إذا كان من المعتاد اختباء الفساد فى سراديب المال العام وتلافيفه الروتينية، حيث الفئران السمان تقرض مداميك الهيكل الحكومى دون رقيب إلا لماماً، فمن الغرابة بمكان أن يسفر الفساد عن وجهه القبيح فى أروقة العمل الأهلى.. ومنظمات المجتمع المدنى والنقابى، المفترض اعتمادها للشفافية والمحاسبية فى متابعة أنشطتها.. إلا حال غيابها إزاء تبادل منافع (غير مشروعة) للقائمين عليها، بين كل من العام والخاص، الحكومى والأهلى، بين حيتان المال ومن فى طوعهم من صغار الموظفين، إذ يراكم أصحابها ثروات خيالية.. يتوازى تضخّمها مع بدء عجلة الانفتاح العشوائى منتصف السبعينيات، لا يتصدى لمكافحته غير آحاد الشجعان من أصحاب الرأي، سرعان ما يخبو نجمهم – بعد صعود – لاختيارهم السباحة عكس التيار.
إلى ذلك، يتداول الرأى العام الحديث عن موجات الفساد المالى والإدارى والتنظيمى (للحزب الوطنى الحاكم السابق).. بوصفه الوجه الآخر المقابل للإرهاب الفكرى والدموى والأيديولوجي (لجماعة «الإخوان» فى المعارضة)، وعن توافقهما معاً – أهل الحكم والمعارضة – طوال عقدين سابقين – لتصعيد قيادات حكومية بعينها أو فى العمل على فوز مرشحين عن إحدى النقابات المعروف عنها – لقرن مضى – الدفاع عن الحريات، قبل أن يجرى عليها منذ أزمة مارس 1954.. ما سبق أن جرى على مؤسسات أهلية (أو حكومية) من تضييق، أدت ضمن ما نتج عنها إلى توارى قدرات ومواهب بارزة، لحساب فاقدى الأهلية البديلة.. والعاجزة عن تحدى الفساد فى أكثر من مبارزة، لا يتصدى لها غير المحاسيب.. فى ظل منظومات الصوت الواحد الذى لا يعلو غيره فوق صوت القيادة الأهلية أو الحكومية بسيان، فيما تتوزع على بطاناتهم «ذهب المعز» للتغطية على تسرب المال العام والنقابى إلى غير أوجه إنفاقاته المهنية الحقيقية، إلا بعد ظهور توجه عام للدولة فى السنوات الأخيرة… لمكافحة الفساد ومطاردة أعوانه.. إذ أدت هذه الظاهرة الرئاسية إلى تشجيع المهنيين – حكوميين أو أهليين بسيان – على الإصلاح، ولاختيار خبرات مشهود لها فى عمليات التدقيق المالى والإدارى والتنظيمى، وفى كفاءاتها لصدّ الإنتهاكات النقابية ، كونهم الممثلين لجيل من المبشرين لعهد مختلف ناصع، يجرى تطعيمه بالخريجين الجدد الذين أقسموا اليمين على بدء العمل بالأمانة والشرف، الأمر الذى يمثل ظاهرة أهلية – مهنية، لو كتب لها التوفيق فى مهمتها الرائدة، لباتت المفتاح لمكافحة الفساد العام، ولانسرد ذلك النجاح على بقية جوانب العمل فى المجتمع الحكومى والمدنى، وإلى تشجيع آخرين من مناهضي الفساد لحذو الخطى فى رصد انتهاكات المال العام.. وحقوق المواطنين أثناء حركة البناء والإنشاءات الكبرى التى تشهدها البلاد.. للذود عن مصالح المواطنين والنقابيين المتضررين بأقله – منذ عشية العقد الأخير تحديداً، قبل أن يذهب الحزب «الوطنى» الحاكم وجماعة «الإخوان» المعارضة.. إلى حيث ألقت بهما المقادير – كما سبق أن توقعت لهما هذه الزاوية الصحفية فى 31 مايو 2009 – إلى «مزبلة التاريخ»، بنص الكلمة وقتئذ، إيذانًا بظهور مبادرة نقابية رائدة لمكافحة أوجه الفساد المالى والإدارى والتنظيمى والأيديولوجى، اعتباراً من مطلع 2020، ولكى تكون نبراساً لعهد وطنى جديد يتسم بالنقاء والإصلاح الحكومى والأهلى بسيان.