مسئولون ومحللون: زيادات الغاز الأخيرة ضرورة حتمية.. والتسعير التلقائى فى صالح المواطن

عقب قيام الحكومة برفعها للصناعة والمنازل والتجارة

مسئولون ومحللون: زيادات الغاز الأخيرة ضرورة حتمية.. والتسعير التلقائى فى صالح المواطن
نسمة بيومي

نسمة بيومي

6:41 ص, الثلاثاء, 9 نوفمبر 21

شهدت الأيام الماضية اتخاذ الحكومة حزمة قرارات تضمنت زيادة أسعار الغاز الطبيعى المورد لقطاعات الصناعة والمنازل والتجارة، الأمر الذى دفع الكثير من المواطنين بالشارع المصرى للتساؤل حول أسباب تلك الزيادة فى الوقت الذى تمتلك فيه مصر فائضًا من الغاز الطبيعى، واكتشافات ضخمة سمحت لها بتحقيق الاكتفاء الذاتى، ووقف الاستيراد بل والتحول إلى مصدر له حاليًا.

وأقرت الحكومة زيادة سعر الغاز للقطاع الصناعى من 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية إلى 5.75 دولار للمصانع كثيفة استهلاك الطاقة »الأسمنت والحديد والصلب والأسمدة والبتروكيماويات«، وذلك بنسبة زيادة تقدر بـ%28، على أن يورد لباقى الصناعات بسعر 4.75 دولار، ويتم التنفيذ من الشهر الجارى.

وكانت الحكومة خفضت أسعار الغاز للقطاع الصناعى مرتين، الأولى فى أكتوبر 2019، واستهدفت المصانع كثيفة الاستهلاك، والثانية فى مارس 2020 ضمن حزمة تحفيزية للقطاع الخاص لمساعدته على اجتياز أعباء أزمة فيروس كورونا، حتى وصل سعر الغاز إلى 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية.

وعلى صعيد آخر، رفعت الحكومة أسعار الغاز الطبيعى للقطاع المنزلى والنشاط التجارى المعادل للاستخدام المنزلى بواقع 15 قرضًا فى المتر المكعب الواحد.

ووفقًا للزيادة الأخيرة فقد ارتفع سعر الغاز الطبيعى للمنازل والنشاط التجارى المعادل له، لكمية الاستهلاك من صفر حتى 30 مترًا مكعبًا شهريًا إلى 2.50 جنيه للمتر المكعب بدلًا من 2.35 جنيه، بنسبة زيادة %6.4.

كما تمت زيادة سعر الغاز الطبيعى للقطاعين المنزلى والتجارى فى الفئة الاستهلاكية من ما يزيد على 30 مترًا وحتى 60 مترًا مكعبًا شهريًا لتصل إلى 3.25 جنيه للمتر المكعب الواحد بدلًا من 3.10 جنيه، بنسبة زيادة %4.8.

ووفقًا للقرار فقد تم زيادة سعر الغاز للمنازل فى الفئة الاستهلاكية التى تزيد عن 60 مترًا مكعبًا شهريًا إلى 3.75 جنيه بدلًا من 3.60 جنيه، بنسبة ارتفاع %4.2.

ومن المقرر أن يبدأ العمل بالأسعار الجديدة من الشهر الجارى.

جدير بالذكر أن آخر تعديل فى أسعار الغاز المنزلى والنشاط تم خلال عام 2019.

وبمقتضى ذلك التعديل حينها تم تحديد الأسعار عند 2.35 جنيه للفئة الاستهلاكية الأولى 3.10 جنيه للفئة الاستهلاكية الثانية 3.60 جنيه للفئة الاستهلاكية الأخيرة الأعلى استهلاكًا.

«أسامة كمال»: المراجعة فى مصلحة المستهلك.. وتوسعة مظلة الحماية المجتمعية يتم بالتوازى

فى البداية، أكد المهندس أسامة كمال وزير البترول الأسبق، أنه لا توجد إدارة متكاملة أو حكومة على مستوى العالم ترغب فى زيادة الأعباء على مواطنيها أو شعبها الذى تدير مصالحه، بل على العكس، ولكن هناك ضريبة دائمة لبرامج الإصلاح الاقتصادى، ولابد من تحملها من كافة الأطراف.

ووصف كمال الزيادات الأخيرة فى أسعار الغاز الطبيعى والوقود بالدواء المر الذى يقره الطبيب لمرضاه بهدف شفائهم، بدلا من الانتظار، وعدم وصفه لهم حتى تتدهور حالتهم بشكل أكبر لا يمكن مواجهته حينها.

كذلك مراجعة تسعير الغاز الطبيعى والوقود، فهى ضرورة حتمية، وفقًا لكمال، لا ترتبط بحجم إنتاج مصر من الغاز الطبيعى أو تحقيقها اكتشافات كبيرة، والدليل أن دول السعودية والإمارات على سبيل المثال من أكبر منتجى الوقود والغاز على مستوى العالم وفى المقابل رفعوا أسعار المحروقات.

كذلك الولايات المتحدة الأمريكية التى تأتى بعد روسيا كأكبر الدول المنتجة تقوم أيضًا بتحريك أسعار المحروقات حسب آليات السوق.

وقال كمال »تحريك الأسعار ليس له علاقة بفائض لإنتاج، ومحاسبة المواطن على استهلاكه بسعر منخفض ليس من مصلحة الطبقات الوسطة والدنيا المستحقة للدعم الفعلى«.

وتابع وزير البترول الأسبق: أكبر مستهلك للوقود فى السوق المصرية هو المواطن الغنى ذو القوة الشرائية المرتفعة، وفى حال استمرت الحكومة فى بيع المحروقات محليًّا بسعر منخفض سيرتفع حجم استهلاكه، وهذه الحالة تعنى أن الدولة تعطى الدعم لمن لا يستحق.

لذلك كان لابد من تطبيق آلية التسعير التلقائى للوقود، وإعادة النظر فى أسعار بيعه محليا بشكل دورى، وفقا لكمال لعدة أسباب.

وأضاف »أول تلك الأسباب أنه لابد أن تباع السلعة بسعرها الحقيقى حتى يعلم المواطن قيمتها ولا يتم الاتجار بها وإساءة استخدامها أو إهدارها«.

وأوضح كمال: فى حال كانت تبلغ تكلفة الوقود على الدولة 10 قروش على سبيل المثال، وقامت بتحديد سعر البيع محليا بـ8 قروش فقط، فستتحمل الدولة تلك الفروق السعرية من ميزانية ومصلحة المواطن فى النهاية.

وأشار كمال إلى أن السبب الثانى يتمثل فى أن الفترة الراهنة تشهد ارتفاعات وقفزات كبيرة فى أسعار الغاز العالمية، ومصر تقوم بشراء حصة الشريك الأجنبى من الغاز المنتج محليا، ومن حق «الأخير» أن يرتضى سعرًا معقولًا لبيع إنتاجه فى الاتفاقيات الجديدة.

وتابع: من مصلحة الدولة أن تقوم بتحريك أسعار شراء الغاز الطبيعى والبترول داخل اتفاقياتها الجديدة لجذب المزيد من الشركات، وذلك التحريك يعنى ارتفاع تكلفة توفير وإنتاج الغاز الطبيعى.

بينما السبب الثالث وفقًا لكمال أن الدولة لا تزال تقوم باستيراد نحو %30 من استهلاكها من المشتقات من الخارج، بخلاف تعاقداتها لاستيراد البترول الخام، وكل تلك التعاملات تتم وفقًا للأسعار العالمية.

وبالتالى الأمر لا يجب أن ينظر إليه من زاوية واحدة فردية، مصر تمتلك فائضا واكتشافات غازية كثيرة، فلماذا ترفع سعر الغاز؟ لا ، إذ إن الأمر شبكة مترابطة ومنظومة متصلة ببعضها البعض، وفقًا لكمال، وأى تغير فى تلك المنظومة ومعطياتها ينتقل إلى الصعيد المحلى.

وتمتلك مصر عددًا كبيرًا من اكتشافات الغاز التى ساعدتها على تغير موقعها بقائمة الدول المنتجة على مستوى العالم، وأبرزها حقل ظهر الأكبر على مستوى الشرق الأوسط حتى الآن.

وتضم القائمة أيضًا حقل شمال الإسكندرية فى البحر المتوسط، وحقل آتول شمال مدينة دمياط، وحقل نورس فى الدلتا، وحقول سلامة والقطامية الضحلة شمال دمياط، وحقل بلطيم جنوب غرب فى البحر المتوسط، وحقل «نيدكوNW-1» فى دلتا النيل.

وأكد كمال أن الغاز الطبيعى ومشتقات الوقود تؤثر بلا شك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على مستوى معيشة المواطنين، وأسعار كافة السلع والخدمات، لذلك تقوم الدولة بالتوازى فى التوسع فى برامج الحماية المجتمعية.

وقال كمال الدولة تعمل على التوسع فى مظلة الحماية الاجتماعية لحماية الطبقات الوسطى والدنيا، سواء بطرح وسائل نقل حديثة برسوم معقولة، وتقديم الخدمات والسلع بأسعار جيدة ورفع الحد الأدنى للأجور، وإحكام الرقابة على الأسواق.

كما نفذت الدولة ولا تزال تنفذ العديد من المشروعات القومية والخدمية التى حققت عوائد كبيرة للمواطنين على مستوى الإسكان والبنية التحتية والتعليم والصحة، وتم من خلالها توفير آلاف من فرص العمل للمواطنين على مدار سنوات تنفيذها، وتوفير مصدر دخل لآلاف الأسر المصرية.

ومن الجدير بالذكر، أن مصر نجحت فى دعم مكانتها كلاعب رئيسى فى قطاع الغاز خلال السنوات الست الماضية من خلال تنفيذ 29 مشروعًا باستثمارات 437 مليار جنيه، مما ساهم فى تبوء مصر المركز الثالث عشر عالميًا، والثانى أفريقيا، والخامس على مستوى الشرق الأوسط فى إنتاج الغاز الطبيعى.

وبلغ إنتاج مصر من الغاز الطبيعى خلال عام 2020 ما يقرب من 5.64 مليار قدم مكعب يوميًا، وتمكنت مصر من الاستحواذ على حصة تصل إلى %1.5 من الإنتاج العالمى اليومى من الغاز الطبيعى، فيما حصدت مصر على حصة تقدر بـ%11 من إجمالى إنتاج الدول العربية من الغاز.

«محمد سعد الدين»: رغم الارتفاعات.. الدولة لا تزال تدعم رجال الصناعة والمستويات العالمية خير دليل

وعلى صعيد متصل، أكد الدكتور محمد سعد الدين، رئيس جمعية مستثمرى الغاز المسال، ورئيس مجلس إدارة مجموعة سعد الدين للغازات البترولية، أن مصر تمتلك بالفعل فائضًا من الغاز الطبيعى، وحققت الاكتفاء الذاتى عام 2018، وأعلنت عن اكتشافات ضخمة السنوات الماضية، ولكن هل يعنى ذلك أن تخسر وتبيع الغاز للمواطن بأقل من تكلفة إنتاجه وتوفيره؟

وقال سعد الدين إن أسعار الغاز الطبيعى على مستوى العالم ارتفعت بنسبة %800، وتلك مشكلة مرتبطة بالعالم الخارجى وبمصر أيضًا، إذ أن الأخيرة يعمل داخلها شركات أجنبية تضخ استثمارات بمليارات الدولارات لإنتاج الغاز، ورغم قفزات سعر الغاز عالميا فإنهم مرتبطين مع الدولة باتفاقيات تجعل للسوق المحلية الأولوية فى تسويق إنتاجهم.

ولكن بالتوازى يتم تفعيل بنود مرنة تسمح بإعادة النظر ببند التسعير فى الاتفاقيات للشركات الأجنبية الكبيرة حال قفزات السعر عالميا، لتعويض جزء من خسارته بعدم تسويق إنتاجه بالخارج للاستفادة من الارتفاعات العالمية.

ومع تحمل الدولة مزيد من الأعباء والتكاليف مقابل توفير الغاز الطبيعى محليًا مع ارتفاع سعره عالميا، لابد أن يتم توزيع تلك الزيادات بعدالة على كافة الأطراف، وهذا ما تقوم به الدولة.

وبحسب تصريحات سابقة للمهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، فقد سجلت استثمارات الشركات الأجنبية العاملة بقطاع البترول خلال العام المالى الماضى نحو 5.4 مليار دولار، بتراجع %26 عن العام السابق عليه الذى سجلت فيه 7.3 مليار دولار، وذلك بسبب جائحة كورونا التى أدت إلى تباطؤ الاستثمارات على مستوى العالم أجمع.

ورغم الزيادات الأخيرة فى أسعار غاز الصناعة فإن الدولة لا تزال تقدم الغاز لرجال الصناعة بسعر مدعوم مقارنة بمثيله العالمى، وفقًا لسعد الدين.

وقال إن الدولة راعت تحديد زيادة بسيطة فى أسعار الغاز للصناعات الأخرى، على عكس الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، إذ إن «الأخيرة» ورغم أى زيادة ستحقق عوائد وأرباح مضاعفة من زيادة الإنتاج والتوسع فى تسويق منتجاتها محليا وعالميا، مستغلة قفزات أسعار بيع إنتاجها، وتلك المكاسب والأرباح ستعوض بها أى زيادات أقرتها عليها الحكومة فى أسعار الغاز الطبيعى.

كذلك فإن زيادات الغاز الطبيعى التى تم الإعلان عنها للقطاعين المنزلى والتجارى منذ أيام محدودة «بضع قروش»، ولن تمثل فرقًا كبيرًا مع المواطن، ولا تزال أسعارها أقل من مثيلتها العالمية، بحسب سعد الدين.

ولفت إلى أن معادلة التسعير التلقائى للوقود التى تطبقها مصر ترتكز على دراسة عدة عوامل أبرزها الأسعارالعالمية، وسعر الصرف، وتكاليف الإنتاج والتشغيل والنقل والاستيراد، وزيادة قيمة تلك المعطيات لابد من توزيعها بعدالة بين كافة الأطراف، وهذا ما تنفذه الدولة حاليا.

ورغم تلك المعطيات فإن الدولة حددت على سبيل المثال نسبة %10 صعودًا أو هبوطًا فى تسعير الوقود، وهذا فى صالح المواطن، إذ إن تلك النسبة لو كانت حرة لوصل سعر الغاز الطبيعى حاليا إلى 10 دولارات.

وعن اعتزام الحكومة تطبيق آلية التسعير التلقائى على الغاز لمورد لقطاع الصناعة، على غرار المحروقات، قال مصدر حكومى، إن المناقشات جرت الفترة الماضية حول تطبيق تلك الآلية كل 6 شهور، ولكن حاليًا يتم مناقشة تطبيقها كل 3 – 4 شهور.

ولفت إلى أنه حتى الآن لم تحدد نسبة تعديل سعر غاز الصناعة، ولكن فى كافة الأحوال ستراعى الدولة كافة الأطراف قبل اتخاذ قرارها.

«مسئول حكومى»: نعمل وفق منظومة دولية.. وأى تغيرات بالخارج نتأثر بها سلبا وإيجابا

وقال المسئول إن الدولة تعمل وفق منظومة مترابطة داخليا ومتصلة بالعالم، لذلك أى تغيرات تحدث بالخارج على كافة الأصعدة تتأثر بها سلبا أو إيجابا.

وشهد عام 2020 توقيع (22) اتفاقية للبحث عن البترول والغاز مع شركات عالمية بحد أدنى للاستثمارات حوالى 1.6 مليار دولار وبإجمالى منح توقيع 139 مليون دولار لحفر 74 بئرا.

وشهد العام أيضًا تحقيق 62 كشفًا للبترول والغاز (47 زيت خام + 15 غاز) بالصحراء الغربية والشرقية وخليج السويس ودلتا النيل والبحر المتوسط، وتم توقيع 12عقد تنمية بالصحراء الغربية ودلتا النيل بإجمالى منح توقيع حوالى 6.5 مليون دولار.