محمد حجازي يكتب : الأستاذ دسوقي الوكيل بتاعه!!

محمد حجازي يكتب : الأستاذ دسوقي الوكيل بتاعه!!
المال - خاص

المال - خاص

3:48 م, السبت, 4 فبراير 23

تبادر لذهني صورة دسوقي أفندي وكيل المحامي، والتي جسدها الفنان عادل إمام في مسرحية أنا وهو وهي مع العظيم فؤاد المهندس، عندما أعلنت إحدى الشركات الأمريكية الناشئة العاملة في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي واسمها DoNotPay والتي أسسها جوشوا براودر أحد خريجي جامعة ستانفورد، والذي صرح بأن الروبوت المحامي سيتم استخدامه في إحدى المحاكمات للدفاع عن أحد الأشخاص المتهمين في قضية مرور.

وقد أعلنت الشركة أنها تعمل علي تطوير برامج للمحادثات الخاصة بالخدمات القانونية من خلال تصميم وتطوير خوارزميات وتقنيات تسمح للروبوت بالتعلم الاستقرائي والاستنتاجي، حيث يعمل علي الوصول إلي المعلومات والخروج بالحجج والدفوع القانونية من خلال التنقيب عن المعلومات في قواعد البيانات الضخمة والوصول إلي المعلومات القيمة والمفيدة للموضوع القانوني الذي يبحث فيه، ويقدم المساعدة والآراء القانونية المختلفة مثله مثل أي محامٍ مخضرم، وفقا لما يعالجه من بيانات ومعلومات وما يقوم بالوصول إليه من خلال تعلم الآلة Machine Learning .

وعلي الرغم من أن ما تم الإعلان عنه يعد ثورة في عالم المحاماة والقضاء حيث يمكن أن تتيح تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها مزايا ضخمة للعاملين في المجال القانوني، سواء علي صعيد تسهيل إجراء عمليات البحث القانوني، والتفرقة بين الأمور الدقيقة في القانون والإجراءات، وإمكانية الوصول إلي مجموعة واسعة من الحجج القانونية بناء علي البحث في ثغرات القانون، وتحليل الاحكام القضائية والآراء الفقهية في الموضوع محل النزاع أو البحث، وحتي علي مستوي صياغة العقود والاتفاقيات القانونية المختلفة، إلا أن الجدل القانوني والتكنولوجي قد احتدم عندما تمت الإشارة إلي قيام الروبوت المحامي بالاستعداد للمثول أمام المحكمة في فبراير القادم للدفاع عن إحدى قضايا مخالفات المرور.

إن معظم العاملين في مجال التكنولوجيا يرون أهمية الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيات المختلفة لمساعدة العاملين في المجال القانوني، ويري بعض القانونيين ورجال القضاء أهمية استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العمل القانوني والقضائي.

إلا أنني أري أهمية التفرقة بين استخدامات تلك التطبيقات في المساعدة والتحضير من خلال البحث العميق، وإمكانية الوصول إلي المعلومات والمسارات والحلول المختلفة للموضوعات القانونية ليقوم بعد ذلك المحامي أو القاضي أو رجل القانون باستخدام ما تم الوصول إليه في استخدامه في دعواه أو في البحث القانوني الذي يجريه، أو حتي في القيام بصياغة المسودات الأولية لمذكرات الدفاع أو حتي كتابة مسودات العقود. اما فيما يتعلق بإمكانية قيام تطبيق الذكاء الاصطناعي او الروبوت بالوقوف أمام المحكمة وتولي مسئولية الدفاع عن المتهمين أو أصحاب القضايا المختلفة، فانا اعتبره نوع من أنواع الشطط في الاستخدامات التكنولوجية.

إن ممارسة أعمال المحاماة يحكمها في مصر وفي كل دول العالم مجموعة من القوانين والقواعد والأعراف المتشابهة لحد كبير، وسنعرض فيما يلي للشروط الجوهرية الواردة في القانون المصري لمن يُسمح له بممارسة مهنة المحاماة. ومنها: يجب أن يكون شخصا طبيعيا وأن يكون مصري الجنسية، وأن يكون حائزا على شهادة الحقوق من إحدى كليات الحقوق، كما يجب أن يكون متمتعا بالأهلية المدنية الكاملة. بالإضافة إلى شروط أخرى منها اجتيازه للكشف الطبي وسداده لرسوم القيد والاشتراك السنوي وأن يكون محمود السيرة وحسن السمعة.

ولو نظرنا إلى تلك الشروط والتي تتشابه بدرجة كبيرة جدا مع معظم قوانين المحاماة في العالم فإن ذلك يؤكد عدم إمكانية قيام الروبوت المحامي بالوقوف أمام المحكمة للدفاع عن أي شخص، وأن ما يمكن أن يقوم به هو مساعدة المحامي الطبيعي الفعلي المقيد بالنقابة والمسموح له بالترافع أمام المحاكم بمختلف درجاته وفقا لدرجة قيده.

كما أن وجود بعض المعدات والأجهزة التكنولوجية مثل الروبوت أو غيره من الأدوات الفنية لن يمكن استخدامها في قاعات المحاكم بدون موافقة المحكمة، وخاصة أن مثل هذه الأجهزة قد تكون لها تبعات متعلقة بخصوصية الأطراف أو بدرجة حساسية القضية أو الأطراف، وغيرها من اعتبارات يتم تقديرها من القضاة.

بالإضافة إلى كل ذلك فإن هناك مسئولية قانونية على المحامي في القيام بواجباته في الدفاع عن موكله، وفكرة الاعتماد علي روبوت في هذا المجال يخلق إشكالية قانونية متعددة منها، ما هي إمكانية محاسبة هذا الروبوت في حال مخالفته لنظام المحكمة، أو عدم قدرته عن الدفاع أو عدم بذل العناية اللازمة للدفاع عن موكله، أو قيامه بارتكاب جريمة من جرائم الجلسات، أو غيرها من الحالات التي يمكن أن تحدث.

كل ما سبق، يدعونا للحديث مجددا عن أهمية إصدار إطار تنظيمي أو قانوني لتحديد المسئولية عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأن يتم النظر إلي الأفكار الابداعية التي تصدر عن بعض الشركات الناشئة في ضوء القوانين المعمول بها، أو في ضوء إمكانية تعديل القوانين للتواكب مع تلك التطبيقات وتنظيم تطبيقها في المجالات المختلفة بطريقة منفتحة ومتوازنة بما لا يضر المجتمع أو يحد من الابداع والاستثمار في تلك التقنيات.