يشير المحللون إلى أن عدة عوامل قد تضافرت لتقليص قفزات البترول السعرية التي نتجت عن الهجوم الأخير على ناقلتي البترول في بحر عمان، منها الحرب التجارية مع الصين، إلى جانب زيادة إنتاج البترول الصخري. ووففا لموقع كتلا الأمريكي، تستطيع الولايات المتحدة بجانب هذا تحمل قفزات سعرية في البترول تصل إلى 110 دولارات للبرميل. وهو ما يطرح تساؤلا حول عما إذا كانت الظروف مواتية لتصعيد الصراع مع إيران.
اتخذت أمريكا من جانبها، عدة تدابير احترازية استهدفت إمداد الأسواق بما تحتاجه من بترول، حيث ساهم إطلاق شرارة البدء في الحرب التجارية ضد الصين في تقليص الطلب على البترول، بجانب تعويض الأسواق عن النقص المحتمل في إمدادات البترول بزيادة الإنتاج الأمريكي من البترول الصخري، وحث السعودية والإمارات على زيادة الإنتاج.
دور البترول الصخري في حسم الصراع
ستؤدي القفزات الكبيرة في أسعار البترول إلى تقليص إنفاق المستهلكين بما يعني توجيه ضربة قوية إلى إنفاق المستهلكين، والتسبب بالتالي في تعطيل حركة الاقتصاد الأمريكي برمته، حسب تقرير نشره موقع كتلا الأمريكي.
وتابع التقرير: “التاريخ يشير إلى أن قفزات أسعار البترول لا الأزمات المالية كانت هي السبب الرئيسي لتعرض أمريكا الحديثة إلى الركود الاقتصادي”.
وقال نيقولاس كولا المؤسس الشريك لمركز داتا تريك للبحوث: “قفزات أسعار البترول كانت هي السبب في قتل فرص التوسع الاقتصادي الأمريكي خلال السنوات الـ40 الماضية مقارنة بأي سبب آخر”.
هذه المخاوف أصبحت أمرا من الماضي، حسب تقرير موقع كلتا، فالحرب التجارية مع الصين قد أدت إلى تسجيل ارتفاعات طفيفة خلال الأيام القليلة الماضية، بعد الهجوم على ناقلتي البترول في خليج عمان، لتصل إلى 62 دولارًا للبرميل تقريبا.
ويرجع السبب في هذا إلى أن الولايات المتحدة أصبحت تشغل المرتبة الأولى عالميا في إنتاج البترول بفضل تزايد إنتاجها من البترول الصخري المستخرج من غرب تكساس.
وقال مايك رينولدز المحلل في مركز استراتيجية الاستثمار لدى شركة جلينميد: “أصبحت الولايات المتحدة صاحبة استقلالية أكبر في مجال إنتاج الطاقة مقارنة بالماضي”.
وشدد على أن زيادة إنتاج الولايات المتحدة من البترول الصخري لا يكفي وحده لتعويض تراجع الإنتاج في فنزويلا وإيران، بجانب خطر اندلاع صراع مسلح في الشرق الأوسط.
ويتوقع تروي جيسكي خبير الاستثمار لدى شركة سكاي بريدج كابتل أن يتحمل الاقتصاد الأمريكي تداعيات ارتفاع أسعار البترول، وعدم سقوطه في هوة الركود حتى مستوى 100 إلى 110 دولارات للبرميل.
ما قدرة الاقتصاد العالمي على تحمل قفزات البترول السعرية؟
حسب تقرير نشرته صحيفة الجاردين البريطانية، ما زال الاقتصاد العالمي يحتاج إلى البترول برغم تزايد استخدام الطاقة المتجددة.
تعتمد وسائل المواصلات على التدفق المنتظم للبترول إلى معامل التكرير؛ ما يعني أن توقف هذا التدفق سيخلق أزمة خلال أشهر قليلة.
وارتفعت أسعار خام البترول يوم الخميس الماضي، يوم تعرض قافلتي البترول لهجوم في خليج عمان، بنسبة 4% لتصل إلى 62.64 دولار للبرميل بسبب مخاوف وقف الإمدادات.
الاقتصاد العالمي يتباطأ
أثرت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على فرص نمو الاقتصاد العالمي. ويشير تقرير الجاردين إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمي خلال الأشهر ال18 الماضية وانهيار الإنفاق الاستثماري سيدفع النمو في إجمالي الناتج المحلي العالمي إلى بلوغ مستوى 2.6% العام الجاري نزولا من مستوى 3% خلال السنوات القليلة الماضية، حسب تقرير البنك الدولي.
وقالت الجاردين أن مخاوف تباطؤ الطلب على البترول هي أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في تقليص قفزات البترول السعرية في الوقت الراهن. لكن توصل الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق عندما يجتمع الرئيس الأمريكي بنظيره الصيني خلال الشهر الجاري سيسهم في إنعاش التوقعات الاقتصادية. تحسن الطلب العالمي وتعرض ناقلات البترول للمزيد من الهجمات في الخليج العربي سيدفع أسعار البترول إلى الصعود صوب 80 دولارا للبرميل.
مضيق هرمز أكبر ممرات نقل البترول في العالم
تعتبر هيئة معلومات الطاقة الأمريكية أن مضيق هرموز هو الممر الأكثر قدرة على خنق الاقتصاد العالمي متفوقا على ممر ملقا الذي يمر بين جزيرة سومطرة الإندونيسية وماليزيا وتايلاندا ليربط المحيط الهندي ببحر الصين الجنوبي.
وفي عام 2016، تم نقل 18.5 مليون برميل يوميا من البترول الخام عبر مضيق هرموز مقارنة بـ16 مليون برميل عبر مضيق ملقا و 5 ملايين برميل عبر قناة السويس.
واعتبر كيلين بيرتش الخبير الاقتصادي العالمي لدى وحدة المعلومات الاقتصادية أن القفزات السعرية يوم الخميس الماضي كانت محدودة؛ لأن أسواق البترول قد وضعت بالفعل ضمن حساباتها المخاطر الجيوسياسية ونقص الإمدادات التي تتسبب فيها إيران.
ما تأثير قفزات البترول السعرية طويلة الأجل؟
تراجعت أسعار البترول خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب توقعات تراجع الطلب العام الجاري والتالي. وفي أكتوبر الماضي، اتجهت أسعار البترول خام برنت صوب 90 دولارا للبرميل قبل أن تهبط في ديسمبر الى 50 دولار. وقفزت الأسعار منذ أبريل لتصل إلى 72 دولارا للبرميل، ثم هبطت مجددا الى مستوى 60 دولارا، ويظل المحللون يتوقعون ترواح الأسعار بين 60 و70 دولارا للبرميل خلال الفترة المتبقية من العام الجاري، لكن وقوع هجمات أخرى يجبرهم على تعديل التوقعات برفع الأسعار لأعلى من ذلك.
يرى مراقبون أن الزيادات التي حدثت حتى الآن في أسعار البترول تعد محدودة، لكنها ستكون عرضة لارتفاعات أكبر كثيرا حال تعرض ناقلات بترول جديدة لهجمات أخرى في المستقبل، حسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز.
السعودية والعراق تتأهبان لتعويض النقص في إمدادات الطاقة
قال مسئول حكومي عراقي إن بغداد مستعدة لزيادة صادراتها البترولية بنحو 25,000 برميل يوميا لتعويض النقص في الإمدادات فور انتهاء الاستثناءات الممنوحة لبعض الدول باستيراد البترول الإيراني.
وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن الرياض ملتزمة بتحقيق الاستقرار المطلوب في سوق البترول.
وتابع قائلا: “تطبق المملكة سياسة طويلة الأجل تستهدف تحقيق الاستقرار في الأسواق في جميع الأحوال.. سوق تنسق المملكة مع البلدان الأخرى المنتجة للبترول لضمان وصول الإمدادات للمستهلكين”.
وقال البيت الأبيض إن السعودية ودولة الإمارات ستعملان سويا لتعويض النقص في البترول؛ لضمان عدم تأثر الأسواق العالمية.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن السعودية والأعضاء الآخرين في منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك) سيبذلون أكثر مما هو مطلوب لتعويض النقص في الإمدادات.