدين

خالد بدر الدين

7:46 ص, الثلاثاء, 31 أغسطس 21

يتوقع معهد التمويل الدولى IIF ارتفاع أسعار المعادن الأساسية ولاسيما النحاس والحديد الخام و البلاديوم والقصدير بحوالى 44 % مع نهاية العام الجارى بسبب ضعف المعروض منها نتيجة تعطل سلاسل الإمدادات جراء الإغلاقات العديدة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا وبفضل تزايد الطلب عليها من الصناعات التى تعتمد منتجاتها على الطاقة المتجددة وبصفة خاصة السيارات الكهربائية وذاتية القيادة.

توقعات بتراجع نحو %5 العام القادم مع زيادة الإنتاج وانحسار القيود على سلاسل الإمدادات

ويرى الباحثون فى معهد IIF أن أسعار المعادن الأساسية من المتوقع أن تتراجع بحوالى 5 % خلال العام القادم مع زيادة الإنتاج وانحسارالقيود على سلاسل الإمدادات بعد أن قفزت إلى مستويات قياسية خلال الشهور القليلة الماضية وحتى الآن.

وجاء فى تقرير المعهد الصادر هذا الشهر أن أسعار المعادن الأساسية هبطت خلال السنوات من 2012 إلى 2019 مما أدى إلى انهيار الإنفاق على تعدينها وتراجع إنتاج الشركات العالمية الكبرى وانخفاض المعروض منها لترتفع أسعارها هذا العام.

المعادن الأساسية لها أهمية حيوية للتكنولوجيا الخضراء

وازداد الطلب على المعادن الأساسية التى تلعب أدوارا حيوية فى إنتاج الشركات الأمريكية والكندية وغيرها من الدول خارج منظمة أوبك للطاقة المتجددة مع اتجاه العالم لتقليص الانبعاثات الكربونية وتطوير التكنولوجيا الخضراء للحفاظ على كوكب الأرض وتنقية الهواء من العوادم الملوثة.

وُيعرف الارتفاع القوى فى أسعار المعادن الأساسية منذ عام الوباء وحتى الآن بأنه «»دورة سوبر»» ويشرحها مؤلفو تقرير معهد IIF بأنها الفترة التى يستمر فيها نمو الطلب قويا لمدة طويلة ولايستطيع الموردون تلبية احتياجاته بشكل كامل وكانت آخر دورة سوبر خلال السنوات من 2002 إلى 2008 وكانت بدافع النمو العالمى القوى ولاسيما عندما كان متوسط نمو اقتصاد الصين 11 % سنويا خلال تلك الفترة .

«الدورة السوبر» تسيطر على أسعار المعادن الأساسية

وتتميز الدورة السوبر الحالية بتوليفة من العوامل تشمل ارتفاع الطلب مع إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية بعد الإغلاقات التى تسبب فيها فيروس كورونا والتدابير التحفيزية التى منحتها عدة حكومات متقدمة وناشئة وتزايد القيود على المعروض بسبب الاختناقات العديدة التى تعانى منها شركات التعدين والاستثمارات الموجهة لتحقيق الحياد الكربونى والتى تستخدم هذه المعادن الأساسية بكثافة عالية مما ساعد على ارتفاع أسعارها بصورة قياسية.

ويعتقد بعض المحللين والمستثمرين أن الارتفاع فى أسعار المعادن الأساسية فى النصف الأول من العام الحالى هو بداية دورة سوبر جديدة، ولكن مؤلفى تقرير معهد IIF يرون أن صعود أسعارها يرجع غالبا إلى انعدام توازن مؤقت بين العرض والطلب على هذه المعادن الأساسية وأن التدابير المالية والنقدية التحفيزية التى نفذتها دول عديدة متقدمة وناشئة هى إجراءات مؤقتة تمثل جزءا من برامج التعافى الحكومية من وباء كورونا.

وأكد المعهد أن معظم الدول ستحتاج خلال الأعوام القادمة بعد انحسار وباء كورونا إلى تقليض الإنفاق وزيادة الضرائب لسد العجز فى الميزانية، وستتجه بنوك مركزية عديدة لرفع أسعار الفائدة لتخفيف الضغوط التضخمية مما سيؤدى إلى تقليل المشروعات التى تعتمد على المعادن الأساسية فتنخفض أسعارها.

وتتجه شركات إنتاج المعادن الأساسية إلى زيادة إنفاقها الرأسمالى خلال العام القادم ليرتفع إلى مستويات ما قبل الوباء فى محاولة منها للاستفادة من أسعار الفائدة المتدينة وأسعار المعادن المرتفعة غير أن هذه الزيادة ستؤدى إلى تضخم المعروض مما يؤدى بدوره إلى خفض الأسعار فى المستقبل.

النحاس يسجل أعلى مستوى فى تاريخه

وقفزت أسعار النحاس إلى 9705 دولارات للطن فى المتوسط خلال الربع الثانى من العام الجارى لتسجل أعلى مستوى فى تاريخها بسبب ضعف المعروض وتعافى الاقتصاد العالمى وتزايد الطلب جراء التحول للطاقة المتجددة، حيث يعد النحاس أكثر المعادن كفاءة فى التحول نحو الاقتصاد الأخضر بفضل قدرته العالية على توصيل الكهرباء لدرجة أن السيارات الكهربائية تحتوى على ثلاثة أضعاف كمية النحاس التى توجد فى السيارات التقليدية، مما يعنى استمرار استهلاك النحاس فى المستقبل مع اتجاه معظم شركات السيارات العالمية لإنتاج مركبات كهربائية.

النحاس سجل أعلى مستوى خلال الربع الماضى

وساعد ارتفاع أسعار النحاس مؤخرا على تزايد الاستثمار فى التعدين ولكن المحللين فى معهد IIF يعتقدون أن أسعاره ستواجه حركة تصحيح متواضعة قبل نهاية العام الجارى وخلال العام القادم بسبب تباطؤ الطلب وارتفاع الإنتاج فى شيلى و بيرو والصين والكونغو والولايات المتحدة (حوالى 60 من الإنتاج العالمى).

ارتفاع أسعار الحديد والبلاديوم بأكثر من الضعف

وارتفعت أسعار الحديد الخام والبلاديوم فى يونيو الماضى بأكثر من الضعف بالمقارنة بنفس الشهر من عام الوباء حيث يستخدم الحديد الخام فى صناعة الصلب والفولاذ بينما يستخدم البلاديوم كعامل حفاز لترشيح غازات العوادم فى مختلف الصناعات فى الدول المتقدمة والصين لتحقيق المعايير المتشددة لتقليص الانبعاثات الكربونية.

الحديد قفز بأكثر من الضعف فى يوليو

وساعد على ارتفاع الحديد الخام والصلب أيضا الزيادة الحادة فى الإنفاق على مشروعات البنية التحتية والبناء فى الصين التى تبلغ حصتها 40 % من الاستهلاك العالمى للحديد والصلب بينما لم يرتفع إنتاج الحديد الخام إلا بنسبة طفيفة خلال العام الجارى حتى الآن ومازال المعروض منه منخفض للغاية ولكن من المتوقع أن يرتفع الإنتاج فى أستراليا والبرازيل اللتين يساهمان بحوالى 55 % من الإنتاج العالمى.

وزادت أيضا أسعار المعادن الأساسية الأخرى مثل الألومنيوم والزنك فى يونيو الماضى بحوالى 56 % و 46 % على الترتيب بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضى لتسجل نفس المستويات القياسية التى حققتها فى فبراير 2011 .

ويستخدم الألومنيوم فى العديد من صناعات الطيران والفضاء والسيارات والقطارات والتغليف وبلغ استهلاك وإنتاج الصين 60 % و56 % على التوالى من الاستهلاك والإنتاج العالمى خلال العام الماضى ومن المتوقع أن يستمر ذلك مع اتجاه حكومة بكين لتنفيذ السياسة الصناعية الخالية من العوادم الكربونية.

هبوط مؤشر ICB 5%

ومن ناحية أخرى هبط مؤشر بلومبرج للسلع الخام BCI بحوالى 5 % خلال أغسطس الجارى بقيادة قطاع الطاقة ولاسيما البترول الذى خسر أكثر من 10 دولارات ليهبط إلى أقل من 65 دولارا للبرميل برغم أن قطاع الطاقة زاد أكثر من 23 % خلال الربع الثانى من هذا العام ليقفز مؤشر BCI بنسبة 13.3 % خلال الربع الماضى ليتجاوز إجمالى ارتفاعه 21 % خلال النصف الأول من العام الجارى

وأدت القيود التى تفرضها منظمة أوبك على إنتاج النفط إلى ارتفاع أسعار البترول بأكثر من 24.6 % خلال الربع الماضى وأكثر من 50 % خلال النصف الأول من العام الحالى لتسجل أعلى مستوى منذ أكتوبر 2018 كما صعدت أيضا أسعار معظم السلع الخام خلال الربع الماضى منها المعادن النفيسة بأكثر من 3.9 % و السلع الزراعية بما يقرب من 12.8 %.

دلتا يضغط على الحديد والنحاس مؤخراً

وانخفضت أسعار الحديد الخام حلال الأسبوع الماضى بحوالى 14 % لينزل إلى أدنى مستوى منذ ديسمبر الماضى وكذلك أسعار النحاس تراجعت إلى أدنى مستوى منذ أربعة شهور بسبب تزايد المخاوف من تعثر الاقتصاد العالمى مع انتشار سلالة دلتا المتحورة من فيروس كورونا الذى تسبب حتى الآن فى إصابة ما يزيد عن 216 مليون حالة ووفاة مايقرب من 4.6 مليون ضحية على مستوى العالم.

وأكد مارك أوستوالد الخبير الاقتصادى والاستراتيجى العالمى بشركة ADM انفيستور سيرفيسيز انترناشيونال فى لندن أن انخفاض أسعار السلع الخام والمعادن الأساسية أيضا يرجع إلى اتجاه حكومة بكين لخفض إنتاج واستهلاك الحديد بقية شهور هذا العام واعتزام حكومة واشنطن تقليص التدابير التحفيزية وتشديد السياسة النقدية فى وقت أقرب حيث من المتوقع لتهوى أسعار الحديد بأكثر من 40 % عن المستوى القياسى الذى صعدت إليه منذ ثلاث شهور فقط.

النحاس يخسر 1913 دولار

تراجعت أسعار النحاس من 10.7 ألف دولار للطن فى مايو الماضى إلى 8787 دولارا للطن فى بورصة لندن للسلع بانخفاض 1913 دولارا وهبطت أسعار القصدير 11 % وكذلك هبطت أسعار الأخشاب فى السوق الأمريكية من أكثر من 1700 دولار فى مايو الماضى إلى حوالى 470 دولار لكل ألف قدم من ألواح الأخشاب فى نهاية الأسبوع الثالث من أغسطس الحالى.

وأعلن أوليه هانسين رئيس استراتيجية السلع فى بنك ساكسو أن الحديد الخام يمثل أهم سلعة حيوية للصين ولذلك عندما يتعرض النشاط الاقتصادى للتباطؤ ويزداد انتشار العدوى من وباء كورونا وتتعطل خطوط إمدادات المعادن يصبح الحديد الخام على خط النار لدرجة أن أسعاره هوت بسرعة مع ظهور توقعات بانخفاض الطلب الصينى عليه كما يتوقع بنك مورجان ستانلى المزيد من الانخفاض فى أسعار الحديد بسبب ضعف الطلب من الصين .

ولكن شو شيانج شون خبير صناعة الحديد منذ أكثر من 30 سنة و رئيس قسم المعلومات فى مركز مايستيل جلوبال لبحوث أسواق المعادن يتوقع هبوط الطلب على الحديد وفى قطاع العقارات والإنشاءات خلال النصف الحالى ولكنه يرى أن هذا الهبوط لن يكون كبيرا لأن حكومة بكين تعهدت بتعزيز الاستثمارات فى مشروعات البنية التحتية التى تحتاج إلى العديد من المعادن الأساسية وخصوصا الحديد لتعويض المخاطر الاقتصادية الناجمة عن الوباء.

طالبان تسيطر على كنوز من المعادن الأساسية والنادرة

عندما اجتاح مقاتلو حركة «طالبان» العاصمة الأفغانية كابول فى 15 أغسطس الجارى فإنهم لم يسيطروا على إدارة الدولة فحسب ولكنهم استولوا أيضا على ثروة هائلة من المعادن الأساسية والنادرة منها النحاس وخام الحديد والألومنيوم والزنك علاوة على اللانثانم والسيريوم والنيوديميوم والبريليوم والليثيوم والتى تقدر قيمتها بحوالى تريليون دولار وفقا لتقديرات وزارة المناجم والبترول فى أفغانستان و 3 تريليونات دولار بحسب هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية.

ويرى محللون أن الأحداث العنيفة الأخيرة فى أفغانستان تثير مخاوف للصين وتهدد مستقبل مبادرة الحزام والطريق التى تنفذها بكين والتى تمثل مشروعا عالميا يضم حوالى 140 دولة وخطة للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية أطلقها الرئيس الصينى شى جين بينج فى 2013، بهدف بناء شبكة اقتصادية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا لتعزيز نفوذها العالمى ولرفع المنافسة مع نظيرتها الولايات المتحدة.

عند غزو أفغانستان كان الاقتصاد العالمى لا يعرف تيسلا وآيفون والذكاء الصناعى

وعندما قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان فى عام 2001 كان الاقتصاد العالمى مختلفا تماما فلم تكن شركة تيسلا الأمريكية المتخصصة فى السيارات الكهربائية قد ظهرت بعد ولم تكن موبايلات أيفون لها وجود وكان الذكاء الصناعى مجرد خيال علمى فى أفلام المخرج ستيفن سبيلبرج غير أن الموقف تغير الآن مع اعتماد الاقتصاد الحديث على رقائق التكنولوجيا المتقدمة و البطاريات الكهربائية التى تستخدم مجموعة كبيرة من المعان النادرة التى تملك منها أفغانستان أكبر احتياطى فى العالم ولاسيما الليثيوم.

ومن بين أبرز عناصر هذه الثروة المعدنية التى تشتهر بها أفغانستان؛ النحاس، حيث تمتلك ثانى أكبر احتياطى فى العالم منه، بقيمة تقدر بنحو 88 مليار دولار وحوالى 2.2 مليار طن من خام الحديد و 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة لتصبح أفغانستان دولة مهمة فى مبادرة الحزام والطريق التى تستثمر فيها الصين حوالى 25 مليار دولار لأن أفغانستان تمثل الطريق الأقصر ما بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وما بين الصين ودول الشرق الأوسط.

الصين أكبر منتج لليثيوم فى العالم

وإذا كانت واشنطن تسعى إلى فصل سلاسل إمداد الطاقة النظيفة عن الصين، التى تعتبر أكبر منتج لليثيوم فى العالم، فإن امتلاك أفغانستان للمعادن وخصوصا النادرة سيجعلها قادرة على أداء دور حيوى لبناء اقتصاد الطاقة النظيفة العالمى كما أن سيطرة طالبان عليها يشكل ضربة قاسية للمصالح الاقتصادية الأمريكية لدرجة أن وزارة الدفاع الأمريكية أصدرت منذ عدة سنوات مذكرة داخلية وصفت فيها أفغانستان بأنها «السعودية لليثيوم»، بعد أن اكتشف الجيولوجيون الأمريكيون الحجم الهائل للثروة المعدنية فيها.

ولذلك تحاول حكومة بكين استعادة علاقاتها القوية مع طالبان بعد خروج الجيش الأمريكى من أفغانستان واستئناف اتصالاتها مع قادة الحركة لدرجة أنها بعد ساعات فقط من اجتياح حركة طالبان لأفغانستان، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية إن بكين مستعدة لتعاون ودى مع كابول للاستفادة من المعادن الأرضية النادرة التى تهيمن عليها الصين على مستوى العالم، والتى كانت هددت بقطع الإمدادات عن الولايات المتحدة خلال الحرب التجارية بينهما فى عام 2019 حيث تستخدم الشركات هذه العناصر الأرضية النادرة فى جميع المنتجات من الأجهزة الإلكترونية إلى السيارات الكهربائية وحتى الطائرات والأقمار الصناعية .

تعزيز العلاقات مع طالبان يهدد التكنولوجيا الأمريكية

وأعلن قادة طالبان فى مناسبات متعددة أنهم يريدون مشاركة الصين فى إعادة إعمار أفغانستان وتنميتها بعد أن ازداد النفوذ الاقتصادى الصينى فى أفغانستان فى السنوات الأخيرة ففى عام 2016 وقعت بكين وكابول مذكرة تفاهم تعهدت من خلالها بكين بتمويل البلاد بحوالى 100 مليون دولار على الأقل وتم إطلاق قطار شحن مباشر من الصين إلى بلدة حيراتان الحدودية الأفغانية فى سبتمبر 2016 وإنشاء ممر جوى يربط بين كابول ومدينة أورومتشى الصينية.

و يبدو أن الاستقرار الأمنى والاقتصادى فى أفغانستان هو أهم عامل فى المعركة بين أكبر اقتصادين فى العالم لأن استغلال الصين للمعادن النادرة الأفغانية سيجعلها تسيطر أكثر على سوق العناصر الأرضية النادرة على مستوى العالم حيث تحظى بحوالى %35 من احتياطيات العناصر النادرة لتسجل أعلى مستوى فى العالم وأنتجت 120 ألف طن أو %70 من إجمالى العناصر الأرضية النادرة فى عام 2018، مقارنة بالولايات المتحدة التى استخرجت 15 ألف طن منها فقط فى نفس العام كما أن الاحتياطيات الأمريكية تبلغ 1.4 مليون طن مقابل 44 مليون طن منها فى الصين التى كانت تصدر %80 من احتياجات الولايات المتحدة.