أعلن مجلس الذهب العالمى WGC أن أسعار الذهب قفزت بأكثر من %6 خلال الربع الأول من العام الحالى لتسجل أكبر زيادة فصلية منذ بداية انتشار وباء كورونا مع استمرار الحرب الأوكرانية الروسية التى أدت إلى الإقبال على الملاذ الآمن فى الوقت الذى لم تظهر فيه أى علامات على تراجع الأزمة الأوكرانية، رغم أن خطة مجلس الاحتياطى الفدرالى الأمريكى لتطبيق إجراءات جريئة لمكافحة التضخم أدت إلى الحد من مكاسب الذهب.
وذكرت وكالة رويترز أن أسعار الذهب التى تراجعت %3 خلال العام الماضى لتنزل إلى ما يقرب من 1829 دولارا للأوقية كسبت ما يقرب من 100 دولار خلال الربع الماضى لتتجاوز 1928 دولارا للأوقية، حيث يعد الذهب مخزنا آمنا للقيمة فى أوقات الأزمات السياسية والمالية وتحوطا ضد زيادة التضخم.
وسجلت أسعار الذهب مكاسب واضحة مع عدم إحراز تقدم ملموس فى محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا لتواصل أسعار المعدن النفيس ارتفاعها خلال الأسابيع الماضية منذ غزو روسيا لجارتها أوكرانيا منذ نهاية فبراير الماضى واستمرار العملية العسكرية حتى الآن ولا أحد يعلم متى تنتهى.
مستوى قياسى
وصعدت أسعار الذهب إلى 2069.89 دولار للأوقية فى الأسبوع الثانى من شهر مارس الماضى لتقترب من مستوى 2072.49 دولار القياسى المسجل فى أغسطس من عام الوباء لدرجة أن محللين يرون أن الذهب الذى يعد ملاذا آمنا للقيمة خلال الأزمات العالمية قد يرتفع أكثر وأكثر إذا تفاقمت الأوضاع فى أوكرانيا وسط المخاوف المتزايدة من المخاطر التضخمية.
وتوقع بنك جولدمان ساكس الأمريكى ارتفاع أسعار الذهب إلى حوالى 2500 دولار للأوقية هذا العام مع استمرار الحرب الروسية فى أوكرانيا ووسط الانكماش الاقتصادى الذى ينتشر فى معظم دول العالم، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والمنتجات الاستهلاكية نتيجة توقف الحركة التجارية من روسيا وأوكرانيا بسبب العقوبات الغربية على موسكو.
انتعاش “المتداولة”
ويتوقع أيضا المحللون فى مجلس WGC تدفق المستثمرين على صناديق الاستثمار فى الذهب والتى تعرف باسم الصناديق المتداولة فى البورصات والتى توجد معظمها فى أوروبا وأمريكا الشمالية لتقترب من 4 آلاف طن بسبب أزمة أوكرانيا بعد أن ارتفعت حيازتها العام الماضى إلى 3570 طنا من الذهب بقيمة 210 مليارات دولار وسط انتشار وباء كوفيد 19 الذى أوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية وعطل سلاسل توريدات بعض المكونات الصناعية الحيوية منذ أكثر من عامين ولشهور طويلة قادمة.
وأشارت رابطة سوق لندن للسبائك LBMA أن هذه الصناديق التى تتعامل فى سبائك الذهب فقط تجتذب المستثمرين لأنها تعتمد على شراء أسهم بدلا من سبائك الذهب، وبذلك تيسر عمليات البيع والشراء وتعفيهم من متاعب نقل هذه السبائك والبحث عن خزائن وسراديب لحفظها فيها.
وسجلت أسعار الذهب ارتفاعا قياسيا بالتزامن مع أزمة الحرب فى أوكرانيا المستمرة منذ ما يقرب من 6 أسابيع وسط توقعات بزيادة الطلب على المعدن الأصفر باعتباره ملاذا آمنا للاستثمارات فى ضوء الأزمة المتفاقمة على المستوى الدولى وكاحتياطات آمنة بعيدا عن تهاوى العملات وتضارب السوق والاضطرابات فى البورصات العالمية التى تنتج عادة عن الأزمات والحروب.
وكانت أسعار الذهب شهدت اضطرابات وارتفاعاً ملحوظاً بالتزامن مع جائحة كورونا خلال العامين الماضيين لتدفق المتعاملين فى أنحاء العالم على الاستثمار فى المعدن الأصفر كوسيلة آمنة للادخار بعيدا عن اضطرابات السوق المستمرة تأثرا بالأزمة، وهو ما يحدث مرة أخرى فى الوقت الراهن مع أزمة الحرب الأوكرانية.
روسيا تلجأ للذهب
وتحاول حكومة موسكو استخدام الذهب كأحد الملاذات الأخيرة لتحصين اقتصاد روسيا ضد العقوبات الغربية التى تم فرضها لحصارها اقتصاديا بعد العملية العسكرية فى أوكرانيا مع اتجاه أعضاء فى الكونجرس الأمريكى من الحزبين الديمقراطى والجمهورى، لوضع مشروع قانون يمنع روسيا من استخدام احتياطات بنكها المركزى من الذهب الذى يبلغ نحو 140 مليار دولار.
وتكمن أهمية الذهب لروسيا فى صعوبة استهداف تعاملاته الدولية أو السيطرة عليها عكس النظام المصرفى العالمى، الذى تسيطر عليه أمريكا ودول أوروبية ولذلك تلجأ روسيا إلى تحويل احتياطيها من الذهب إلى الخارج لإنقاذ اقتصادها، بعد تجميد العقوبات الغربية، نحو 300 مليار دولار من إجمالى 640 مليار دولار من احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية، كما انخفض الروبل الروسى أمام الدولار بأكثر من %20 هذا العام وباتت موسكو معزولة اقتصاديًا عن العالم.
وأعلنت وزارة المالية الروسية، مؤخرا إن روسيا أنتجت 346.42 طن من الذهب فى 2021، بزيادة عن 2020 حيث وصل إلى 340.17 طن ومع نهاية يونيو الماضى، وامتلك البنك المركزى الروسى ما قيمته 127 مليار دولار من الذهب أو 21.7٪ من إجمالى الأصول، كما يتم تخزينه فى خزائن داخل أراضى الاتحاد الروسى.
بوتين يلغى ضريبة السبائك
ووقّع الرئيس الروسى فلاديمير بوتن قانونا جديدا يتضمن إلغاء ضريبة القيمة المضافة على سبائك الذهب عند شرائها من قبل الروس لمواجهة العقوبات الغربية وكانت ضريبة القيمة المضافة تبلغ %20 قبل الإلغاء، ودخل القانون حيز التنفيذ منذ بداية مارس الماضى وتحتل روسيا المرتبة الثانية بإنتاج 346.4 طنا من الذهب العام الماضى بعد الصين التى تتصدر دول العالم الأكثر إنتاجا للذهب بواقع 368 طنا سنويا بحسب بيانات مجلس الذهب العالمى.
ويعد الذهب عملة دولية يمكن بيعها فى أى مكان بالعالم، ويمثل أهمية كبيرة للدول فى أوقات الحرب والنزاعات، وقد يكون ملاذا آمنا لموسكو فى ظل العقوبات الغربية المدمرة بعد أن كدست روسيا كميات هائلة من الذهب فى الأعوام الماضية، لمساعدتها فى تقليل الآثار الاقتصادية لأى عقوبات قد يفرضها عليها الغرب، بسبب الأزمة الأوكرانية.
تكدس المعدن الأصفر
واستطاعت حكومة موسكو رفع احتياطى الذهب بالبنك المركزى بمعدل يزيد على 4 أضعاف منذ عام 2010 وحتى الآن ليمتلك ما يعرف بصندوق لتمويل الحرب من خلال مزيج من الواردات والاحتياطات المحلية الضخمة من الذهب بعد أن قضت روسيا سنوات كثيرة وهى تكدّس مخزونا ضخما من الذهب الذى يعد أحد الأصول التى يمكن للبنوك المركزية أن تلجأ إليها خلال الأزمات.
ويمكن بيع الذهب الروسى لدعم قوة عملة الروبل الروسى، لكن بحسب خبراء فأى محاولة لبيع هذه الاحتياطيات ستواجه صعوبات، بسبب العقوبات الغربية ولكن المتخصصين فى المعادن النفيسة يرون أن روسيا قد تحتاج إلى الاتجاه شرقا، نحو البنوك المركزية فى دول مثل الهند والصين، لبيع الذهب أو للحصول على قروض بضمانه ويمكن لهذه البنوك شراء الذهب بسعر أقل من الموجود فى السوق، وقد تتمكن روسيا أيضا من البيع عبر بورصة الذهب فى شانغهاى، التى تشترك فيها البنوك التجارية كأعضاء.
حظر نقل الذهب
وتحركت الولايات المتحدة وحلفاؤها مؤخرا للحد من عمليات نقل الذهب خارج روسيا حيث قالت وزارة الخزانة فى أمريكا إن أى معاملات تتعلق بالذهب التابعة للبنك المركزى الروسى ستخضع لعقوبات فورية بعد أن ظهرت تقارير دولية تشير إلى أنه من المحتمل أن تضطر روسيا إلى نقل الذهب خارج البلاد للاستفادة من المعدن الأصفر.
وكان العديد من الدول مثل فنزويلا وإيران حاولت، وبمساعدة من روسيا، استخدام احتياطاتها من الذهب للحد من تداعيات عقوبات الولايات المتحدة عليها ولذلك قد تلجأ روسيا لطلب المساعدة من تلك الدول ومنها فنزويلا التى بدأت العقوبات الأمريكية عليها عام 2017، حيث قامت روسيا فى 2020 بمساعدتها على نقل احتياطاتها من الذهب خارج البلاد لتحويلها إلى عملات صعبة مثل الدولار واليورو ولكن تستغرق هذه العمليات عادة سنوات طويلة فى القضاء، حيث لا تزال المحاكم الأمريكية تنظر عملية تهريب إيران لاحتياطاتها من السبائك حدثت فى عام 2010.