مصر وآفاق التغيير العربية

10:31 ص, الثلاثاء, 4 سبتمبر 18

جريدة المال

المال - خاص

10:31 ص, الثلاثاء, 4 سبتمبر 18

منذ سقوط الدول العثمانية 1917 والوحدات السياسية المستحدثة آنئذ للمديريات العربية من بعد عهد الإمبراطوريات والخلافة- إلخ، وهى فى حالة ثورة مستمرة لإعلاء مقومات التحدى القومى .. تحاول من خلاله الحلول مكان الإمبراطورية العثمانية الغاربة، كما كان لتطوير الأوضاع عقب نهاية الحرب العالمية الثانية وما تبعها من تصاعد حدة الحرب الباردة.. من الأسباب الجوهرية التى أدت إلى احتدام الصراعات الإقليمية والدولية داخل منطقة الشرق الأوسط وحولها لأربعة عقود تالية دون حسم، الأمر الذى حدا بالرئيس الأميركى «نيكسون» فى خطابه عن «حالة الاتحاد» 8 فبراير 1972 .. التحدث عن «استقرار الحدود بين القوتين العظميين فى أوروبا لكن ليست كذلك بعد فى منطقة الشرق الأوسط التى لم يستقر فيها الوضع النهائى فى علاقتيهما»، وليبقى من ثم العالم العربى.. وهو مركز الدائرة من الشرق الأوسط، محل تناوب هذا القطب أو ذاك، لولا جهود رجالات دولة عرب سعت على المستوى الشخصى للدفع قدماً بالعمل العربى فى إطار جامعة الدول العربية خلال سنوات تكوينها الأولى، وباتجاه التوقيع فى العام 1950 على اتفاقية «الدفاع العربى المشترك».. التى نادراً ما يتم تفعيلها لقصور فى البنية السياسية العربية أو للتباين بين درجات تطورها الاجتماعية والاقتصادية.. ما يجعل العالم العربى غير قادر على مواجهة التحديات التى تقابله طوال مشواره من بعد الحرب العالمية الأولى، وخلال الفترة ما بين الحربين العالميتين أو ما تلاهما من تعقيدات الحرب الباردة بين القوى الكبرى، ومن إرهاصات التنافس الإقليمى الذى يتصدره الصراع العربى- الإسرائيلى بجانب طموحات الإمبرياليات الإقليميات القديمة غير العربيات على أطراف المنطقة.. (إيران – تركيا – إثيوبيا).

فى سياق هذا المناخ الموات للمتربصين على إفساد جهود التضامن العربى، لأسبابهم، كان من الطبيعى وفى ظل تعقيدات حالتى الحرب والسلام أن ينتبه العرب إلى ضرورة لأْم الشمل لصد الهجمة الصهيونية فى 1967 ضد مجمل المنظومة العربية، إلا أنهم افتقروا من بعد أن وضعت الحرب أوزارها فى 1973لتوازى خطواتهم فى ظل تعقيدات حالة السلام، ما أدى إلى عزلة مصر على خلفية تصالحها مع إسرائيل.. وإلى وخروجها لنحو عقد كامل من جامعة الدول العربية، صالت خلاله وجالت إسرائيل كما تشاء .. من تدمير المفاعل النووى العراقى 1981 إلى غزو لبنان .. وتدمير البنية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية 1982.. إلخ، ذلك قبل أن تعيد أغلبية الدول العربية علاقاتها الثنائية مع مصر، ويؤكد مؤتمر القمة بالرباط 1988، فعالية مصر فى قلب العالم العربى، والتحامها به، فيما قد تزامنت عودة مصر إلى الصف العربى مع نهاية الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ولتتحرك أوروبا (المتصل أمنها بأمن البحر المتوسط والشرق الأوسط) إلى قلب الأحداث، سعيا وراء استقلال إرادتها، وبالتزامن من جانب آخر مع تصدع الجبهة اللا عربية فى المنطقة، لأسبابهم، إلا أن علاقات مصر مع أطراف اتحاد الجمهوريات العربية السابق – سوريا وليبيا – ظلت هشة، فيما استمر الخصوم التاريخيون للعرب فى تحيّن الفرص للانقضاض على إنجازات عربية حال تحققت، حتى لو كانت إنجازات متواضعة أو محدودة، إذ تحفظت إسرائيل على سبيل المثال على قبول صياغة القمة العربية 2002 حول مبادرة السلام (الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل)، وسرعان ما أدت انفجارات نيويورك 2001 إلى تعكير محاولات عربية لتفعيل دورها فى سياسة الوفاق العالمى، ذلك من خلال إلصاق «الإرهاب» بالعرب، ولتكثف واشنطن من شروطها لتطويع العرب، والتى سبق أن فرضتها عليهم بعد حربى الخليج الثانية والثالثة، وإلى حد تجريب سياستها فيما سمتها وزيرة الخارجية الأمريكية «الفوضى الخلاقة» التي أفرزت فيما بعد فوضويات «الربيع العربي» 2011.

إلى ذلك اتجهت رياح التغيير داخل الإقليم وعلى مستوى العالم.. إلى إعلاء شأن الجارات غير العربيات.. لتصبح قادرة على تحييد العالم العربى واستنزاف طاقاته، سواء بالنسبة لإيران الممتدة بنفوذها غرباً فى اتجاه العالم العربى، فضلاً عن امتلاكها تقنية تصنيع سلاح ذرى، إلى تركيا الساعية إلى تجريب استعادة هيمنتها القديمة على ما كان يسمى «المسألة الشرقية»، وإلى إثيوبيا المتطلعة لدور إقليمى محورى قد يتيحه لها تحكمها فى مسألة الأمن المائى (إلى جانب تركيا) فى المنطقة، وكلها أمور (علي حساب العرب) تضيف إلى إسرائيل من القوة .. ما يجعلها تتشبث حتى الآن بنتائج انتصارها فى 1967، إلا أن رياح التغيير غير المواتية للعرب فى السنوات الأخيرة، تبدو وكأنها تعدل مسارها لتوجه الأهداف العربية نحو التحقق، إذ إن سوريا بعد أن قضت أو كادت على «الإرهاب» الممنهج من قوى إقليمية، يلمّح وزير خارجيتها نهاية أغسطس 2018 بالعمل على استعادة لواء الإسكندرونة» من تركيا، كما أن وحدات من الجيش السورى أعادت نشر قواتها بالقرب من حدود «الجولان» المحتلة.. حيث الأبواب قد تكون مشرعّة لاستئناف تفعيل مفاوضات التسوية بينها وبين إسرائيل، (وهى المتوقفة منذ عام 2000 (المشرع/ باراك) ومن قبلها بين رئيسى أركان البلدين)، وبمساهمة مرجحة من روسيا التى تربطها علاقات متنوعة مع كلا الطرفين السورى والإسرائيلى، كما يبدو من جانب آخر أن اضطراب الأوضاع الداخلية والاقتصادية والسياسية، فى كل من إيران وتركيا ذات مردود غير مباشر.. للحد من نفوذ تدخلات طهران وأنقرة.. بالنسبة لاستقلال القرار السياسى فى كل من لبنان والعراق، ذلك فى الوقت الذى تتجه فيه الجهود الدولية والإقليمية وفى الأمم المتحدة نحو البحث على حلول وسط بين الفرقاء المتنازعين فى كل من الحالة الليبية واليمنية، وليس آخراً بالنسبة للتطوير الإيجابى الناشئ بشأن العلاقات الثنائية بين مصر واثيوبيا لتسوية خلافاتهما المائية.. ولدعم سبل التعاون التنموى بينهما، ذلك من غير استثناء إسرائيل التى رغم تشددها إلا أنها لا تملك فى إطار عزلتها الإقليمية والدولية غير الاستماع عاجلاً أم آجلاً، إلى نواهى السلام العادل، كونه الآن ليس غير بارد إلى ما لا نهاية، حتى تتخلى إسرائيل عن طموحاتها العنصرية «اللا واقعية»، أما عن مصر – قاطرة العمل العربي- فى ضوء جهود تنموية خلاقة.. واكتشافات بترولية واعدة.. وسياسات مالية تدفع عاجلاً أم آجلاً إلى تخفيض الديون، والبطالة، والتضخم، من ثم إلى توازن جبهتها الخارجية داخل الإقليم وعلي المستوى الدولى، ما يبشر بآفاق غير محدودة.. لازدهارها، ومن ثم إلى تقدم العمل العربى المشترك، بسيان، إلا أنه من الضرورى بالنسبة لكل ما سبق من مقتضيات.. حسن تقدير الأمور على المدى البعيد.. بحيث لا تتم التضحية بمزايا إستراتيجية «آجلة».. من أجل تحقيق نجاحات تكتيكية «ظرفية» قد تستجد، ذلك لتأكيد مواجهة تحديات التحول العالمى إلى نظام مرتقب «متعدد الأقطاب»، بقدر ما سيكون للعالم العربى من إسهامات فى تشكيله.. بنفس القدر الذى سوف تنعكس «رياح التغيير» بالإيجاب على المكانة العربية فى داخل الإقليم، وعلى مستوى العالم.

جريدة المال

المال - خاص

10:31 ص, الثلاثاء, 4 سبتمبر 18