ومن مساوئ الخوض فيما لا نعرف، أن الخطى لم تعد تعرف الطريق الذى تعودته، بالتغيير اليومى للمسارات السياسى منها والاقتصادى، بل حتى الاجتماعى منها الذى يعنى خضوع الحياة اليومية للناس لتغييرات يفاجأون بها بما يصيب كل مواطن بـ «حوسة » يومية لم يكن عاملاً لها أى حساب، بل حتى لم تكن تخطر بباله كل ليلة يرتب خلالها جدول أعمال يومه الجديد، ضمن منطق لتنظيم خطى الحياة بما يحقق المأمول، وهو ما لم يعد متاحًا هذه الأيام !
ومن مصائب أيامنا تلك هو كثرة القيادات السياسية المطروحة فى السوق بغير برامج يلتف حولها الناس، وهو ما يعنى إصابة المجتمع المنشغل أصلاً بلقمة عيش ملوثة فى المتابعة أدت إلى إصابة مجتمع بأكمله بحالة من «الاكتئاب العام » ، خاصة أن كل الإنفاق ليس فى نهاية أى منها ضوء يقود الخطى بما يسمح – مع تزايد الخطى عبورًا لأى من أنفاق الحياة تلك – بتزايد الظلمة مع كل خطوة داخل النفق الذى يقودك فيه الظلام إلى ظلام أشد، بما يسمح بأن نطلق عليه مقولة : إن العميان فيه يقودون «العميان »!
ويبدو أن هذا الاكتئاب العام، وانشغال الناس بلقمة العيال، فيه مصلحة لبعض الذين يعيشون فى مصر عصر «الانتهازية الأعظم » ، وهو عصر إذا ذهب لن يعود، ومن ثم فإن هؤلاء الانتهازيين يعتبرون تلك فرصة للعمر لن تتكرر لذا فإن الانتهازية الآن فى مصر على أشدها، لذا فإن كل واحد فينا عليه – كما يقولون – أن «يخللى باله من لغلوغه » حتى لا يسرق منه فى لحظة غفلة حتى لو كانت عابرة !
ولأننى متفائل الطبع رغم الظلمة، وأعتقد فى صدقية القول القرآني : «أما الزبد فيذهب جفاء وأن ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض » ، فإن أمواج الحياة المصرية بطبعها القديم سوف تعود لتكتسح بـ « تسونامى، التطهير الإلهى كل ذلك «الزبد » الذى يكاد يغرقنا ليعود وجه الحياة المصرية مضيئًا من جديد عندما تبتسم الدنيا لنا كما كانت قبل كل «الزبالة السياسية » التى نخوضها فى أيامنا تلك فى كل شارع وفى كل حارة، ذلك أن كل ما له بداية، لابد أن تكون له نهاية، نحن فى انتظارها على أحر من الجمر !
صحيح أن وجه الحياة فى مصر خلال الأشهر التى مضت على قيام ثورة يناير قد تعرض بالانتهازية إلى ما لم يكن فى الحسبان، خاصة من الإخوان، وفصائل الإسلام السياسى التى رأت فى تسامح المصريين فرصة للسيطرة عليهم بعد خروجهم من سجون مبارك بغير فهم لطبيعة الصبر المصرى الطويل المقتنع بمقولة «إصبر على جار السو، يا يرحل يا تيجى له مصيبة تشيله » ، ناسين تمامًا أن «التطرف » – أيًا ما كان لونه – لا يعيش طويلاً فى المجتمع المصرى «الوسطى » ، بسبب تشاؤم قديم من معاناة طويلة للشعب الطيب مع كل «المتشددين » الذين عبروا حياته، ومن ثم فإنه لم يعد يستطيع أن يتحمل أصلاً أيًا من الأعباء القديمة، لذا فإن الكثير من طباعنا قد تغير، ولعل أولها أن المصريين قد قرروا التصدى – وليس الصبر – لكل تطرف يطرأ على الحياة المصرية ذلك أن المصريين بطباعهم التقليدية عاشقون للحياة !