محسن عادل :«الفائدة السالبة» تأثيرها كبير على الاقتصاد العالمى.. ولهذا عادت للمشهد مجددًا

أعطت ميزة سعرية تنافسية للمصدرين فى الأسواق الأجنبية.

محسن عادل :«الفائدة السالبة» تأثيرها كبير على الاقتصاد العالمى.. ولهذا عادت للمشهد مجددًا
أحمد علي

أحمد علي

7:29 ص, الأربعاء, 3 يونيو 20

قال محسن عادل، نائب الرئيس التنفيذى لمجموعه بيت الخبرة للتنمية الاقتصادية، إن ظاهرة الفائدة السالبة باتت ذات تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، تلك الظاهرة التى عُرفت للمرة الأولى فى 1890، من «سيلفيو جيزيل»، وهو رجل أعمال ألماني، كان مشرّعًا مهتمًا بالتمويل فى جمهورية بافاريا، واعُتبرت أفكاره بعد ذلك حلًا ممكنًا للكساد العظيم، وحاز على ثناء ومدح الاقتصادى «جون ماينارد كينز».

يضيف عادل أن الكثير من الخبراء يعتقدون أن معدلات الفائدة السالبة تعد أداة لفرض رسوم على الناس نظير إبقاء أموالهم فى أمان، وهذا ليس بأمر جديد، وبات السبب الرئيسى لعودة ظاهرة الفائدة السالبة للمشهد مجددًان أن تكلفة هذا الأمان لم تعد مخفية بعوامل أخرى كانت تستخدم كحجة لرفع الفائدة، وأبرزها النمو القوى فى الإنتاجية والسكان والأسعار .

أوضح أنه من المعروف أن زيادة الاقتراض وسحب جزء من الودائع من البنوك تؤدى إلى استثمارها فى الاقتصاد ومن ثم دوران عجلة الإنتاج وزيادة الاستثمارات والنشاط الاقتصادي، فيرتفع النمو الاقتصادى كنتيجة نهائية ما يؤدى بدوره إلى توفير وظائف وخفض معدلات البطالة، لافتًا إلى أن جميع الدول المُطبقة للفائدة الصفرية دول أوروبية تعانى ركودا فى النمو الاقتصادي، ومعدلات تضخم منخفضة أو سالبة، وبالتالى لجأت بنوكها المركزية إلى الفائدة الصفرية لدعم الإقراض لدفع معدلات النمو، وزيادة التضخم لمعدلات مفيدة اقتصاديا .

أشار إلى أنه فى حالات الانكماش الاقتصادى وانخفاض التضخم، يقوم الأفراد والشركات بتكديس الأموال فى البنوك عوضا عن الإنفاق والاستثمار، الأمر الذى يدفع البنوك المركزية إلى خفض الفائدة على ودائع البنوك إلى ما دون الصفر، لدفع البنوك لإقراض هذه الأموال للأفراد والشركات ما يترتب عليه دفع عجلة الإنفاق فترتفع الأسعار (التضخم) لمستويات مفيدة اقتصاديا، ليزداد الاستثمار فينتعش الاقتصاد بشكل عام.

لفت إلى أن أسعار الفائدة السالبة تساهم فى خفض سعر العملة ما يعطى ميزة سعرية تنافسية للمصدرين فى الأسواق الأجنبية.

أكد أن سياسات المصارف المركزية التوسعية، لا سيما المركزى الأوروبي، لإبعاد شبح الركود الاقتصادي، تركزت على مبدأ ضخ كميّات ضخمة من السيولة النقدية فى الأسواق المالية، ما كان له الدور الأبرز فى تراجع أسعار فائدة أذون الخزانة.

تابع أن الديون سالبة العائد حول العالم ارتفعت إلى مستوى قياسى مع تدافع المستثمرين نحو الأصول الآمنة، بعد انقلاب منحنى العائد لسندات الحكومة الأمريكية مما أثار مخاوف بشأن الركود وبلغت القيمة السوقية لمؤشر «بلومبيرج باركليز للديون العالمية سالبة العائد» نحو 16 تريليون دولار، مشيرًا إلى أن معدلات الفائدة السالبة منتشرة فى اليابان ومنطقة اليورو، فى ظل التوقعات أن يواصل البنك الفيدرالى الأمريكى خفض الفائدة هذا العام، الأمر الذى عزز من حجم السندات سالبة العائد إلى ما حجمه %27 من سوق السندات العالمي.

أكد أنه وفقًا لتقارير حديثة، فإن المدخرين باتوا أكثر قابلية للموافقة على الفائدة السالبة –بمعنى استرداد أموالهم بقيمة أقل عند تاريخ الاستحقاق-.

لفت إلى أن هناك نظرية أخرى تنادى بالتحلى بالمزيد من الصبر، فى ظل اتجاه الأفراد للادخار كإجراء احترازي، كونهم خائفين من الأزمة المالية، كما يقول الاقتصادى فى جامعة أكسفورد «أندريا فيريرو».

ألمح إلى أن تجربة السويد -أول اقتصاد رئيسى يجرب معدلات فائدة دون الصفر- مفيدة، ولم تؤدى إلى أزمات فى القطاع المصرفى كما حذر البعض، فيما أنه ليس من الواضح إذا كانت ناجحة كون أنها كانت تجربة قصيرة الأجل، لكن بعدما تغلبت البلاد على الانكماش مرة أخرى بعد أزمة منطقة اليورو، دفع البنك معدل الاقتراض الرئيسى إلى ما دون الصفر مجددًا فى فبراير 2015، ليظل ضمن هذا النطاق منذ ذلك الحين.

تابع: «وفقًا للإحصاءات الحديثة، فإن حصة السندات التى توفر عائد %5 تراجعت من إجمالى السوق العالمية للسندات إلى %3 فقط، وهى أدنى حصة على الإطلاق فى الواقع، أصبحت الديون ذات العائد المرتفع من الأنواع المهددة بالانقراض حقًا، وتبلغ حصة السندات التى يتجاوز عائدها %10 نحو %0.4 من حجم سوق الدخل الثابت العالمى».

لفت إلى أن الخيار الأخير الوحيد أمام المستثمر المغامرة فى المناطق الأكثر خطورة فى سوق السندات، مثل الدول الهشة، والشركات المثقلة بالديون، والأدوات المالية الغريبة، مشيرًا إلى أنه مؤخرًا باعت بنين وأوزبكستان سندات دولية للمرة الأولى.

على صعيد السوق المحلية، أكد أن هناك اقتراحات عدة لتنويع محفظة الدين العام والاستفادة من الوضع العالمى وظاهرة الفائدة السالبة، مثل استبدال الديون بسندات شبيهة بالأسهم، وتصدر الحكومة سندات مرتبطة بالناتج المحلى الإجمالي، مشيرًا إلى أنه عندما يرتبط سداد الدين بالناتج المحلى الإجمالى الحقيقي، فإن الحكومات ستكون بمنأى عن ارتفاع نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالى الذى يحدث أثناء فترات الركود.

أضاف أنه يمكن إصدار سندات «لا تعوض» التى تزيل مخاطر أزمة إعادة التمويل، مشيرًا فى الوقت ذاته إلى أنه يمكن تطبيقها فقط للسندات التى أصدِرت حديثاً بعكس الالتزامات القديمة وبالتالى فإنها يمكن أن تجدى نفعا على المدى الطويل.

أكد أن ذلك يستدعى اتخاذ حزمة من الإجراءات المتكاملة لتعزيز قدرة السوق الثانوية لسندات الخزانة، منها توسيع قاعدة المستثمرين، واستحداث آليات مثل بيع وإعادة شراء السندات، وتوحيد تسوية الأذون والسندات لتفعيل آليات تسليف الأوراق المالية الحكومية، والمحافظة على الإصدارات المنتظمة وخلق نقاط مرجعية فى كل من سوق الإصدار والتداول، وتوحيد نظام التسوية للأوراق المالية الحكومية لتعزيز سيولة السندات.

شدد على أن سيولة السوق الثانوية تساهم فى تقليل تكلفة تلك الأوراق من خلال خفض عائد الإصدار، وإعادة النظر فى نظام طرح العطاءات (Uniform vs. Competitive auctions) و نظام التداول بالسوق الثانوية.