بمناسبة كاس العالم طافت بذهنى بعض الأفكار -الغير كروية- وطاب لى ان أشاركها مع حضراتكم.، فى البداية فإن كأس العالم اليوم ليس هو ذاته كأس العالم الذى كان موجوداً منذ 90 عاما كما وأنه ليس بالتأكيد مماثل لذلك الذى كان عليه الحال منذ 50 عاماً فقد تغير الكأس وتغير العالم وإن بقيت الكرة هى ذاتها التى يتم تحريكها بأقدام اللاعبين الإحدى عشر فى المستطيل الأخضر كما وان الهدف ظل كما هو وهو ‘سكان الكرة فى الشباك للفريق الآخر.
كأس العالم بين الماضى والحاضر
كان عدد سكان العالم منذ 90 عاماً 2 مليار نسمة واصبح اليوم 8 مليار نسمة ، أكاد اجزم بأن عدد من تابعوا المباريات حينئذ كانوا بالآلاف بينما عددهم الآن بآلاف الملايين ، هذا جانب واحد من القصة وأظن ان الشوالى او الدراجى اقدر منى على متابعة هذا الأمر، بينما على الجانب الآخر تبقى “العولمة ” أو ما تعرف Globalization ماذا فعلت بنا وكيف غيرتنا بصورة كبيرة وهل مايحدث لصالحنا أو ضدنا .
فى البداية كانت العولمة رحلة اقتصادية هدفها النمو للشركات الكبرى بغرض البحث عن أسواق بعد الوصول بالأسواق المحلية إلى درجة التشبع saturation وبالتالى فإن النمو أصبح محدوداً وإن كان فى أحيان أخرى منعدماً فلجأت الشركات والاستهلاكية منها على وجه التحديد إلى الأسواق الخارجية حيث بدأت شركات مثل كوكاكولا وبيبسى قديماً (منذ الستينات) إلى الخروج تبعتها بفترة شركات مثل كنتاكى وما لبث كبيرهم “ماكدونالد ” أن حلق فى كل مكان استطاعت السفارة الأمريكية ان ترفع علمها ، ولعل من قبيل التندر أن مجلة رصينة مثل الايكونومست دأبت على اصدرا تقرير دورى بناء على سعر”البيج ماك” وأخذه معياراً لتحديد سعر عملة كل دولة وعما إذا كان مقوماً بصورة جيدة أم لا؟
تأثير العولمة على الرياضة
ثم كانت المرحلة الثانية للعولمة وهى التى بدأت تشمل الشركات الصناعية الكبرى مثل شركات السيارات وشركات النقل “ميرسك ” وشركات السياحة العالميه TUI ثم وصلت المرحلة الثالثة وهى المرحلة الحياتية أى الدخول بعمق فى كافة مناحى الحياة وبالطبع بدأت بداية يظنها الإنسان أنها جيدة حيث يبدأ الحديث عن الرياضة وتقوية الدافع الوطنى والرياضى عن طريق الألعاب الأوليمبية الى تسعى الدول الى استضافتها- وبالطبع تعطى لمن يقدر على المصاريف وليس لمن يرغب او يستحق -، كما وان تنوع الألعاب وتعددها بشكل كبير يجعلها موسم عالمى للتنافس المفترض ان يكون شريفاً.
فى المرحله الرابعة يأتى كأس العالم لكرة القدم ، وهى اللعبة العالمية رقم 1 بدون منازع وفى رأيى ان لهذا الأمر أسبابه لأن احكامها تعتبر سهلة الفهم على الجميع -بخلاف موضوع التسلل الذى يشغل بال الزوجات- بالمقارنة بلعبة مثل الكريكيت او الرجبى كما وأنها لا تحتاج إلى ملاعب خاصة أو أدوات حيث تكفى كرة وأرض منبسطة وبعض المتحمسين ومن الأسباب الأخرى أن الفرص متاحة للفقراء ليس فقط لممارسة اللعبة ولكن للتميز فيها وجنى الكثير من المال وربما كان بيليه فى الماضى او كريستيانو رونالدو او حتى محمد صلاح مثال جيد ومبهر لكل الشباب.
وإن كان لى تحفظ على ما آلت إليه لعبة الكرة من فساد فى اعلى المستويات وما يمكن ان تؤدى إليه من قطيعة بين أناس بسطاء هدفهم المتعة ينتهون بالإصابة بالذبحة الصدرية أو الأمراض او على اقل تقدير حرق علبة سجائر بسبب مباراة كرة قدم إلا انها بصورة عامة ممتعة.
تبقى المرحلة الصعبة وهى مرحلة العولمة السيئة التى يخشى منها على الشعوب ومنها شعبنا العظيم وهى مرحلة التحول دفعا من الحاجات الروحية إلى التحول المادى ولا نقتصر هنا على القواعد والمفاهيم الدينية ولكن يظل الأمر ايضاً نحو ما يعرف بالعادات والتقاليد او ما اطلق عليه الرئيس السادات “العيب” وحتى أؤكد لك على هذا الوضع أدعوك إلى مراجعة فرض انواع معينة من الأفلام لا تتسم بالقبول من الأغلب الأعم سواء فى مجتمعاتنا او غيرها وتقديمها إلينا كأنه هو التحضر بعينه -نتفليكس على سبيل المثال- كما وأن بعض الممثلين او الإعلاميين الذين أصبح الحدث عنهم يشير إلى ميولهم الغير سوية مما يمثل قبولاً وإذكاء القبول وما الحمله التى تتعرض لها قطر التى بلغت الغالى والنفيس فى سبيل استضافة كاس العالم ولكن يؤخذ عليها أنها دولة تحاول واكرر تحاول ان تتمسك بهويتها بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع رؤيتها السياسية.
فى الحالات التى يضمحل فيها المستوى الثقافى لأمة ما يترك الباب مفتوحا أمام الرياح الغربية -التى هى نظرياً متفوقة ثقافيا- مما يسبب أضراراً من هذه الرياح ليس فقط فى التغيرات الشكلية مثل أسماء المنتجعات والمحلات وكتابة الأسماء باللغة الإنجليزية حتى على سيارات الشرطة التى اصبحت Egyptian Police ولكن فى رأى الشخصى أن احتياجنا إلى التعبير عن نفسنا بلغتنا وبفكرنا هو ما يجعلنا نأخذ مكانتنا بين الأمم وليس ما يرمى إلينا من غيرنا كما وأن حماية ثقافتنا هى واجب كلاً منا.
فكان لنا شأن عندما كان عندنا أم كلثوم تغنى بالعربية ونجيب محفوظ يكتب بالعربية علماً بأن حماية الثقافة لا تقتصر فقط على الثقافة الفكرية بينما تمتد إلى معتقداتنا وحياتنا.