تسود مخاوف بين المستثمرين من أن البنك المركزي الأوروبي يغيّر مسار رفع أسعار الفائدة حتى قبل أن يبدأ في تطبيقها.
في مواجهة أسرع معدل تضخم منذ استخدام العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، يخطط المسؤولون لبدء دورة “مستدامة” لرفع أسعار الفائدة يوم الخميس المقبل بمقدار ربع نقطة مئوية، للمرة الأولى منذ عام 2011، مع اقتراب سنوات التحفيز أخيراً من نهايتها.
وقف إمدادات الطاقة الروسية
لكن مع استيعاب التجار لإغلاق محتمل في إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، ونشوب عاصفة سياسية جديدة في إيطاليا، والاقتصاد الذي يتأرجح على حافة الركود، فإن التوقعات بشأن المدى الذي يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يمضي فيه تتضاءل بالفعل.
وتقترب الرهانات بهبوط اليورو من المستويات المسجلة إبان تفشي الوباء في عام 2020.يتأخر البنك المركزي الأوروبي بالفعل عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع تكاليف الاقتراض، كونه يواجه أقوى ارتفاع في الأسعار منذ جيل، وهو الاختلاف الذي دفع باليورو إلى ما دون معدل التكافؤ أمام الدولار للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن خلال الأسبوع.
تغيير مسار رفع أسعار الفائدة
تؤدي الصدمة من توقف تدفقات الغاز ومخاطر الوتيرة الأبطأ للتشديد النقدي إلى تراجع العملة الموحدة (اليورو) لمستوى منخفض عند 0.9 دولار، وفقاً لـ”نومورا هولدينغز” (Nomura Holdings Inc) و “بي سي إيه ريسيرش” (BCA Research Inc).
وفق هذا السيناريو، يتوقع المحللون الإستراتيجيون في “يو بي إس غروب” (UBS Group AG) بلوغ عائدات السندات لأجل 10 سنوات إلى 0% بنهاية العام بدلاً من 1.1% حالياً، لتنهي بذلك فترة قصيرة من تحقيق عوائد إيجابية.من شأن خطوة البنك المركزي الأوروبي المقررة لرفع الفائدة يوم الخميس المقبل، أن تؤدي إلى بلوغ سعر الفائدة على الودائع إلى سالب 0.25%.بالنسبة لـدومينيك بانينغ ، كبير محللي الصرف الأجنبي في “إتش إس بي سي هولدينغز” (HSBC Holdings Plc)، فقد يواجه البنك المركزي الأوروبي صعوبة في تحقيق تقدم كبير خلال الأشهر المقبلة.قال “بانينغ”: “كنت تعتقد أنه بإمكانهم (المسؤولون في المركزي الأوروبي) الوصول إلى 0.5% في أوائل العام المقبل، لكن النافذة تغلق بسرعة كبيرة.. أوروبا تتباطأ بغض النظر عما يفعله البنك المركزي الأوروبي”.
توقعات برفع الفائدة
يقدّر المتعاملون حالياً أن يقوم “المركزي الأوروبي” برفع الفائدة بمقدار 155 نقطة أساس (1.55%) بحلول نهاية العام، بانخفاض من ذروة تجاوزت 190 نقطة أساس (1.90%) في منتصف يونيو.
في حين كانت هناك بعض الدعوات من داخل البنك المركزي للبدء باتخاذ خطوة أكثر قوة لرفع الفائدة بمقدار نصف نقطة، فإن هذا الأمر غير مرجح، لأنه سيتعارض مع التوجيه وقد يضر بالمصداقية.
ويظل رفع الفائدة بهذا القدر هو الحالة الأساسية لشهر سبتمبر، مع تحول تركيز المتداولين إلى ما سيأتي لاحقاً.سيكون العامل الرئيسي لكيفية قيام البنك المركزي الأوروبي بالمضي قدماً هو الكشف عن أداة جديدة للتخلص من التوترات غير المبررة في أسواق السندات الحكومية مع ارتفاع تكاليف الاقتراض.
الكشف عن الأداة الداعمة
تم تكثيف العمل على الأداة الداعمة، والمتوقع أن يتم الكشف عنها في اجتماع الأسبوع الجاري، وهو ما بدأ الشهر الماضي بعد قفزة في عوائد سندات إيطاليا المثقلة بالديون، والتي أثارت ذكريات أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو.قال جاريث هيل، مدير محفظة في “رويال لندن آسيت مانجمنت” (Royal London Asset Management): “ما تريده السوق هو تأكيد ملموس بشأن الأداة.. إذا لم يقدّم البنك المركزي الأوروبي تفاصيل كافية، فقد يكون الأمر مخيفاً”.
يُعتبر نطاق خيبة الأمل مرتفعاً، مع عرض رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي الاستقالة، ما يجعل المعنويات أكثر حساسية.
يبلغ الفارق بين سندات البلاد لأجل 10 سنوات وسندات ألمانيا حالياً حوالي 215 نقطة أساس، وهو الأعلى في شهر.قال الخبراء الإستراتيجيون لدى “كوميرزبنك” (Commerzbank AG) في تقرير للعملاء إن الإخفاق في تقديم أداة “شاملة وذات مصداقية” من شأنه أن يوسع هذه الفجوة. ويتوقع الإستراتيجيون أن الفارق يعيد اختبار أعلى مستوى سجله هذا العام عند 240 نقطة أساس.
القلق بشأن مستقبل الطاقة
يشعر المستثمرون بالقلق بنفس القدر إزاء مستقبل الطاقة. وتعتمد الثروات الاقتصادية للقارة على ما إذا كانت إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا ستُستأنف بعد صيانة خط أنابيب رئيسي من المقرر أن تنتهي يوم الخميس المقبل، بينما يتم بالفعل خفض توقعات النمو في منطقة اليورو.
صدمة أكثر ديمومة
قالت المفوضية الأوروبية الأسبوع الجاري إن المنطقة تواجه الآن توسعاً “أبطأ بكثير”، وصدمة أكبر وأكثر ديمومة فيما يتعلق بتكلفة المعيشة مما كانت عليه قبل شهرين.يعكس اليورو هذه الآفاق المستقبلية القاتمة، حيث أدى انخفاضه إلى تعقيد معركة البنك المركزي الأوروبي مع التضخم الذي أصبح الآن أكثر من أربعة أضعاف المستهدف البالغ 2%.
مراقبة الانخفاض
قال محافظ بنك فرنسا المركزي فرانسوا فيليروي دي غالو إن مسؤولي “المركزي الأوروبي” يراقبون الانخفاض بسبب تأثيره على الأسعار.
ترقى الصورة الإجمالية إلى “خليط سام” للبنك المركزي الأوروبي، والذي على الرغم من الشروع في رفع أسعار الفائدة بعد أربعة أشهر من تحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي، قد يوقف التشديد النقدي في وقت مبكر، وفقاً لأليكس برازير، نائب رئيس “إنفستمت إنستيتيوت” (Investment Institute) التابع لـ”بلاك روك”.قال أليكس لتلفزيون “بلومبرغ”: “نتوقع أن تؤثر صدمة الطاقة على الطلب في منطقة اليورو أكثر بكثير مما يحدث في الولايات المتحدة”.
أضاف: “سيحول البنك المركزي الأوروبي في مرحلة ما تركيزه بعيداً عن تصميمه على رفع أسعار الفائدة هذا العام نحو التوافق في نهاية المطاف مع تضخم أكثر قليلاً”.