رغم قرار شركة هوندا بإلغاء خطط تصنيع الجيل الجديد من “هوندا سيفيك” فى المكسيك والاستمرار فى إنتاجها بمصنعها القائم فى ولاية إنديانا، إلا أن نقل خطوط الإنتاج إلى الولايات المتحدة لا يبدو خيارًا سهلاً كما تُروج له الإدارة الأمريكية.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب شدد على أن بإمكان شركات السيارات تجنب الرسوم الجمركية ببساطة من خلال نقل الإنتاج إلى داخل البلاد. لكن خبراء الصناعة يؤكدون أن الأمر أعقد بكثير، وسط تحديات لوجستية واقتصادية وسياسية تهدد مستقبل صناعة السيارات الأمريكية.
رسوم جمركية وضغوط متزايدة
فرضت إدارة ترامب رسومًا بنسبة %25 على واردات الصلب والألومنيوم، كما أعلنت عن رسوم مماثلة على السيارات وقطع الغيار المستوردة بدءًا من أبريل 2025، ضمن توجهات لحث الشركات على التصنيع محليًا. غير أن هذه القرارات أثارت انتقادات دولية حادة، خاصة من اليابان وألمانيا، اللتين وصفتا الإجراءات بأنها ضربة للتجارة الحرة.
وتُرجّح التقديرات أن هذه الرسوم ستؤدى إلى رفع أسعار السيارات الجديدة بشكل كبير، ما يقلل من القدرة الشرائية للمستهلك ويحد من الخيارات المتاحة، فضلًا عن خطر فقدان وظائف على مستوى سلاسل الإمداد.
غياب اليقين يعوق الاستثمار
شركات صناعة السيارات، مثل “فورد” و”جنرال موتورز”، أعربت عن قلقها من التوجهات السياسية غير المستقرة. وقد أوضح بول جاكوبسون، المدير المالى فى “جنرال موتورز”، أن عدم وضوح السياسات الجمركية يجعل من الصعب اتخاذ قرارات استثمارية ضخمة، مؤكدًا أن مثل هذه المشاريع تتطلب استقرارًا طويل الأمد.
جيم فارلى، الرئيس التنفيذى لفورد، وصف الوضع الحالى بأنه “فوضى مكلفة”، مشيرًا إلى أن التكلفة الباهظة للرسوم الجمركية تضغط على الشركات، دون أن تدفعها بالضرورة إلى بناء مصانع جديدة فورًا.
تكاليف باهظة وتأثيرات متشابكة
حتى مع العقود طويلة الأجل التى تُجنّب شركات السيارات ارتفاع التكاليف بشكل فورى، فإن الرسوم تؤثر بشكل تدريجى. فارتفاع أسعار الصلب والألمنيوم بنسبة تصل إلى %30 و%15 على التوالى، أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات لشركتى فورد وجنرال موتورز منذ فرض الرسوم الأولى عام 2018.
وبالإضافة إلى تكاليف المواد الخام، فإن بناء مصانع جديدة أو حتى إعادة تأهيل مصانع قائمة يستغرق سنوات ويحتاج استثمارات ضخمة، ما يجعل أى انتقال فى الإنتاج أمرًا بالغ التعقيد.
أمريكا الشمالية كسوق موحدة
لطالما تعاملت شركات السيارات مع أمريكا الشمالية كسوق واحدة، بموجب اتفاقية “نافتا” ثم “USMCA”، ما يسمح بحرية تنقل قطع الغيار بين كندا والمكسيك والولايات المتحدة. ويُظهر الواقع أن أكثر من نصف السيارات المُصنّعة فى الولايات المتحدة تحتوى على مكونات من دول الجوار.
فعلى سبيل المثال، تُصدّر المكسيك قطع غيار بقيمة 82 مليار دولار سنويًا إلى الولايات المتحدة، بينما تُرسل كندا قطعًا بقيمة 19 مليار دولار، فى حين تُصدر الشركات الأمريكية نفسها قطع غيار إلى كندا والمكسيك بقيمة تتجاوز 60 مليار دولار سنويًا.
تكاليف الأجور تهدد الطرازات الاقتصادية
الكثير من الطرازات منخفضة السعر تُنتج حاليًا فى المكسيك لتقليل التكاليف، مثل “جيب كومباس” و”فورد برونكو سبورت”. نقل إنتاج هذه الطرازات إلى أمريكا سيؤدى إلى رفع أسعارها بشدة بسبب الأجور الأعلى، ما قد يجعل من غير المجدى إنتاجها، وبالتالى تقليص عدد الخيارات المتاحة للمستهلكين.
رسوم جديدة قد تعصف بالصناعة
رغم تعهدات ترامب بأن الرسوم تهدف لـ”إنقاذ” الصناعة، إلا أن الواقع يشير إلى أن فرض رسوم بنسبة %25 على السيارات قد يؤدى إلى رفع تكلفة السيارة الواحدة بمقدار يتراوح بين 3000 و12000 دولار، بحسب مجموعة أندرسون الاقتصادية. هذا العبء سيُترجم إلى أسعار أعلى للمستهلكين أو تآكل أرباح الشركات، ما قد يؤدى فى النهاية إلى تقليص الإنتاج وخفض الوظائف.
لا وجود لسيارة أمريكية بالكامل
حتى السيارات “أمريكية الصنع” تحتوى على أجزاء من عدة دول، ولا تتجاوز نسبة المكونات المحلية فيها %75، بحسب المعايير الحالية. وبموجب اتفاقية “USMCA”، تُحتسب المكونات الكندية والمكسيكية كجزء من المحتوى المحلى، ما يُبرز الترابط العميق بين اقتصادات المنطقة.
خطط مستقبلية ومخاوف واقعية
رغم تأكيد ترامب على أن شركات السيارات تخطط لبناء مصانع ضخمة فى أمريكا، مثل مصنع هوندا المفترض فى إنديانا، إلا أن الشركة لم تُعلّق رسميًا على تقارير نقل الإنتاج من المكسيك. كما أن هذه الخطط – حتى إن كانت صحيحة – تتطلب تمويلاً ضخمًا، لا سيما فى ظل اضطراب السوق بسبب الرسوم.
فى الختام، يظل المشهد الصناعى للسيارات فى الولايات المتحدة محاطًا بالكثير من التعقيد، فبينما تسعى الإدارة الأمريكية لتعزيز التصنيع المحلى، تواجه الشركات تحديات حقيقية تتعلق بالتكاليف والجدوى الاقتصادية وسلاسل الإمداد العابرة للحدود.