
خلت البلاد منذ شهرين في دوامة كشف الفساد وتكاثرت بلاغات إهدار المال العام لدي الهيئات القضائية لتشمل جميع مناحي ومؤسسات الدولة، وهو ما نتجت عنه بيئة خصبة لتوجيه الاتهامات الكيدية غلبت عليها اعلاء المصالح الشخصية، مما أوجب علي الرأي العام عدم الانسياق وراء هذه الاتهامات الا بوجود إثباتات ملموسة أو الانتظار لحين بت الجهات المختصة في هذه البلاغات ، وقد نال قطاع التعاونيات قسطا من هذه الاتهامات مما دفعنا لاستقصاء حقيقة هذه الاتهامات من اللواء محمد أحمد المسيري، رئيس الاتحاد التعاوني الإسكاني.
وفند المسيري خلال حواره مع »المال« هذه الاتهامات، بداية من اتهام الجمعيات التعاونية بالحصول علي اراض تفوق قدرتها المالية بهدف التربح منها سواء عن طريق التسقيع ثم البيع بعد فترة بالمزاد العلني موضحا الحالات التي يسمح فيها للجمعية بيع أرضيها في مزاد علني ، أو الاقتراض والسحب علي المكشوف بضمانها، مشيرا إلي ضرورة موافقة غالبية الاعضاء المنتفعين علي قيمة القرض ، وكذلك الاتهام بالتلاعب في التحكيمات الخاصة بالنزاعات علي اراض تعاونية وتشكيل مجلس الادارة، وأكد استقلالية مجلس التحكيم برئاسة المستشار مجدي العجاتي.
كما رصد المسيري ما قدمه قطاع التعاونيات خلال فترة رئاسته لخدمة أعضائه، لا سيما محدودي ومتوسطي الدخل، وعرض مطالبه من الدولة للارتقاء بقطاع التعاونيات وتحقيق أهدافه المنشودة.
في البداية، نفي المسيري ما تردد خلال الفترة السابقة عن أن الفساد استشري في قطاع التعاونيات مطالبا بعدم الانسياق وراء اي تهم او بلاغات الا بعد التحقق منها لان الفترة الحرجة الحالية تشهد كما هائلا من البلاغات في شتي الاتجاهات بإهدار المال العام والفساد الاداري ولم تستثن الجميع، دون التحري دقة مما جعلها بيئة خصبة لتصفية جميع الحسابات الخاصة والتشهير بالخصوم، ولذا فعلي الرأي العام أن يعلم ذلك وإذا كان لا يملك اي دليل أو علم علي الاتهامات الموجهة للشركة فيجب ألا يصدقها، الا أن يثبت القضاء العكس.
وأوضح »المسيري« أن ما يتردد بأن الجمعيات التعاونية الإسكانية تستغل المميزات التي تمنح لها للحصول علي أراض بغرض تسقيعها وإعادة بيعها فيما بعد ليس له أي اساس من الصحة، مشيرا إلي أن الاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي هو الجهة المختصة باعتماد جميع قررات الجمعيات التابعة له وبدون هذا الاعتماد لا يمكن للجميع اتخاذ اي خطوة وذلك بموجب قانون المناقصات والمزايدات89 لسنة1998 .
فالاتحاد يشرف علي شراء الجمعية للأرض مرورا بتحديد الاستشاري الهندسي العام للمشروع السكني المقام علي الأرض ثم طرح المشروع في مناقصة علنية ثم ترسية المشروع علي شركة المقاولات والاشراف علي جميع مراحل الانشاء والبناء وانتهاء بتسليم الوحدات لاعضاء الجمعية ومن ثم في حال وجود أي محاولة فساد تقوم بها احدي الجمعيات السكنية في أي مرحلة فإن الاتحاد يعلم بها ويحاربها وقد يصل أمر مكافحة الفساد لاتخاذ الاتحاد قراراً بحل الجمعية وإعادة الأرض للوزارة.
وفي الوقت نفسه، أقر المسيري بوجود محاولات عديدة لبعض الجمعيات لبيع الأرض التعاونية بعد الحصول عليها بفترات طويلة بالمزاد لعلني مبررا ذلك بسببين رئيسيين ، أولهما أنه في السابق لجأت بعض الجمعيات للتقدم للحصول علي أراض زراعية علي اعتبار أن مواقع هذه الأراضي سيتم إدراجها ضمن كردون المدينة التابعة لها ولكن الخطط الموضوعة لم تسر وفق المسار المحدد، وهو ما نتج عنه في النهاية جمعية تعاونية إسكانية تملك أرضاً زراعية، وهو ما يضطرها لبيعها بالمزاد العلني، مشيراً إلي أن الاتحاد تدارك الامر وأصبح يرفض اي طلبات لجمعيات للحصول علي اراض زراعية لغلق الباب أمام الاستغلال الخاطئ للاراضي الزراعية من جانب بعض الجمعيات التي تتعمد ذلك.
وأضاف أن السبب الثاني يتمثل في طلب الجمعية التعاونية مساحات كبيرة من الاراضي وعند نظر الاتحاد لعدد أعضاء الجمعية يجده متناسبا مع مساحة الأرض المطلوب الحصول عليها ومن ثم يعتمد الطلب ويرفعه لوزارة الإسكان ولكن تعاني بعض الجمعيات وجود عدد كبير من الاعضاء السلبيين وغير المتمتعين بالقوة الشرائية أو مواصلة تكاليف البناء وبالتالي يصبح لدي الجمعية مساحات من الأرض شاغرة وغير مستغلة، كأن تتقدم جمعية بطلب للحصول علي أرض بمساحة10 آلاف متر ويعتمد الاتحاد الطلب وبعد حصول الجمعية علي الأرض بالمساحة المطلوبة ودفع الاقساط المستحقة عليها تجد %75من الاعضاء غير قادرين علي البناء في الوقت الحالي وبالتالي يبني الـ%25المتبقين فقط مما يؤدي لوجود أكثر من5 آلاف متر غير مستغلة وهو ما يضطر الجمعية لبيع المساحة المتبقية بالمزاد العلني لسد اي مديونيات عليها اذا وجدت.
المسيري علي الإدعاءات بأن رؤساء بعض الجمعيات يتواطأون مع الاتحاد بالحصول علي الاراضي ثم الاقتراض والسحب علي المكشوف بضمانها، وبعد تراكم المديونيات علي الجمعية يستقيل رؤساؤها ويتركون الاعضاء لسد هذه الديون من خلال بيع الأرض بالمزاد العلني، وقال إن أي قروض بنكية يتم الحصول عليها بضمان أرض الجمعيةلا يتم الا بموافقة أغلبية أعضائها المنتفعين ، مشيراً إلي أنه طالب جميع الجمعيات التعاونية بعدم الاقتراض لمساوئه المتعددة.
كما انتقد بعض الذين يشككون في نزاهة التحكيم المصري في بعض النزاعات التي تتعلق بقطاع التعاونيات، سواء علي صعيد الجمعية وتشكيل مجلس ادارتها أو رأس مالها أو علي صعيد الأرض وما يتعلق بها من اختيار الاستشاري العام وكذلك ترسية عملية البناء علي المقاول والالتزام بالجدول الزمني الموضوع للتنفيذ، مؤكدا أن مجلس التحكيم في هذه النزاعات هو مجلس مستقل برئاسة المستشار مجدي العجاتي نائب أول رئيس مجلس الدولة، وهو مستشار عمل علي مدار ما يزيد علي عشرين عاماً داخل مجلس الدولة بجميع أقسامه من محاكم بمختلف درجاتها ، إدارية وتأديبية وقضاء إداري وإدارية عليا ، وهيئة مفوضي الدولة وإدارات الفتوي، حتي إنه ترأس إدارة الفتوي لوزارتي العدل والداخلية قبل توليه رئاسة دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، وهو ما يفند انتقادات البعض بأن مجلس التحكيم تابع للاتحاد ويحكم لصالح الاتحاد والمقربين منه.
وخص المسيري الاتهامات الموجهة للاتحاد علي صعيد ترسية عملية البناء علي شركات المقاولات بمزيد من التوضيح، مؤكداً أن المناقصة تكون معلنة لجميع المقاولين وان لجنة فض المظاريف والبت بعقود الترسية تضم مندوبا من وزارة المالية ومن ثم لا مجال إلا بالاخذ بالعروض الفنية والمالية لجميع الشركات المتقدمة.
وأوضح أن مصر توجد بها2300 جمعية تعاونية إسكانية، منهما2000 جمعية لا تحرك ساكناً و250 جمعية تعمل وفق القوانين ولا غبار عليها والـ 50جمعية المتبقية هي التي تثير الشبهات ويستطيع الاتحاد حلها بقرار منه، ولكنه يأمل في عودتها إلي الطريق الصحيح نظرا لحصولها علي أراض ووجود مديونيات متضخمة عليهما، كما أن حل الجمعية سيسبب لأعضائها العديد من المشاكل والقضايا والنزاعات ، لافتا إلي أن قانون التعاونيات يعطي الحق للاتحاد التعاوني المركزي في حل الجمعيات التي تستمر 5 سنوات دون أخد اي خطوات او التقدم بطلبات للحصول علي أراض، إلا أن الاتحاد الإسكاني ينظر برأفة لهذه الجمعيات التي ربما لا تكون قادرة أومازالت تدخر مبالغ حتي تسطيع التقدم للحصول علي أرض وسداد أقساطها دون عجز.
وفي تقييمه لاداء قطاع التعاونيات خلال العامين الماضيين منذ أن رأس الاتحاد أواخر عام2007 ، أكد المسيري انه سعي جاهدا لتوفير وحدات سكنية منخفضة السعر لاعضاء الجمعيات من خلال تخفيض سعر الأرض، مشيرا في هذا الصدد إلي مشروع الاتحاد في مدينة السادس من أكتوبر حيث يبلغ سعر متر المباني نصف تشطيب في المشروع1000 جنيه فقط في عام 2011 علي الرغم من بأن سعر فدان الأرض التعاونية يصل الي 3.5 مليون جنيه مقارنة بأسعار وحدات المستثمرين العقاريين التي يصل المتر فيها إلي2500 جنيه مع العلم أن بعض المستثمرين يحصلون علي اراض بأسعار أقل من التعاونيات.
وطالب رئيس الاتحاد التعاوني الإسكاني وزارة الإسكان بتوفير مزيدا من الاراضي المدعمة بسعر أقل كإحدي الطرق التي تخدم محدودي ومتوسطي الدخل حيث يصل أعضاء الجمعيات التعاونية لـ12مليون عضو، وتمثل الاراضي العصب الرئيسي بالنسبة لهذه الجمعيات وتفوق أهميتها الدعم المالي، فلا جدوي من توافر القدرة المالية للبناء عند الاعضاء دون وجود أرض.