يؤدي العجز التجاري المتضخم في الهند، وتدفقات رأس المال الخارجة، إلى مخاطر جديدة تتهدد الروبية الهندية ، في الوقت الذي يتسبب انخفاض العملة إلى مستوى قياسي، في تزايد المشكلات الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع التضخم.
كتب خبراء اقتصاديون في “جولدمان ساكس جروب” أن “الموازين الخارجية للهند آخذة في التدهور”، مشيرين إلى الصدمة التي خلقتها ظروف التجارة الحالية جراء صعود أسعار السلع الأساسية وتراجع النمو على مستوى العالم.
مخاطر تتهدد الروبية الهندية
وقال هؤلاء الخبراء: “مستقبلاً، سيتقهقر على الأرجح مسار سعر صرف الروبية مقابل الدولار، جراء تدهور الموازين في الخارج”.
وكانت الروبية الهندية قد هبطت يوم الجمعة إلى مستوى جديد هو الأدنى لها على الإطلاق، لتسجل 79.1113 مقابل الدولار.
رغم أن بنك الاحتياطي الهندي شرع في زيادة أسعار الفائدة، وهي خطوة تدعم في العادة سعر صرف العملات، إلا أن هذه التحركات تؤدي كذلك إلى تراجع الأسعار في سوق الأسهم المحلية، لا بل قد تؤدي إلى تسريع التدفقات الخارجة التي تزيد من ضعف الروبية.
وفي الوقت ذاته، يرتفع الطلب على الدولار، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الضغوط على العملة، فيضطر بنك الاحتياطي الهندي بذلك إلى السحب من احتياطياته من العملات الأجنبية لدعمها.
يقول البنك المركزي إن المخاطر لا تزال تحت السيطرة حتى الآن، وإن قطاع العملات الخارجية لديه “يتمتع باحتياطي جيد يسمح بتحمّل الصدمات الناجمة عن محددات التجارة الحالية، والتدفقات الخارجة للمحافظ المالية”.
تلقي الرسوم البيانية الأربعة التالية، نظرة أكثر عمقاً على الصعوبات الناجمة عن الشؤون المالية الخارجية للهند:
العجز المتنامي
من المرجح أن يزداد عجز الحساب الجاري للهند – وهو أوسع مقياس للتجارة – ليصل إلى 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الذي ينتهي في 31 مارس المقبل، حسب استطلاع رأي أجرته “بلومبرغ” في أواخر شهر يونيو المنصرم، أي ما يقترب من ضعف المستوى الذي شهدته السنة السابقة.
قال راهول باجويرا، الخبير الاقتصادي في مصرف “باركليز” في مومباي: “زاد عجز ميزان المدفوعات بشكل كبير.. وفي ظل الزيادة الكبيرة واسعة النطاق في أسعار السلع الأساسية، من المرجّح أن يستمر هذا العجز بالتزامن مع استمرار تدفقات رأس المال الخارجة، ما سيسفر بالتالي عن تفاقم متطلبات التمويل الخارجي”.
أشار باجويرا إلى أنه في حال بدأ العجز يقترب من نسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي، سيجد صنّاع السياسة النقدية أنفسهم مضطرين إلى اتخاذ تدابير مالية ونقدية.
انخفاض احتياطي النقد الأجنبي
انخفضت احتياطيات العملات الأجنبية لدى الهند، والتي تغطي واردات البلاد لنحو 10 أشهر، بأكثر من 50 مليار دولار من مستوى الذروة الذي بلغته في الأسبوع المنتهي في 17 يونيو المنصرم عند 587 مليار دولار، حيث يحاول بنك الاحتياطي الهندي تحقيق الاستقرار في سعر صرف العملة، فيما يطالب المستوردون بدولارات أكثر مقابل واردات الطاقة الباهظة.
يحارب بنك الاحتياطي الهندي على جبهات عدة للحد من انخفاض الروبية، في حين أن موقفه العلني هو أنه يتدخل لتقليص التقلبات في سعر صرف العملة، وليس للتأثير على اتجاهه. رغم ذلك، كشفت أحدث البيانات التي صدرت عن البنك المركزي، أن بنك الاحتياطي الهندي أنفق 18 مليار دولار في سوق العقود الفورية لتقوية سعر صرف الروبية في الفترة بين شهري يناير وأبريل الماضيين.
واردات أعلى تكلفة
ارتفع العجز التجاري للهند ليبلغ أعلى مستوى له على الإطلاق عند 24 مليار دولار في شهر مايو الماضي، عقب تضاعف فاتورة الواردات في البلاد تقريباً جراء صعود أسعار النفط الخام على مستوى العالم. في غضون ذلك، تباطأت الصادرات، حيث ألقى غزو روسيا لأوكرانيا وتشديد السياسات النقدية عالمياً، بثقليهما على النمو الاقتصادي.
قالت راديكا راو، كبيرة خبراء الاقتصاد في مصرف “دي بي إس بنك”: “إن الارتفاع الكبير في فاتورة السلع الأساسية سيزيد الواردات السنوية من مشتريات النفط الخام والفحم والأسمدة وزيوت الطعام. تقدر راو أن تصل الزيادة في إجمالي الواردات إلى 20%، متفوقة على معدل نمو الصادرات، الأمر الذي سيسفر على الأرجح عن نمو عجز التجارة السلعية بحوالي 40% خلال السنة الجارية.
تدفقات رأس المال
سحب المستثمرون الأجانب ما يفوق 32 مليار دولار من سوق الأسهم الهندية خلال السنة الماضية، ما جعلها الأسوأ أداء في آسيا بعد تايوان. كانت هناك تدفقات نقدية خارجة من سوق السندات أيضاً، ما وضع الهند في مرتبة متراجعة خلف إندونيسيا وماليزيا.
قال مادهافي أرورا، كبير خبراء الاقتصاد في شركة “إمكاي غلوبال فاينانشال سيرفيسس”: “مع توقع استمرار التدفقات المالية الخارجة وسط تراجع أداء أسواق الأسهم على مستوى العالم، والتدهور أكثر في ميزان المدفوعات في غضون الأشهر المقبلة، من غير الممكن استبعاد وجود مخاطر ضعف أداء الروبية”.