
جاء إعلان الحكومة عن إعدادها مشروع مصالحة مع رجال الأعمال الذين حصلوا علي الأراضي بالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات من خلال اسقاط الشق الجنائي في حال رد الأراضي ليضع علامات الاستفهام حول مدي مساهمة المشروع في زيادة ثقة المستثمرين لا سيما الأجانب في السوق المصرية، والتي تأثرت علي أثر صدور العديد من الاحكام القضائية تقضي جميعها ببطلان عقود التخصيص.
واعتبر المستثمرون هذه الخطوة ايجابية لزيادة الثقة بينهم وبين الحكومة إلا أنها غير كافية فلا بد أن يشمل المشروع عدم دفعهم فارق أسعار الأراضي في حال ثبوت شرائهم لها بأقل من قيمتها السوقية إلا في حال تورط مستثمر في واقعة فساد لأن الطرف المخطئ هو المسئول الحكومي التنفيذي وليس المستثمرين.
كما يري المستثمرون أن دفع فارق الأسعار سيكون له آثار سلبية علي الشركات لتعرضها في هذه الحالة لخسائر كبيرة في ظل عدم قدرتها علي زيادة الأسعار علي العملاء مما سيزيد من أزمة شح السيولة علي اثر حالة الركود التي تمر بها السوق في الوقت الراهن.
وهدد بعض المستثمرين باللجوء إلي القضاء في حال إلزامهم بدفع فروق الأسعار لأنهم اعتبروا أن العقد شريعة المتعاقدين ولا يجوز تغييره وأنه من شأن ذلك ضعف ثقة المستثمرين في السوق، كما اتفقوا علي ضرورة عدم شمول المصالحة لتجار الأراضي الذين لم يقيموا أي مشروعات تنموية تعود بالنفع علي البلاد أو المستثمرين الذين استغلوا الأرض في غير الغرض المخصص لها علي أن يتم سحب الاراضي غير المطورة منهم وتغريمهم وفقاً لأحكام القانون.
في البداية أشار المهندس هشام شكري، رئيس مجلس إدارة شركة رؤية للاستثمار العقاري، الي ان مشروع القانون يعد خطوة ايجابية ويساهم في عودة ثقة المستثمرين لا سيما الاجانب في السوق المصرية من جديد بعد الهزات العنيفة التي تعرض لها علي اثر الملاحقات القضائية لبطلان عقود تملك الاراضي، فضلاً عن حالة الركود التي تعاني منها السوق بسبب حالة الغموض السائدة تجاه المستقبل السياسي للبلاد.
وأكد شكري أنه لا يمكن القبول بالتعامل بالشق الجنائي مع المستثمرين بشأن حصولهم علي الاراضي من خلال التخصيص المباشر إلا في حالة ثبوت حالات فساد أو منحهم رشاوي للمسئولين بالحكومة للحصول علي الاراضي بأسعار زهيدة، ومن ثم فإن التعميم بهذا الأمر غير مقبول لأن الطرف المخطئ هو الجهات الحكومية التي خالفت قانون المناقصات والمزايدات ومنحت المستثمرين الاراضي بالتخصيص المباشر.
كما اكد عدم قبوله الزام المستثمرين بدفع فروق اسعار الاراضي من اجل تقنين ملكيتهم لها لأن العقد شريعة المتعاقدين حتي اذا كانت قيمة الارض المبيعة أقل من القيمة السوقية لها بالمقارنة بالاسعار وقت البيع، لأنه من الظلم اجبار المستثمر علي دفع الفارق مع عدم زيادة اسعار الوحدات علي العملاء، حيث ان لكل مشروع دراسة جدوي علي اساسها يتم حساب تكلفة الانتاج وهامش الربح علي المبيعات ومن ثم فإن دفع فارق الاسعار قد يعرض الكثير من المستثمرين لخسائر فادحة مما قد يجعل بعضهم يلجأون للقضاء للطعن علي هذه القرارات.
وشدد شكري علي أهمية أن تميز الحكومة ووسائل الاعلام التي تعمم هجوما علي المستثمرين بين المستثمر الجاد وتجار الاراضي الذين لم يستغلوا الاراضي لأغراض تنموية والذين يجب استبعادهم من المصالحة، كما لا يمكن معاقبة المستثمر الجاد الذي طور الارض بسبب عدم بيعها بمزاد علني خاصة الاراضي غير المرفقة الواقعة في أماكن نائية والتي تحتاج إلي حوافز استثمارية بالأساس فالخطأ بالأساس واقع علي الحكومة.
وقال رئيس مجلس إدارة شركة رؤية للاستثمار العقاري إن أي مبادرة من قبل الحكومة الحالية يجب ان يتم الوثوق بها حيث انه ليس معني حكومة تيسير أعمال أن قراراتها غير ملزمة للحكومات المقبلة ففي الدول المتمرسة علي الديمقراطية حيث تتعاقب الحكومات من أحزاب مختلفة تكون قرارات كل حكومة ملزمة لما بعدها.
ومن جانبه أبدي المهندس محمد الجندي، رئيس مجلس إدارة شركة النصر للاسكان والتعمير، تفاؤله بمشروع قانون التصالح المزمع إعداده، ورأي أنه سيساهم في زيادة ثقة المستثمرين بالسوق العقارية المصرية خاصة أنه يتربع علي قمة الأسواق في الشرق الأوسط بالمناصفة مع السوق السعودية.
وأكد اتفاقه مع موقف الحكومة من المستثمرين الذين حصلوا علي اراض بأقل من ثمنها مما تسبب في اهدار موارد هيئة المجتمعات العمرانية والتي قد تساهم في زيادة معدلات ترفيق الاراضي وخفض الاسعار لزيادة المعروض، بينما يحقق نظام المزايدة أعلي عائد علي الارض خاصة أن معظمها يستخدم في مشروعات الاسكان الفاخر، فضلا عن امكانية توفير موارد لبناء مساكن لمحدودي الدخل.
ولفت الجندي إلي أن تحجج بعض المستثمرين بأن العقد شريعة المتعاقدين لعدم دفع فروق أسعار الاراضي غير مقبول لأنه في الغالب توجد شبهات فساد لاتمام صفقات البيع بتلك الاسعار الزهيدة ولا يمكن القول بأن المسئولية تتحملها الجهات الحكومية وحدها، مشددا علي ضرورة أن يتم دفع الفارق وفقا للقيم السوقية وقت ابرام العقد وليس بالاعتماد علي الأسعار الحالية.
كما رفض رئيس مجلس إدارة شركة النصر للاسكان والتعمير التحجج بأن دفع فروق الاسعار سيضعف من ثقة المستثمرين خاصة الاجانب في السوق المصرية، حيث اعتبر أن اكثر العوامل الجاذبة للاستثمار هي الشفافية ومحاربة الفساد وهو ما أكده العديد من المستثمرين الخليجيين الذين ابدوا تفهمهم لرغبة الحكومة في تحصيل فروق الأسعار، مؤكدين أن السوق المصرية من أفضل الأسواق بالمنطقة.
وعلي الجانب الآخر يري المهندس طه عبداللطيف، رئيس مجلس إدارة شركة قرطبة للاستثمار العقاري، أن مبادرة الصلح مع رجال الاعمال تعد خطوة غير كافية ولن تساهم في عودة الثقة من جديد للسوق، لأن تغيير قيمة العقود في حد ذاته يعطي انطباعا بأن سياسة أي حكومة من الممكن أن تغيرها الحكومة الجديدة، مؤكدا أن ذلك لم يحدث في أي دولة بالعالم.
وأكد ضرورة سداد المستثمرين فروق الاسعار في حال ثبوت واقعة فساد أو استغلال الاراضي في غير المخصص لها علي سبيل المثال بناء منتجعات سياحية علي اراض تتبع الهيئة العامة للتنمية الزراعية بينما يستبعد من ذلك المستثمرين حسني النية لأن الحكومة هي الطرف المخطئ إلا أنه طالب بألا يتم سداد الفارق في الوقت الراهن حيث تمر السوق بحالة من الركود لم يسبق لها مثيل ادت إلي شح في السيولة لدي معظم الشركات.
وطالب عبداللطيف الحكومة بوضع أسس وقواعد صارمة تستند إلي القوانين والتشريعات في طرحها الاراضي حتي لا تتكرر نفس المأساة الحالية والتي ستتسبب في تكبد الشركات خسائر كبيرة نتيجة عدم رفع اسعار الوحدات للعملاء مما سيؤدي إلي تأجيل العديد من المشروعات وزيادة الفجوة بين المعروض والطلب، فضلا عن زيادة معدلات البطالة.
ووقوفا علي قانونية دفع فارق اسعار الاراضي لتقنين اوضاع تملك الشركات لها اوضح المحامي شحاتة محمد شحاتة، رئيس المركز المصري للنزاهة والشفافية، أن قانون المصالحة يعد دستوريا في حال الزام الشركات التي طورت الاراضي بدفع فارق الاسعار وقت ابرام العقد نفس الامر بالنسبة للشركات التي طورت الارض ولكن في غير الغرض المخصص لها، بينما تعد المصالحة باطلة مع الشركات التي لم تقيم مشروعات تنموية تفيد البلاد لأن ا لحل الوحيد معها يتمثل في سحب الارض ورد المبالغ التي دفعها المستثمرون بعد خصم الغرامات المستحقة.
وأكد شحاتة أنه لا تصالح مع المستثمرين الذين طوروا الاراضي ولكن ثبت تقديمهم رشاوي للمسئولين للحصول عليها بأسعار زهيدة لأنه في هذه الحالة ارتكبوا جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات علماً بأن سداد فارق السعر لتقنين وضع الارض لن يغني عن محاسبتهم جنائيا علي ما اقترفوه في حق الوطن.
وأكد عدم صحة القول بأن سداد فروق الاسعار سيساهم في تكبيد الشركات خسائر فادحة لعدم قدرتها علي رفع اسعار الوحدات المبيعة للعملاء، موضحا ان معظم الشركات حققت ارباحاً طائلة تتخطي في بعض الاحيان نسبة %200 بينما في حال دفع هذه الفروق فإن الارباح ستقل بشكل محدود دون أي تأثير يذكر عليها.
ويري شحاتة أن الموقف القانوني للمستثمرين الذين سيلجأون للطعن علي اجبارهم دفع فروق الاسعار هش للغاية لأن العقد في الأصل باطل لمخالفته قانون المناقصات والمزايدات، ومن ثم فأنه من الأفضل ألا يقدموا علي اللجوء للقضاء أو التحكيم لأن ذلك لن يكون في صالحهم.