محاولة فهم/ وقراءة عالم الإرهاب المستحدث

شريف عطية

2:54 م, الأحد, 11 يناير 15

شريف عطية

شريف عطية

2:54 م, الأحد, 11 يناير 15

شريف عطية

لم يكن حادث باريس الإرهابى 7 يناير الحالى، هو الأول فى سلسلة الأعمال الإرهابية، ولن يكون الأخير على سطح الحياة السياسية الإقليمية والدولية، ذلك منذ انطلق ما يسمى «إرهاب الدولة»، بأقله مع الحرب الإسرائيلية 1967 لاحتلال أراض من ثلاث دول عربية، إلى احتجاز الجمهورية الإسلامية الإيرانية رهائن أمريكيين 444 يوماً فى سفارتهم بطهران 1979، مروراً بغزو الجيش السوفيتى لأفغانستان مطلع الثمانينيات، ذلك من دون استثناء التدخل العسكرى الأمريكى بشكل أو آخر فى كل من «جرينادا» و«بنما» و«ليبيا».. إلى قيادتها تحالفاً دولياً لتحرير الكويت من الغزو العراقى غير المسبوق لدولة عربية 1990، ناهيك عن الغزو الأمريكى لكل من أفغانستان والعراق على التوالى مطلع القرن الحالى، وليعطى «إرهاب الدولة» الذى تمارسه دول دولية وإقليمية رئيسية طوال نصف قرن – المبرر (غير الأخلاقى) لما يسمى اليوم الإرهاب الفردى أو عبر تنظيمات مسلحة خارج القانون المحلى والدولى.. لممارسة عشرات العمليات الإرهابية فى الشرق الأوسط وأفريقيا، ربما ابتداء من اغتيال الرئيس المصرى 1981.. وليس انتهاء بحادث باريس قبل أيام، وليطال رذات ما بينهما العواصم الغربية ومدنها الكبرى، إذ يدق الإرهاب أبواب نيويورك وواشنطن 2001، إلى مدريد 2004، ولندن 2006، على سبيل المثال لا الحصر.

فى سياق ما سبق، فإن العمل الإرهابى الأخير فى باريس ضد فريق عمل جريدة «تشارلى إيبدو» التهكمية.. لم يأت من فراغ، إنما ضمن سلسلة طويلة من امتزاج «إرهاب الدولة»، مع «الإرهاب الفردى»، لم يراعيا التزام الثأرات المتبادلة، السياسية والعقائدية، بأن يكون العقاب من جنس العمل.. ومستواه، للحفاظ – بالأقل – على الضحايا من الأبرياء الكثر، إلا أن «المتعصبين» من الجانبين، الغربى والجهادى، كانوا يعيدون الأمور – وما زالوا – إلى ثأرات استعمارية (ودينية) مرت حقبتها وانقضت علينا وعلى غيرنا فى هذه المعمورة، والحال أن ثمة خلافاً عميقاً يغذيه هؤلاء العنصريون على الجانبين باستمرار، ما بين «الإسلاموفوبيا» فى بلدان الغرب.. وحالة الإحباط واليأس فى المجتمعات الإسلامية، لا يستثنيان أخذ التاريخ القديم والمعاصر فى الاعتبار.

إلى ذلك، وعلى سبيل المثال، تتحدث صحيفة «بلتيمور صن» الأمريكية أغسطس 1987.. عن «حلف مقدس» بين المسيحية الغربية والصهيونية الدولية لكبح جماح خطر الإسلام.. على غرار ما سبق منه فى سياسات القرن 16 عند جسر «ملثيوس» جنوب فرنسا.. إلخ، كما لا تتحرج الـ«بارى ماتش» – بالتزامن – عن تحريض الغرب على استخدام ما سمته «الصدقة الثقافية» لتطويع العالم الإسلامى، فيما تتسبب مجلة «نيوزويك» الأمريكية – منذ سنوات – فى إشعال احتجاجات عنيفة وأعمال عنف فى أنحاء المجتمعات الإسلامية.. حين سربت ما يفيد تدنيس جنود أمريكيين نسخة من «القرآن» ألقوها فى المرحاض، وعلى ذات المنوال تميط الـ«واشنطن بوست» اللثام منتصف العقد الأخير.. عن وجود منشآت اعتقال سرية (للإرهابيين المشبوهين) فى أنحاء مختلفة من العالم.. تابعة لـ«CIA»، ما أجج انتقادات لاهبة ضد الغرب ونظم الحكم المحلية على السواء، ناهيك عن القرار بنقل المعركة الغربية مع الإرهاب إلى «أرض العدو» وراء البحار، بمعنى تقديم إنسان آخر غيرهم لوحوش مفترسة، ما أدى إلى حرمان «الجهاديين» من ملاذهم الآمن فى أفغانستان.. لينطلقوا من ثم إلى نقط وثوب أخرى فى الصومال وجزيرة العرب ومنطقة المغرب الإسلامى.. وإلى سوريا والعراق.. إلخ، يدمرون ثمار الربيع العربى المأمول، ذلك وسط صمت مريب من الحكومات الغربية عن تجنيد مواطنين أوروبيين (مسلمين).. ضمن صفوف الدولة الإسلامية – داعش – وما شابهها، حتى أصبح لدينا مئات «المجاهدين» من دول أوروبا الغربية وتركيا.. والبلقان.. إلخ، قبل عودتهم مجدداً إلى مواطنهم الأصلية السابقة، ذلك فى الوقت الذى يستغل «اليمين الإسرائيلي» هذه الموجة الإرهابية.. لتأكيد سيطرته على أراضٍ عربية جرى احتلالها فى 1967، فى تمازج لا فكاك له بين «إرهاب الدولة» و«الإرهاب الفردى».

فى ضوء ما سبق، هل يعيد الغرب حساباته، ويقف إلى جانب الحكومات الإقليمية الوطنية فى مكافحتها «الإرهاب» الذى ينفذ – عن جهل أو عمد – مخططات مشبوهة لتفتيت النظام العربى فى المقام الأول، أم سوف يستمر فى إعطاء الظهر لاستثمار أبنائه وأبنائنا فى تجارة السلاح.. والحروب.

شريف عطية

شريف عطية

2:54 م, الأحد, 11 يناير 15