من نافلة القول إن مصر هى الأكثر من غيرها اهتماماً بتعقيدات الحالة الليبية.. من قبل العام 2011 بنحو ستة عقود خلت بالتزامن مع استقلالها فى 1951 من بعد أن تناوبتها جيوش كل من الحلفاء والمحور أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث توحدت ولاياتها مع الاستقلال تحت سلطة مركزية.. لقيت المساندة منذئذ لمؤسساتها البازغة من مصر «المتاخمة» لأسباب جيوسياسية وأخلاقية وإنسانية، لم يحل دون دعمها.. محاولات خارجية للحيلولة بين ليبيا ولأن تكون «جسر تواصل» بين مصر والصحراء الكبرى (دول ما بين الساحل والصحراء)، إلى أن اتجهتا منذ نهاية الستينيات لمحاولة إقامة مشروع للوحدة الاندماجية بينهما سرعان ما اصطدمت منذ مطلع السبعينيات بعوائق متعددة (..) حالت دون استكمالها، وليفضى افتراق سبلهما إلى الوقوع فرادى – بشكل أو آخر – فى هوة الفوضى السياسية التى تجلت مظاهرها المأساوية فى العام 2011، خاصة بالنسبة إلى ليبيا التى أصبحت مرتعاً للجيوش الأطلسية قبل أن تتناوبها جماعات العنف المسلح بالانقسام والتدمير، وإن شاركاهما الجوار آخرون من دول عربية وأفريقية.. لا يُقاس اهتمامهم بالشأن الليبى عما يشغل القاهرة بتداعياته.. إذ إن الأخيرة – استثناء – (وربما الجزائر) هى الهدف المباشر لمحاولة وثوب الفوضى المسلحة إليها عبر ليبيا، ما يعيد لمصر سابق التزامها بضمان سيادة ليبيا ودعم مؤسساتها «ناهيك عن ترتيب حوارات مباشرة لتحقيق التوافق بين مختلف الفرقاء الليبيين الشرعيين» (…)، ذلك إلى جانب مشاركتها الفعالة فى الاجتماعات المتتالية لدول جوار ليبيا، حيث استضافت القاهرة منذ أيام اجتماعها العاشر، لدعم أمن واستقرار ليبيا.. ولرفض أى تدخل أجنبى فى شئونها الداخلية، ذلك فى الوقت الذى تقف فيه مصر بحزم إلى جانب الجيش الليبى فى مواجهة المتمردين.. الأمر الذى يمثل «دفاعاً إيجابياً» لمصر عن «المنطقة الغربية».. التى يحاول إرهابيون السيطرة عليها.. وبالتواصل مع عناصر «فجر ليبيا» الخارجة عن الشرعية، ذلك فى إطار التأكيد على أمن الحدود المصرية شرقًا وغربًا ولمكافحة الإرهاب على الساحة الداخلية، إذ لا تخفى محاولات حثيثة لاتصال المعارضين المسلحين بين بعضهم البعض من خلال النضاذ عبر الحدود والمنافذ والمعابر، تساعدهم على ذلك تطورات الأوضاع المضطربة على الصعيدين الإقليمى والدولى، برغم الجهود المبذولة سعياً للتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة فى المنطقة بوجه عام.
إلى تلك المرحلة لما بعد التداعيات السلبية لثورات الربيع العربى، قد ينطوى المستقبل – بالضرورة – على نموذج مختلف للمنطقة.. يطمح إلى التغيير نحو بناء مؤسسات ومجتمعات مزدهرة.. تحظى بفرص اقتصادية متميزة وما إلى غيرها من مظاهر التكامل.. وحيث قد تمثل المساحة المشتركة بين مصر وليبيا نموذجاً لإحياء ما يمكن اعتباره اتحاداً كونفيدرالياً.. ربما يجمعهما مع السودان لاستكمال أضلاع «المثلث الذهبى»، مستنداً فى ذلك لما يمثله الإرث التاريخى كمدخل أساسى لفهم ما جرى فى المنطقة بوجه عام خلال السنوات والعقود الماضية، وما سيترتب على ذلك فى المستقبل.. كضرورة سياسية وأخلاقية وإنسانية لتحقيق التوافق بين شعبين.. تفوق وشائجهما الثنائية ما يربط بينهما وبين أى شعب آخر، ما يجب العمل فى إطاره بين مصر وليبيا لاستشراف أفقهما المشترك.