قال مصرفيون وخبراء إن ميزانيات البنوك سوف تواجه مجموعة من الضغوط خلال الفترة المقبلة، بعد أن قرر البنك المركزى خفض سعر العملة الأجنبية فى مارس الماضى، لاسيما بنكى الأهلى المصرى ومصر.
وأضافوا – فى تصريحات خاصة لـ«المال» – أن القطاع المصرفى المصرى أصبح لديه خبرات متراكمة فى التعامل مع الأزمات الاقتصادية المختلفة اكتسبها عبر الصدمات الكثيرة التى تعرض لها خلال العقدين الماضى والحالى، وتحديدا منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008 وحتى الآن وقد نجح فى اجتياز تلك الأزمات بنجاح.
وأشاروا إلى أنه على الرغم من الأزمات التى تعرضت لها البنوك طيلة الفترات الماضية فإنها تمكنت من تحقيق أرباح مؤكدين على دور البنك المركزى من خلال طرح المبادرات والإجراءات الاستباقية، إلى جانب الدور الوطنى والاجتماعى لبنكى الأهلى ومصر.
وقال هانى جنينه، المحاضر فى الجامعة الأمريكية إن هناك مجموعة من الأسباب من المرجح أن تضغط على ميزانيات البنوك خاصة لدى أكبر بنكين حكوميين (الأهلى المصرى ومصر) إذ يعدان أكثر البنوك فى الغالب تضررا خلال الشهور الأربعة الماضية من العديد من الأحداث منها تحرير سعر الصرف فى 21 مارس الماضى، وطرح شهادات 18% وهى تمثل تكلفة مرتفعة جدا خاصة وأن مبيعات تلك الشهادات تجاوزت 750 مليار جنيه.
وطرح بنكا الأهلى المصرى ومصر فى 21 مارس الماضى شهادات بعائد ثابت %18 سنويا يصرف عائدها شهريا وتجاوزت حصيلة الشهادات 750 مليار جنيه منذ طرحها وحتى إيقاف الاكتتاب عليها فى 31 مايو الماضى.
وأشار «جنينه» إلى أنه من المعلوم أن أغلب الفجوة بين الأصول والخصوم الأجنبية معظمها يتركز فى بنكى الأهلى المصرى ومصر وأكثر التدفقات الأجنبية خرجت عن طريق هذين البنكين.
وأشار إلى أن ثالث مصدر يمكن أن يضغط على ميزانية البنوك هو رفع أسعار الفائدة مرتين متتاليتين 1 و%2 خلال مارس ومايو الماضيين على الترتيب، وبما أن بنكى الأهلى المصرى ومصر هما الأكثر حيازة لأذون وسندات الخزانة، علما بأنه مع ارتفاع أسعار الفائدة يحدث انخفاض فى أسعار السندات، سيؤدى ذلك إلى مزيد من الضغط على رأس مال هذه البنوك.
وقرر البنك المركزى فى 19 مايو الماضى رفع أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس ليصبح سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند مستوى %11.25 و%12.25 و%11.75 على الترتيب كما رفع الفائدة 200 نقطة أساس على سعرى الائتمان والخصم ليصبح عند مستوى %11.75.ٍ
وأوضح أن ما يحدث فى سوق السندات وأذون الخزانة من ارتفاع قوى فى أسعار الفائدة عليها قد يكون جزء منه أن «المركزي» لايرغب فى حدوث إعادة تسعير فى الأذون والسندات لأن وقتها ستضطر البنوك إلى إعادة تسعير السندات والأذون القائمة لديها.
وأوضح أن البنوك بسبب الأزمات المتتالية مثل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية شهدت بعض حالات التعثر خاصة ما بين الشركات الصغيرة والمتوسطة ورغم أنه لم يكن تعثرا تاما وإنما كانت هناك صعوبة فى السداد، وهو ما اضطر البنوك إلى زيادة نسبة المخصصات مما يضغط على الأرباح.
وأشار إلى أنه مما سبق يكون لدينا 4 أسباب تضغط على أرباح البنوك لاسيما بنكا الأهلى المصرى ومصر وسيكون تأثيرها بداية من نهاية الربع الأول والربع الثانى من العام الجارى.
ويصنف الأهلى ومصر بأنهما البنكان الأكثر تأثيرا فى الاقتصاد المصرى systemically important banks – نظرا لأن الميزانية المجتمعة لهما تمثل حوالي%40 من ميزانية القطاع المصرفى ككل وفى نهاية السنة المالية 2020/ 2021 بلغ إجمالى ودائع البنكين حوالى 3 تريليونات جنيه.
كما أن نسبة كفاية رأس المال لدى الأهلى ومصر فى آخر يونيو 2021 سجلت %16 و%15 على التوالى وهى نسب أعلى من متطلبات البنك المركزى ولذا لايزال لديهما القدرة على امتصاص الصدمات بدون الاضطرار إلى تخفيض حاد فى توفير القروض إلى القطاع الخاص والعام على السواء.
وأوضح «جنينه» أن بنوك القطاع الخاص ذات الأهمية الهيكلية نظرا لحصتها السوقية وتعرضها للقطاعات الرئيسية فى الدولة – مثل التجارى الدولى وبنك قطر الوطنى على سبيل المثال لا الحصر – سجلت أرباحا قياسية فى الربع الأول من 2022 وسجلت معدلات تغطية ديون مشكوك فى تحصيلها وعائد على حقوق الملكية ومعدلات كفاية رأس مال ضمن الأعلى فى العالم.
وأضاف على سبيل المثال، سجل التجارى الدولى – والذى يستحوذ على حصة سوقية تصل إلى حوالى %8 – معدل عائد على حقوق الملكية وصل إلى%25 ومعدل تغطية للديون المشكوك فى تحصيلها تجاوز الـ 200% ومعدل كفاية رأس مال تجاوز الـ%30 وهى معدلات لا تسجل إلا فى دول قليلة جدا مثل أستراليا، وللمقارنة فإن معدل متوسط العائد على حقوق الملكية لا يتخطى %10 فى بنوك الاتحاد الأوروبى، كما تتراوح معدلات كفاية رأس المال فى القارة العجوز %20 على الأكثر.
وقال طارق متولى نائب رئيس بنك بلوم سابقا، إن البنوك المصرية اعتادت على التعامل مع الأزمات الاقتصادية العالمية والمحلية وتعرضت للعديد من الصدمات واستطاعت أن تجتازها بنجاح بداية من الأزمة المالية فى 2008 مرورا بثورتى 2011 و30 يونيو 2013 ثم مشكلة الدولار وقرار التعويم فى 2016 وأزمة كورونا وأخيرا الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة ضعف سلاسل الإمداد وقد تراكمت لديها الخبرات لمواجهة أى أزمات.
وأضاف أنه على الرغم من كل هذه الظروف التى تعرضت لها البنوك فإنها وخلال كل هذه الفترات استطاعت أن تحافظ على مستوى معين من الأرباح وحقق المتوسط العام للأرباح ارتفاعا بل ولم نر أى بنك قد تعرض إلى تعثر أوتكبد خسائر.
وأشار إلى أن الأزمة الحالية تعد الأصعب على القطاع المصرفى إلا أن المتوسط العام للأرباح سيحافظ على تحقيق نتائج جيدة، موضحا أن بنكى الأهلى المصرى ومصر لديهما دورا وطنيا واجتماعيا.
وأوضح أن بعض القطاعات قد تأثرت بالأزمات الحالية ولكن البنوك كانت تدرك حجم هذه الأزمة وبالتالى وضعت لها الاحتياطات وجنبت لها المخصصات بالكامل.
وأضاف أن البنك المركزى طالب البنوك العام الماضى بوقف توزيع الأرباح وهو أمر جيد ساعد البنوك فى حال ظهور أى مشكلة أو تعثر تستطيع تغطيتها وهو إجراء استباقى ضمن العديد من الإجراءات التى اتخذها «المركزي» والمبادرات المتعددة.
وقال محمد البيه الخبير المصرفى، إنه بسبب الطبيعة التى تميز العمليات المصرفية والتى من أهمها التنوع والدقة والسرعة فى إنجاز المهام، لذا يجب أن يكون انعكاس تلك العمليات على القوائم المالية للبنوك على درجة عالية من المرونة والوضوح والسرعة لتسهيل استخراج البيانات المطلوبة فى الوقت المناسب.
و فيما يتعلق بالمعاملات المصرفية بالعملة الأجنبية، قال إن البنوك تتعامل من خلال العمليات التى تكون أساسا بالعملة الأجنبية أو من خلال عمليات خارجية و التى يجب أن يتم تسويتها بعملة أجنبية.
وأوضح أنه يترتب على تحريك أسعار صرف العملات الأجنبية ظهور أرباح أو خسائر لدى البنوك نتيجة فروق أسعار العملة بشكل استثنائى و على خلفية وجود أصول والتزامات ذات طبيعة نقدية بعملات أجنبية، وأصول ممولة بالتزامات بعملة أجنبية ، مما يؤثر على نتائج أعمال البنوك بشكل جزئى.
وأضاف نظرا لأن قيمة بعض تلك الأصول مقومة بالتكلفة التاريخية فلم تعد قيمة تلك الأصول معبرة عن القيمة الحقيقية لها مما استوجب تعديل قيم عناصر تلك الأصول، وهو ما سينشأ عنه فروق بين القيمة الدفترية والقيمة المعدلة لها.
وأشار إلى أنه من خلال التعاملات المصرفية، نرى أن هناك معاملات خارجية تتم من خلال فتح الاعتمادات المستندية للعملاء لشراء الخامات أو الأصول الإنتاجية. و ينشأ التزام على البنك فى تلك الحالة (فى شكل التزام عرضى – أى لم يأت موعد سداده الفعلى بعد) بالمبلغ المعادل لذلك الالتزام وقت نشأته بالعملة المحلية.
فى حين أنه فى ميعاد استحقاق الالتزام بعد تحرك أسعار الصرف، سيكون على البنك سداد الالتزام والاعتراف بالقيمة المعادلة له بالعملة المحلية و الاعتراف بفروق العملة (ربحا كان أو خسارة) بقوائمه المالية.
وتابع أيضا، قد تقترض بعض البنوك من البنوك الخارجية أموالا بالعملة الأجنبية بهدف دعم مراكزها المالية و إتاحة العملة للعملاء بغرض استيراد السلع أو إعادة إقراضها للمصدرين لتغطية التزاماتهم فى مقابل حصائل التصدير، و فى تلك الحالة، ينشأ الالتزام على البنك بالمعادل للعملة الأجنبية فى وقت صرف القرض و سينشأ أيضا فروق فى سعر الصرف (ربح أو خسارة) بعد تحريك سعر العملة على البنك إثباته فى قوائمه المالية.
وأشار إلى أنه لا يختلف السياق فى حالة اقتناء البنك أصول بالعملة الأجنبية و التى يجب أن يعترف بأثر تحرك سعر الصرف على ذلك الأصل و كذا فى حالات استخدام بطاقات الائتمان و الخصم المباشر لشراء السلع من الخارج، مما سينشأ عنه أيضا اختلاف فى سعر الصرف بعد تحريكه يستوجب إثباته بالقوائم المالية للبنك.
وأوضح أنه لمعالجة تلك الآثار، تقوم البنوك بتكوين المخصصات اللازمة و المناسبة لحجم أعمالها لمواجهة التغيرات فى أسعار صرف العملات الأجنبية و تعمل البنوك على تدعيم تلك المخصصات فى أوقات التغيرات فى أسعار الصرف حتى لا تتحمل نتائج أعمالها تأثيرات مفاجئة نتيجة ذلك التغير.