تبدو مصر راهناً- رغم جهود غير تقليدية ولا مسبوقة- تسعى للخروج من عنق الزجاجة قبل أن يحكم صمامها الانغلاق على مصيرها المبتئس منذ أجيال، وكأنها أشبه بطائر تتنازع أطرافه كل من قوى الضغط الداخلية والخارجية على مدى عهود توالت حكمها لنحو مائة عام إلا خمسة أعوام منذ استقلالها الأول فبراير 1922، لا تزال بقايا نفوذها- رغم محدوديتها- تنعكس تأثيراتها بشكل أو آخر على الحاضر والمستقبل، يفاقمها أمران.. تسانُد مواقف تلك القوى الغابرة- من ناحية- على بعضها البعض رغم تباين منطلقاتهم ومراميهم، ذلك فيما تعانى إدارة الحكم- من ناحية ثانية- ربما منذ منتصف السبعينيات، من ضعف مطرد، وبحيث أصبحت- الإدارة- من ناحية ثالثة أسيرة وجهات نظر ليست فوق مستوى النقد من المتحلقين حولها.. ولتقييمات أجهزة ليست غير سيادية بالمعنى المعروف فى الدول المتقدمة العريقة فى ديمقراطيتها، ذلك فى غياب بديل عنهما «الحاشية والأجهزة» حتى الآن يمكنه إقالة البلاد من عثراتها.. أو إضاءة جوانب الطريق- المعتمة فى معظمها- أمام صانع القرار.. الذى يضطر عندئذ- والحال كذلك- وفى ظل نفوذ قوى الضغط القديمة- الحديثة.. الاتجاه إلى خطب ودهم جميعاً- ولا بأس- لولا أن تصبح السياسة العامة للدولة أشبه بحصان ذى رءوس متعددة أو كالأعمى يقود عمياناً، إذا جاز التعبير.
على صعيد متصل، لا يقتصر الأمر على ما سبق الإشارة إليه، إذ تتشابك مع الأوضاع الداخلية التي تصبغ صورة الحكم.. تحركات خارجية ليست فى مجملها مؤيدة لمصر الحيرى بين المحافظة على استقلالية قرارها من ناحية وبين حبال غليظة تتصل بمحاولات أجنبية لتغليب فريق داخلى دون آخر.. فى إطار اللعب- ربما- على تناقضاتهم.. رغبة فى تطويع مصر وسياستها ضمن الاستراتيجيات الإمبريالية على تنوعها الإقليمى والدولى، ذلك فى الوقت الذى تواجه فيه مصر مخاطر إرهابية ليست بعيدة عن التدخلات من خارجها.. سواء تلك التى تهدد واديها أو على حدودها الشرقية والغربية، ربما أشدها خطورة ما يتصل بمحاولات تفعيل دواعى الفتنة الأهلية بين مسلمى مصر وأقباطها.. يقودها دعاة التطرف المنادون بإحداث فرقة بين أبناء الوطن الواحد، وتغذيها فضائيات وأقلام ومتلقون من الأطراف كافة فى ظل مناخ تنعدم فيه إلى حد ما أسباب الوعى والثقافة، ذلك فيما الدولة لا تتدخل حتى الآن بما يكفى للحفاظ على السلم الاجتماعى.. بين المسلمين الذين يألمون كما الأقباط، وأكثر، من جراء الأحداث الإرهابية المتمسحة بالدين وهو منها براء، وليستدرجهم المتطرفون لمواجهات بينهما حين يقع بعض المنتمين إلى الدينين السماويين فى حبائل الهجوم على الإسلام ومؤسساته، ليلقوا بذلك دون أن يدروا بالزيت فوق النار المشتعلة بالفعل، الكل فيها خاسر، ذلك فيما ليس للحق وجه غير وجه تراه من كل زاوية، أما الباطل فله ألف وجه لا يرى الهواة غيره وهم يدورون من حوله، إذ يحسبون أنهم يصنعون حسناً.. ولكن أفعالهم تأتى بنتائج معاكسة.
إلى ذلك، يبدو خيط الأمل التى تجمعت أطرافه – أو كادت – فى ثورتى يناير- يونيو.. وكأن مفرداته تتفرق شيعاً وأحزاباً.. كل فى اتجاه لا يعتصم بالآخرين، فماذا هم فاعلون بمصر؟