وعبر مشاهـد المسلسل الذى تضافرت فيه الوقائع المعاشة، مع القص والحكى، ومع المزج والفلاش باك، تتوالى قصة الكفاح الشعبى الطويل.. مقاومة مظالم المماليك، وصد ومقاومة الحملة الفرنسية، وثورات القاهرة المتتالية ضد الفرنسيس ـ البطولات المصرية فى صد حملة فريزر الإنجليزية (1807)، والتفاف محمد على بعد خلاصه من المماليك لتصفية الزعامات الشعبية.. ينفى عمر مكرم نقيب الأشراف بعيدًا عن الإسكندرية، ويثقل على الشعب بالضرائب والمكوس، ويجرد الحمـلات هنا وهناك فى الحجاز، والسودان، واليونان، والمورة، والشام، يقاتل فيها بفرسان التراب الأسمر خارج الديار، ليتضخم طموحه، ويعانى البسطاء ويدفعون الثمن ضرائب فادحة، ومعها تربص الباب العالى وحصار أوروبا التى سارعت إلى اتفاقية لندن ( 1840/1841).. مآسى السخرة، حفر قناة السويس، وفتح الباب على اتساعه للاقتراض من الأجانب والغرق فى الديون وصندوقها، ومنح الامتيازات للأجانب.. تتصاعد مع تعاقب ولايات الأسرة العلوية عوامل القهر والسخط، ويئن الفلاحون من الضرائب، والسراى موزعة بين الباب العالى ومصانعة الأجانب.. يتوالى تجمع أسباب الثورة فى عهد إسماعيل حتى تبلغ مداها فى عهد الخديو توفيق.. تتبدى مع المد الشعبى وأشعار البارودى والنديم وندوات الأفغانى ومحمد عبده، بطولات عرابى، والبارودى، ومحمود فهمـى، وعبد العـال حلمى، ومحمد عبيد، وطلبة عصمت.. سرعان ما تتحول الحركة من المطالبة بإنصاف الضباط الوطنيين فى الجيش إلى حركة عامة اشتركت فيها طبقات وطوائف الأمة : الأزهر والكنيسة والشعب، إلى جوار الجيش، للتخلص من الحكم الاستبدادى وتقرير مبادئ العدل والحرية ووضع دستور يلبى مطالب الأمة.
يحكى مسلسل الرباعية المصرية، ملحمة فرسان التراب الأسمر عبر نضال طويل وسط رباعية الشعب والأزهـر والكنيسة والجيش.. نضال لا تخطئه عين تجاه القصر الذى طفق وهو يدوس على حقوق الشعب ـ يصانع الباب العالى، ويراضى الأجانب، ولا يبالى بما يتجرعه البسطاء من ألوان البؤس والقهر والشقاء.. هذه الرباعية المتقابلة، بين قوى الكفاح وميادينه.. هى صراع الشعب بعامة فى مواجهة السراى الذى تسرب الآن إلى الناس ـ بوعى أو بغير وعى ـ أنه لم يكن هناك تناقض بين قاطنى أبراجها وبين الشعب، وأن ثورتنـا ـ من ثمّ ! ـ كانت هباءً بغير موجب، وأن مشروعنا القومى سراب مصطنع بلا طائل!
هذه الرباعية المصرية التى كتبها سعد زغلول نصار، وتراخى إنتاجها بعد وفاته ومن بعده يحيى العلمى الموكول إليه إخراجها.. هى هدية للشعب المصرى بعامة، وعرفان وتطامن للفلاح المصرى بخاصة.. فارس التراب الأسمر، الذى لفحته الشمس زارعاً، وحرقته الحروب والأعاصير مناضلا.. هذا الفلاح الذى أذاقه قاطنو السراى كل ألوان القهر على تراب بلده، فهل كانت هذه السرايات فى جانب هذا الشعب تحس بأحاسيسه وتنشغـل بهمومـه ومتاعبه وآماله، أم أن «البوصلة» قد ضلت فى زمن التيه ورياح التخذيل والتراجع ؟!!!
من مفارقات الأقدار أن يغادر سعد زغلول نصار دنيانا دون أن يرى ما أبدعه فى هذه الدرة المتميزة من درره التى طرحتها شجرته وفروعها فى شتى المجالات من عباءة الإذاعة التى عاش حياته وفيًا لهـا ممزوجـًا بنسيجها معبرًا فى كل ما قدمه عن رسالتها!
www. ragai2009.com