يعد تطبيق العمل بعقود المشتقات من القرارات التى لاقت استحسانًا واسعًا من قبل العديد من الخبراء والمصرفيين، إذ رأوا أن العمل بالعقود الآجلة غير القابلة للتسليم من أهم عوامل طمأنة المستثمرين للتحوط ضد التذبذب فى قيمة العملة، وعدم استقرار سعر الصرف فى الوقت الحالى.
وأضافوا فى تصريحات لـ«المال» أن تطبيق مثل هذه الآلية سيتيح حرية أكبر فى تحديد سعر العملة وتداولها فى السوق، كما يعمل على تقليل الفارق بين سعرى البيع والشراء.
وكان البنك المركزى قد عقد اجتماعًا مؤخرًا مع البنوك، وأعلن الاستعداد لإطلاق بعض أنواع المشتقات المالية، وذلك لطمأنة العملاء والمستثمرين من التخوف من التقلبات فى أسعار الصرف والفائدة.
قال محمد البيه، الخبير المصرفى، إن تطبيق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم (Non-deliverable Forwards) على العملة المحلية يتيح حرية أكبر فى تحديد سعر العملة وتداولها فى السوق، فبدلًا من كون البنك المركزى هو المحدد الرئيسى لسعر الصرف، يؤثر معه كذلك توقعات الأفراد لاتجاه العملة فى المستقبل، فتصبح المشتقات على العملة المحلية- التى وافق عليها البنك المركزى مسبقًا- من العوامل المؤثرة فى تحديد قيمة الجنيه مقابل الدولار.
وأشار البيه، فى تصريحات خاصة لـ«لمال»، أن تطبيق هذه الخطوة يعمل على خفض الفرق بين سعرى البيع والشراء فى السوق، وذلك لرغبة البعض لإجراء هذه العقود مع البنك لبيع العملة، ورغبة البعض الآخر فى عقدها لشراء العملة فى المستقبل، وبالتالى سيقلل من الاتجاه للمضاربة عليها، واستغلال الفرق بين سعر بيع العملة وشراءها، مضيفًا أن هذه الخطوة ستوجه صاحبى المصادر الدولارية ناحية البنك، وذلك لارتضاء طرفى المعاملة- العميل والبنك- بسعر متفق عليه مسبقًا، ومن ثم سيشجع على جذب العملة الخضراء.
وأفاد الخبير المصرفى أن العقود الآجلة غير القابلة للتسليم NDF لن تؤثر سلبًا بشكل كبير على القطاع المصرفى، فعلى الرغم من أن بها نسبة خطورة، خصوصًا فى حالة اتجاه قيمة العملة المحلية للانخفاض، إلا أن البنوك هدفها الأساسى تحقيق الربحية، فهى تدرس توجهات العملة فى المستقبل، وتضع تقييماتها للسوق مثلها مثل العميل، وبالتالى لن تقبل بفرق سعر كبير للتعاقد تجنبًا للخسائر.
وأضاف أن عملية التطبيق تحتاج إلى تنفيذ بعض الإجراءات فى القطاع المصرفى، كموافقة الإدارات القانونية وإدرات الائتمان فى كل بنك، وكذلك موافقة البنك المركزى كجهه رقابية على شكل العقود، والالتزامات المطبقة على كلا الطرفين، المحددات التى لابد من أخذها فى الاعتبار قبل التنفيذ، وآليات التنفيذ.
وفى حديث عن تأثير أزمة نقص العملة الأجنبية وقرض صندوق النقد الدولى، ذكر محمد البيه أنه لكى تتم الاستفادة القصوى من تطبيق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم NDF، لابد من حدوث استقرار فى سعر الصرف، حتى يتجنب الاقتصاد مخاطر المضاربة على العملة المحلية عن طريق استغلال الفرق بين سعرى البيع والشراء.
وأوضح أن فكرة العقود الآجلة غير القابلة للتسليم تقوم بالأساس على تحديد العميل لقيمة العملة، وعرضها على البنك للاتفاق على تنفيذ هذه الصفقة فى وقت لاحق، وذلك بناء على دراسته للسوق وتوقعاته لاتجاهات العملة فى المستقبل، وبموافقة البنك وإبرام العقد، وبحلول موعد التنفيذ، يتوقف مقدار ربح وخسارة العميل من جهة والبنك من جهة أخرى على سعر الصرف يوم التنفيذ أو ما يسمى Spot Rate.
وأكمل أنه إذا قام العميل بتحديد سعر للصرف فى العقد الآجل أقل من سعر الصرف السائد فى البنك يوم التنفيذ؛ يكون العميل قد نجح فى التحوط من انخفاض قيمة العملة المحلية، والعكس إذا حدد سعرًا للصرف مع البنك وكان أعلى من السعر السائد وقت التنفيذ؛ يكون قد خسر فى الاستفادة من القيمة المرتفعة للعملة المحلية، والعكس بالنسبة للبنك.
قال مدحت نافع، الخبير الاقتصادى وأستاذ التمويل، إن العقود الآجلة بصفة عامة تتميز عن العقود المستقبلية، وذلك بكونها ليست نمطية ولا قابلة للتداول فى السوق الثانوية بين أطراف غير معلومة لبعضها البعض، فالعقد الآجل يتم توقيعه بين طرفين معلومين، ويجوز تداوله خارج المقصورة Over the counter وليس فى السوق الرسمية، كما يمتد استخدام العقود الآجلة بغرض التحوط أو حتى بغرض المضاربة ليشمل العديد من الأصول، إذ إن العقد الآجل مشتق من أصل (قد يكون سلعة أو معدنًا نفيسًا أو عملة) وهو ملزم لطرفيه، ويهدف إصداره إلى تجنب تقلبات الأسعار بالنسبة للأصل محل العقد.
وأوضح نافع، أنه على سبيل المثال، لو أن تاجرًا يريد شراء قنطار من القطن بسعر ألف جنيه وهو السعر السائد عند توقيع العقد، وخشى أن يتغير سعر القنطار عند التسليم بعد شهر مثلًا، فإن العقد الآجل يسمح له بتثبيت السعر وبذات الآلية التى تعمل بها بوليصة التأمين، بحيث لا يدفع أكثر من ألف جنيه للقنطار حتى لو أصبح سعره السائد 1200 جنيه، من ناحية أخرى لو أن السعر السائد انخفض عن ألف جنيه للقنطار فإن التاجر سوف يكون ملزمًا بدفع ألف جنيه للبائع، وهذا أكثر ما يميز العقود المستقبلية والعقود الآجلة عن عقود الخيارات التى تحمل إلزامًا على طرف واحد فقط، وتكون اختيارًا بالنسبة للطرف الآخر.
وأضاف أنه من المنطقى ألا ترتفع تكلفة هذا العقد عن كسور عشرية من قيمة الأصل أو السلعة محل الاشتقاق، وكذلك بوليصة التأمين على السيارة ضد الحوادث، فإن أقساطها السنوية يجب ألا تزيد على نسبة بسيطة من القيمة السوقية للسيارة.
وذكر أن العملات التى تتعرض قيمتها للتقلبات العنيفة لا تختلف كثيرًا عن السلع التى يحتاج المتعاملون بها أن يتحوطوا ضد مخاطر تقلبها، وشهدت التسعينيات من القرن الماضى بداية إطلاق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم كعقود قصيرة الأجل، تستخدم عمومًا للتحوط أو المضاربة على العملات عندما تزيد ضوابط الصرف من صعوبة تداول الأجانب فى السوق الحاضرة مباشرة، ويكون العقد «غير قابل للتسليم»، لأن التسوية بين طرفى العقد تتم بالفرق بين السعر السائد فى السوق (فى زمن التسوية) والسعر الافتراضى المتعاقد عليه.
وأفاد الخبير الاقتصادى وأستاذ التمويل أن هناك عقودًا آجلة متداولة بالفعل خارج المقصورة (وخارج مصر أيضًا) صادرة على الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى، وهى تحقق قدرًا من التحوط ضد تقلبات الجنيه المصرى مقابل الدولار، بحيث «يتوقع» أحد طرفى العقد أن ينخفض الجنيه بأكثر من %10 (مثلا) خلال أسبوعين، ويتوقع الطرف المقابل أن يكون الانخفاض فى حدود %5 فقط، وهنا يتحقق النفع الأكبر من العقد للطرف الذى يقترب سعر الصرف فى السوق الحاضرة من توقعاته عند الموعد المحدد فى العقد.
وقال مدحت نافع إن البنوك المصرية قد تحقق خسائر من تقلبات سعر الصرف، بينما لا تملك حرية كافية للتحوط ضد تقلبات الجنيه، ومن ثم فإن إتاحة الفرصة للبنوك للتعامل على العقود الآجلة غير القابلة للتسليم يحقق لها قدرًا من التحوط ضد خسائر سعر الصرف المحققة فى تعاملاتها، مما يتيح لها شهية أكبر على المخاطر، ويسمح بتدفق المعاملات فى أوقات عدم اليقين.
وتابع: «بالطبع هذا النوع من المنتجات والأدوات المالية ينطوى فى ذاته على درجة من المخاطر، خاصة إذا تم التعامل عليه بإفراط أو بغير علم ودراية، والبنوك المصرية تمتلك خبرات كبيرة فى أسواق سعر الصرف من خلال غرف التعامل، وتمتلك مهارات كبيرة فى التعامل مع المشتقات فى عدد من القطاعات المتخصصة بها والمعنية بالخزانة، ومن هنا فإن السماح لها بالتعامل على العقود الآجلة غير القابلة للتسليم للجنيه المصرى، هو خطوة موفقة، خاصة إذا علمنا أن تجنب المخاطر أو تحاشيه تمامًا ليس تصرفًا حكيمًا، لأن الفرص الضائعة الناشئة عن فقد المكاسب (وفق تلك المخاطر) غالبًا ما تتعدى فى قيمتها الخسائر المحتملة متى تحققت أسوأ السيناريوهات».
وأكد نافع أنه كلما كانت العملة حرة التداول فى سوق الصرف الحاضرة، ولا تخضع للقيود فى تغييرها بالعملات الصعبة بالسعر «الحقيقى» السائد، فإنها لا تكون فى حاجة إلى هذا النوع من المشتقات للتحوط ضد التقلبات، لكن التحرير التام لسعر الصرف ليس قرارًا سهلًا، خاصة مع زيادة اعتماد الدولة على الواردات، وشح مصادر النقد الأجنبى، وتعدد الالتزامات بالعملة الصعبة والتى فى مقدمتها أقساط وفوائد الديون الخارجية المقومة بالدولار أو اليورو.
ويتفق المحلل الاقتصادى محمد أنيس مع وجهه النظر السابقة، وذلك من حيث رؤيته أنه من الأفضل تسريع تطبيق عقود المشتقات، وبالأخص فى هذا التوقيت الذى يواجه فيه الاقتصاد المحلى اضطرابًا ماليًّا نتيجة للأحداث الدولية، وكذلك أزمة تدبير العملة الأجنبية، مؤكدا أن أدوات التحوط ضد تقلبات أسعار الصرف تكون فعَّالة بالأساس فى أوقات الأزمات المالية أكثر من تطبيقها فى أوقات النمو والاستقرار.
ولفت أنيس، فى تصريحات للمال، أن الهدف الأساسى من قرار البنك المركزى تطبيق العمل بالعقود الآجلة غير القابلة للتسليم NDF، هو جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، مضيفًا أن المستثمرين الأجانب فى الوقت الحالى لديهم تخوف من تطاير أرباحهم حال دخول الاقتصاد المحلى للاستثمار، فى ظل عدم الاستقرار فى سعر الصرف، وبالتالى بمجرد تطبيق العمل بالعقود الآجلة، سيعطى لهم ذلك نوعًا من الطمأنة للتحوط ضد التقلبات فى قيمة العملة المحلية.
وتابع أنه حتى الآن لم يتم الإعلان من قبل البنك المركزى عن آليه التطبيق، من حيث إتاحة العمل بالعقود للمصريين والأجانب أم للأجانب فقط، للأفراد والشركات، أم للمؤسسات الأجنبية القادمة للاستثمار فقط، وكذلك للاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر، أم أنه سيخصصه للمباشر فقط، وبالتالى لابد من الانتظار حتى تتضح هذه التفاصيل.
ومن ناحية أخرى، صرحت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية، أن البنك المركزى أتاح 5 أنواع فقط لتطبيق المشتقات على العملة المحلية، وهى (IRS) ،(SWAPS) ،(Options) ،(FWD) و(NDF)، مشيرة إلى أن الغرض الأساسى من هذه الخطوة هو إعطاء تحوط للتخوف من تذبذب أسعار العملة والفائدة، وكذلك تعد خطوة هامة لفتح السوق المحلية.
وأضافت الدماطى، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أن الأسواق العالمية تعمل كذلك بالعقود الآجلة، مضيفة أنه تم تطبيق العمل بهذه العقود فى القطاع المصرفى المصرى فى وقت سابق، ولكنه كان فى أضيق الحدود.
وأكدت الخبيرة المصرفية أن هذه العقود سيتم تطبيقها عند توافر العملة الأجنبية كما أعلن البنك المركزى، وكذلك حل أزمة نقص الدولار، مؤكدة أن اتخاذ هذه الخطوة مرهون بتطبيق سياسة سعر الصرف المرن أو المدار على حسب ما سيقرره البنك المركزى.
وأشارت إلى أن آلية المشتقات على العملة المحلية تحتاج إلى ترتيب ونظم ودراسة، وبالتالى لابد أن تبدأ البنوك فى التحضير لهذه الخطوة من الآن.
وأفادت سهر الدماطى أن من أهم فوائد طرح العقود الآجلة للقطاع المصرفى، مساهمته فى زيادة ربحية البنوك، وكذلك سيساهم فى فتح الأسواق أمام المستثمرين المحليين والأجانب فى مجال الاستيراد والتصدير.