تتنوع طبائع القادة «الجدد» لدول العالم الثالث من بعد الحربين العالميتين إبان العقد المنصرم، من حيث مواجهة القوى الإمبريالية، ما بين الوطنية الراشدة أو التطرف القاصر دفاعاً عن مصالح البلاد الحيوية من ناحية، وبين التماهى المخّل أو العمالة الصريحة مقابل التغاضى الإمبريالى عن الديكتاتوريات المحلية من ناحية ثانية، وبين سلوكيات قيادية قصيرة النظر.. تلبى دون أن تدرى عواقب أهداف إمبريالية لغير الصالح الوطنى، ذلك فيما تعددت الروايات التاريخية المتحققة لمثل هذه العلاقات الاستثنائية بين طرفين ليسا متكافئين، عبرت عنها استحداثات إمبريالية ملتبسة تتراوح بين الانقلاب العسكرى أو السياسى، أو من خلال الاغتيالات السياسية أو التآمرات المخابراتية، لتطويع كل من الحليف أو الخصم أو البديل، تمثلت آخر صرعاتها بعد نحو قرن ونيف من الزمان فيما كان من جانب الولايات المتحدة الأميركية فى أعقاب انفجارات نيويورك – واشنطن سبتمبر 2001 على يد تنظيمات إسلامية متطرفة (القاعدة)، وحيث تهيأ للأميركيين آنئذ إمكانية تحجيم مخاطر عداوات التطرف الإسلامى من خلال الاستعانة بالتنظيمات المعتدلة منها (داوها بما كانت هى الداء)، وإذ لم يمر عام على أحداث سبتمبر الأميركية إلا ويقفز حزب العدالة والتنمية (الفرع التركى لجماعة الإخوان المسلمين).. على السلطة فى النظام الأتاتوركى «العلمانى» وفق توافقات غربية 1924، لتكون العصا المستحدثة – راهناً – لمكافحة الإرهاب الإسلامى المتشدد، إسلامية معتدلة، ورغم الوجاهة المبدئية للفكرة، فأن وقوع الاختيار على تركيا- وجناحها الإخوانى- لم يكن الأمثل للقيام بهذا الدور، لأسباب عديدة، لكونها دولة طفيلية لم تنشأ إلا فى نهاية القرون الوسطى على هامش الحضارة العربية إلى أن أسقطتها.. لتتموضع محلها – كدولة خلافة إسلامية – لا تملك أدواتها التراثية الأيديولوجية واللغوية، إلا من استخدام القرصنة البربرية للتمكن من الهيمنة لنحو خمسة قرون على «المسألة الشرقية» قبل هزيمتها الإمبراطورية فى الحرب العالمية الأولى، لتتحول من ثم إلى «جمهورية» لا تملك غير تميز جغرافيتها السياسية- كعازل- بين الغرب والشرق» فيما هى بهويتها الحضارية المشوهة.. أشبه ما تكون بقاطع طريق بينهما، بمكنه فحسب عقد اتفاقات مرور مع هذا الطرف أو ذاك، لكن دون أن تكون جزءاً من حضارتيهما، ناهيك عن أن تكون على رأس الحضارة الإسلامية، إلا من الاضطلاع فى عهدى أتاتورك – أردوغان بدور المرابى المتلون فى العداء لهذا الجانب أو التصالح مع غريمه، والعكس صحيح، فيما تتركز جهودها كتابع ذليل للانكشارية الدولية فى محاولة افتراس العالم العربى (مع إسرائيل وإيران)، لا يصدها عنه سوى مصر التى كانت دائماً- وعبر العصور- فى مواجهة التتار والصليبيين والعثمانية القديمة، كما الجديدة، الحالمة باستعادة هيمنتها على «المسألة الشرقية»، خاصة من بعد رفض النادى الأوروبى تلبية طرقاتها على أبوابه لنيل عضويته الغربية. إلى ذلك، وفى سبيل تطبيق تركيا الدور الانكشارى الإسلامى المطلوب منها منذ العام 2002، الأمر الذى أيقظ لديها إيحاءات بعث «العثمانية الجديدة»، فقد استندت من أجل التسلل للإطباق على «المسألة الشرقية» مجدداً، ما عرف بسياسة «صفر من المشاكل».. التى سرعان ما أسفرت، بسبب الشبق الإمبريالى الإقليمى والدولي- عن وجهها القبيح المضاد، بمجرد إطلاق صافرة البداية لموجات «الربيع العربى» 2011 التى لم تستثن دولة من بلدانه الحالية أو المحتملة من أن تدس تركيا أنفها الطويل، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، فى شئونه الداخلية بالتحالف مع جماعة الإخوان والتنظيمات (الميليشياوية) المنشقة عنها.. على مدى السنوات العشر التالية إلى اليوم، لم تحل دون إثبات حقيقة قصر ذراعها عن بلوغ طموحاتها غير الواقعية، ما يؤدى إلى تواصل استنزاف قدراتها الاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن نشوء تلال من المشاكل بينها ودول جوارها فى الشرق والغرب بسيان، ما يشجع قوى المعارضة فى الداخل التركى على دعوة أطياف المجتمع للاصطفاف ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم.. وللعمل على هزيمته المتوقعة فى الانتخابات المقررة 2022، ما لم يلجأ إلى المخرج المعتاد فى إجراء انتخابات مبكرة، لربما من غير المستبعد استباقها بتحرك الجيش.. لإيقاف موجات الخسائر بين صفوفه، سواء فى العراق وسوريا وليبيا.. إلخ، خاصة مع ثبوت عجز النظام التركى القائم عن الوفاء بوعوده (الانتهازية) لتسويق عمالته من خلال إيهاماته للغرب والشرق بالإيمان بحوار الحضارات والتحالف فيما بينها (تحويل الصرح المتحفى «آية صوفيا» إلى مسجد)، وهو الذي يزخر بجثامين قديسين مصريين، بما فيهم «صوفيا» – من البدرشين – التى سمى المجمع الأرثوذوكسي السابق باسمها، ما يعطى تحوله إلى مسجد.. المبرر لإسرائيل أن تقوم بالمثل بتحويل المسجد الأقصى إلى هيكل سليمان، دون ملامة عندئذ من المجتمع الدولى، إذ ذلك وغيره ما يكشف حقيقة دور تركيا كراع رئيسى للتنظيم السرى للإخوان المسلمين، الذى أصيب فى مقتل قبل سبع سنوات على يد ثورة المصريين عليهم، لولا تأهيل وجود مواز لها فى تركيا (العثمانية) الممتلئة مرارة على مصر «العربية» التى سبق لها طردهم فى الماضي- أكثر من مرة- شر طردة، كما تتصدر اليوم – جهود عربية – للإطاحة بالعثمانية الجديدة المنتشرة مع جيوبها «الإخوانية» من شرق المتوسط إلى شمال شرق أفريقيا، حيث تتمركز القوات التركية بالقرب من هذه المساحة المناطقية الممتدة، لتشعلها متى حانت لها الفرصة.. وتلقت الضوء الأخضر من القوى الإمبريالية الأكثر انكشارية التى تعمل لصالحها- بأقله- منذ العام 2002، ذلك ورغم الهدوء النسبى (المخادع) السابق للعاصفة التى قد يتسلل من خلالها «الذئب الأغبر» – رمز القبيلة الطورانية لافتراس فرائسه العربية- كما الماضى البعيد- حيث تتصدر لا تزال الصور المذلة لشعوب عربية مقيدة بالأغلال، مدخل الباب العالى TOP PIA إلى الآن، إلا أن يلاقى الذئب الأغبر حتفه كما أسلافه الغابرين
End of current post