ما بين الديمقراطيات المقيدة.. والبيروقراطيات السلطوية المتعددة

10:33 ص, الثلاثاء, 8 مايو 18

جريدة المال

المال - خاص

10:33 ص, الثلاثاء, 8 مايو 18

 
لم يعد التنافس بشأن تأكيد النفوذ بين الأطراف الرئيسية داخل النظام الدولى (الأحادى).. مقتصراً فحسب على الصراعات السياسية والاقتصادية والثقافية، بل لقد استأنفت موجات الديمقراطية المتلاحقة منذ بداية الحرب الباردة فى النصف الأول من القرن العشرين.. نشاطاتها نحو تغليب كل من القوى المتنافسة- نموذجها وقيمها، وفى العمل على استقطاب الآخرين من العاجزين عن إشباع احتياجاتهم الوطنية- إلى جانبها، الأمر الذى قد يمثل الأهمية الكبرى عما عداه من صور التنافس الأخرى فيما بينهم، خاصة مع التطورات الطارئة منذ العام 2007 على الوضعية الاقتصادية العالمية.. ما يفاقم العجز المالى فى عدد كبير من الدول، والذى برغم تعافيه مؤخراً فإن هشاشته لا تزال تشارف النظام الاقتصادى العالمى إلى التداعى.. تحت وطأة جبل من الديون المتزايدة، الأمر الذى يترتب عليه انعكاسات مباشرة تؤدى إلى تراجع الديمقراطية فى العالم، ما دفع زعيمة الحزب الاشتراكى الديمقراطى فى ألمانيا للقول بمناسبة المئوية الثانية لـ« كارل ماركس» منذ أيام.. إنه «سيكون من الجيد إعادة قراءة بعض تحاليله ومفاهيمه فى الظروف الراهنة»، الأمر الذى يورى بأن الجدل قائم بشأن تقدم أم تراجع الديمقراطية.. كأحد أهم موضوعات النقاش التى تشغل الفكر العالمى ومراكز البحوث واتخاذ القرار.

إلى ذلك، وفى سياق ما يُعرف بالموجة الديمقراطية الثالثة (1974 – 2005) التى توازت فى أحد جوانبها مع الوعى الإنسانى العالمى الجديد لحقوقه وواجباته، فقد بادر الرئيس الأميركى «كارتر» مطلع 1979.. بانتقاد سياسات بلاده، من زاوية- حسب قوله- «خوفنا الجامح من الشيوعية»، مستطرداً بأن ذلك دفعنا إلى انتهاج نفس أساليبها فى دعم الديكتاتوريات فى العالم»، ما مثل- ربما- بداية غربية لتصدير ما يسمى «قلق الأيديولوجيا» إلى الشعوب السوفيتية.. ومن ثم إلى سقوط منظومتها مع بداية التسعينيات، ما اعتبره المفكرون الأميركيون «نهاية التاريخ»..وانتصاراً للديمقراطية (ال نيوليبرالية) كنموذج وحيد للحياة السياسية فى العالم، ذلك فى إطار ما حدوده من ضمن عوامل حاكمة لاستمرارها تتلخص بالإضافة إلى الديمقراطية فى كل من حقوق الإنسان- آليات السوق- علاقات السلاح- البيئة، إلا أن الديمقراطية مع ذلك أصابها الجمود، لأسباب مختلفة، ما أدى من ثم إلى تراجع العوامل السالفة لمنظومتها المأمولة، ورغم أرقام إحصائية (…) تورى بانتشار واسع لما يعرف بالنظم الديمقراطية فإنها تتراجع فى حقيقة الأمر عما كانت عليه فى مطلع هذا القرن، ولصالح أنماط من البيروقراطية السلطوية أو الديمقراطية الشمولية.. ذلك على النحو الجارى بشكل أو آخر فى الصين وروسيا وإيران وتركيا.. إلخ.

خلاصة القول، إنه من النادر التعرف على نموذج مثالى ونقى تماماً للديمقراطية أو السلطوية فى عصر العولمة وسطوة رأس المال وانتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال، إلا أنه يبقى السؤال التاريخى والحاسم بين أسبقية كل من الديمقراطية السياسية والاجتماعية عن الآخر، كما تبقى مؤشرات تقدم تقارير من معلومات واستخلاصات أهمها أن الديمقراطية لا تتراجع إلى درجة الانهيار.. وإنما تعانى ركوداً وتباطؤاً لأسباب بنيوية معروفة، ناهيك عن النحر الذى تسببه للأنظمة الديمقراطية كل من النمو الملحوظ فى الاتجاهات الشعبوية (حتى فى الغرب) أو الدينية المتطرفة، فضلاً عن إشكاليات الاقتصاد والتعليم ومستويات المعيشة.. إلخ من ناحية، وبين استحالة غلق النوافذ الديمقراطية فى عالم أصبح مثل قرية صغيرة واحدة من ناحية أخرى، ذلك إلى أن تتكشف علاقات مستحدثة فيما بين الديمقراطيات المقيدة.. والبيروقراطيات السلطوية المتعددة.

جريدة المال

المال - خاص

10:33 ص, الثلاثاء, 8 مايو 18