وفى الحال المصرى، وبتجربة الأيام الأولى لتولى الرئيس محمد مرسى الأمر المصرى، فإن المقدمات لا تبشر بخير كثير، وأول تلك القرارات هو قراره بفتح المعابر بين مصر وغزة بصفة دائمة دون التأنى فى دراسة الآثار السابقة على ذلك الفتح الدائم للمعابر، ولقد أجبرت أحداث الإرهاب التى قتلت 16 جنديًا مصريًا وجرحت آخرين، الرئيس المتسرع على العودة سريعًا عن قراره هذا الذى كان يغازل به حكام غزة من واقع «الأخوة الإسلامية » التى تجمعه مع «حماس » ، مع أنه من بدهيات السياسة بالنسبة للحاكمين هو أن الأمن القومى لبلادهم لابد أن يسبق – فى الجدية والأهمية – كل شيء آخر بما فى ذلك «نفاق الغزل » الذى يطمع الأطراف الأخرى فى اختراق ذلك الأمن فى حماية ذلك الغزل غير المفهوم !
وقبل قرار فتح المعابر والعدول السريع عنه، كان إصرار الرئيس مرسى على عودة «مجلس الشعب الإخوانى » ، وهو الإصرار الذى أجهضته المحكمة الدستورية العليا التى وقفت فى «ظور الرئيس » لتحول دون رغبته فى عودة ذلك المجلس المنحل، ليجيء قرار الدستورية العليا على هوى المصريين جميعًا الذين يعارضون كل خطوة إخوانية نحو سلطة حكم المصريين !
ولأن الرئيس – إخوانى الأصل – خلفه جوقة من المشجعين المستفيدين فى حال انتصاره من ذلك الانتصار، فإن تلك الجوقة تولت «التطبيل » لقراره بفتح الحدود مع قراره بالعفو والإفراج عن جماعات الجهاد التى كانت راقدة فى السجون تنفيذًا لأحكام قضائية صدرت ضدهم، حيث قام هؤلاء بالواجب الإرهابى فى سيناء بما أدى إلى انتقال قوات مسلحة هائلة لضبط الأمور هناك، فيما هو خارج عن نطاق سلطة الرئيس .. ولا رغبته !
وشملت عملية «تطبيل جوقة الأنصار » القول بأن كل قرارات للرئيس هى قرارات صائبة، إلا أنها تفوق كثيرًا قدرة بعض الناس على الفهم والاستيعاب، حيث كان هدف الرئيس – كما يقول الأنصار – هو تحقيق بقية أهداف الثورة، وإن ما حدث من إرهاب هناك كان سوف يحدث سواء اتخذ الرئيس قراراته تلك .. أو لم يتخذ، فى تبرئة كاملة للرئيس من ذنب الشهداء العسكريين الذين سقطوا برصاصات الإرهاب، ولا أدرى ما العلاقة بين أهداف الثورة وقتل الناس الأبرياء !
ويرد بعض السياسيين على ما جرى بأن الرئيس مرسى وإخوانه المسلمين قد تعاملوا – مثل مبارك بالتجاهل الكامل لشبه جزيرة سيناء – بسبب انشغالهم بأخونة الدولة وتأميمها لصالح فكر الجماعة الذين يريدون بسطه فى كل مكان وهو – بسبب تربص المصريين بهم – لن يحدث، ولن يكون !
ويستطرد هؤلاء بأن الاهتمام بقضية القيادات الفلسطينية المتناحرة، لا يصح أن يكون على حساب الأمن القومى المصرى، مهما بلغ الاهتمام بهذه القضية التى يبدو أنها بلا نهاية بسبب تناحر قيادات غزة ورام الله، حول تأميم المعونات الدولية لصالح كل طرف، وهو تناحر فلسطينى فلسطينى لا ناقة لنا فيه ولا جمل، وإن كل ادعاء غزاوى بأن أمن مصر هو قضية الأمن الفلسطينى نفسه هو ادعاء يكذبه القادمون إلى مصر من أنفاق أولها فى غزة ومداخلها فوق الأرض المصرية التى دفعت الكثير من الشهداء منذ كان لدينا اعتقاد راسخ بأن الأمن الفلسطينى هو أول خط للدفاع عن الأمن القومى المصرى، وهو – على ما أعتقد – علينا أن نظل ندفع ثمن ذلك لسنوات طويلة مقبلة دفاعًا عن أمن أناس لا يهتمون بغير أمنهم الشخصى، وكذلك مصالحهم !