أثار الاتفاق الذى تم إبرامه مؤخرا بين مصر والإمارات المتضمن موافقة الاخيرة على توريد احتياجات السوق المحلية من المنتجات البترولية خلال عام ينتهى سبتمبر المقبل بقيمة تبلغ نحو 8.7 مليار دولار، تساؤلات عديدة من قبل عدد من خبراء البترول والطاقة حول مصير السوق المحلية واحتياجاتها عقب انتهاء دعم الإمارات البترولى العام المقبل.
وكان من المفترض أن تنهى الإمارات دعمها البترولى للسوق المصرية خلال الشهر الماضى، ولكنها وبعد مفاوضات الحكومة معها وافقت على مد أجل توريد الدعم وتوفير احتياجات السوق المحلية البترولية لمدة عام بعضها على شكل منح لا ترد والأخرى سيتم تسديدها بتسهيلات طويلة المدى.
وطالب الخبراء باستغلال مهلة «العام» الممنوحة من الإمارات والتى سيتم خلالها توريد الاحتياجات البترولية المحلية، بحيث يتم تفعيل آليات جديدة وإقرار تشريعات حكومية عاجلة تخفض من فاتورة الاستيراد وتقلل من الاعتماد على الية الاستيراد كحل وحيد لتوفير الاحتياجات المحلية من المنتجات البترولية.
من جانبه توقع الدكتور رمضان أبو العلا الاستشارى البترولى، نائب رئيس جامعة فاروس بالاسكندرية، استمرار اعتماد مصر على المنح والمساعدات العربية عقب انتهاء اتفاقها مع الإمارات طالما أن وزارتى الكهرباء والبترول وقياداتهما تسيران على نفس نهج وسياسات الحكومات السابقة فى تيسير أعمالهما.
وطالب بأن يتم تغيير تلك السياسات واستغلال فترة «العام» التى تمثل الدعم الإماراتى فى تنفيذ آليات جديدة تخفض من اعتمادنا على المنح والمساعدات العربية، وإصدار قرار عاجل بتشكيل مجلس علماء الطاقة يحدد الاحتياجات المستقبلية لاحتياجات مصر من الطاقة ويضم فى عضويته علماء البترول والاقتصاد والقانون ولا يتبع أى وزارة أو رئيس الوزراء ولكن تبعيته تؤول مباشرة الى رئيس الجمهورية.
ولفت الى أن ذلك المجلس يقوم خلال العام بإعادة تصحيح نمط الاستهلاك الخاطئ والذى يتوجه فيه اغلب إنتاج الكهرباء الى قطاعات المنازل والتجارة بنسبة %70 والباقى يورد للصناعات، مما يوجب تعديله للنمط العالمى.
وأوضح أنه لابد من إقرار تشريعات عاجلة لإلزام المصانع والمنازل باستخدام الطاقات المتجددة لتوليد الطاقة مع منح حوافز لمستخدميها من الأفراد أو المصانع، مما سيخفف الضغط على الوقود التقليدى ومنتجاته ومن ثم تخفيض الاعتماد على الاستيراد.
من جانبه طالب الدكتور محمد رضا محرم، أستاذ اقتصادات البترول والتعدين بجامعة الأزهر، بتنفيذ الحكومة مخططاً عاجلاً لاصلاح الخلل الهيكلى الموجود بقطاع البترول والذى يعد المسئول الرئيسى عن حالة الاحتياج المستمر لمساعدات ومنح الدول العربية بشكل لا يلائم إمكانات وثروات مصر.
وقال إن ما تعانى منه مصر حاليا ووصولها إلى هذه الدرجة من حيث الاعتماد المستمر على المنح والمساعدات العربية أمر لا يرجع الى زيادة الاستهلاك أو انخفاض المعروض بقدر ما يعود الى ضعف التحرك الفعلى لتنويع مصادر الطاقة وزيادة محطات التوليد وجذب استثمارات جادة.
وذكر أن مصر تنتج نحو %50 من احتياجاتها من الطاقات وستظل أزمات المنتجات البترولية وأزمات الكهرباء قائمة طالما أن العلل الهيكلية ما زالت موجودة ولا يتم التحرك للقضاء عليها، وتتضمن تلك العلل استمرار عمل القيادات نفسها بالأسلوب السابق نفسه المعتمد على التصريحات والشعارات دون تفعيل لما يتم الإعلان عنه.
وطالب بسرعة خلق قيادات جديدة تعمل على تطوير الانتاج وتفعيل مبادئ ترشيد الاستهلاك وتنويع مصادر الطاقة وإلا سيتحول مأزق «البترول» الى «هم قومى».
وأكد المهندس مدحت يوسف الرئيس الاسبق لشركتى ثروة وميدور، أن إقرار الحكومة زيادة جديدة فى أسعار المنتجات البترولية العام المقبل أمر حتمى لا مفر من تطبيقه .
وقال إنه رغم قرب العلاقات بين مصر والدول العربية والدعم الملحوظ منها للسوق المحلية، لكن تلك الدول لن تبقى على المنح والمساعدات للأبد ولابد من إيجاد مخرج عاجل لحل أزماتنا وتوفير غالبية إحتياجاتنا ددون الحاجة للمساعدات العربية الدائمة والضخمة.
واكد أن المنح والمساعدات العربية ما هى إلا ستار لتخفيف قيمة الدعم البترولى عن كاهل الدولة، فكلما ارتفع الدعم واستمر وزاد العبء ومن ثم تم اللجوء إلى الاستدانة وطلب الدعم والمساعدة، ولذلك فلابد أن يتم حل المشكلة الأساسية من جذورها ورفع الدعم تدريجيا بشكل سنوى بحيث تختفى المشكلة نهائيا.
وقال إن الإمارات تساعد مصر من خلال تقديم منتجات بترولية بتسهيلات وفترات سماح فيما يخص عملية الدفع على مدى طويل، ولكن فى النهاية سيتم التسديد والحكومة ملزمة بذلك إلى جانب عبء الدعم، الأمر الذى سيزيد الأعباء النهائية وسيضع الحكومة فى مأزق لابد من التفكير للخروج منه.
وذكر أن الاستيراد أصبح جزءاً رئيساً من حياتنا خاصة للمنتجات البترولية، ولن يتم الاستغناء عنه نهائيا بأى حال من الأحوال، ولكن يمكن تخفيض فاتورته وتقليل معدلاته من خلال تنفيذ كافة كل التى توفر السيولة وترفع العبء عن الموازنة، وفى الوقت إنشاء معمل تكرير ضخم بالشراكة مع مستثمرين عرب على غرار أحدث المعامل السعودية بقدرة 400 الف برميل يوميا.
وأشار الى أن استيراد بترول للتكرير فى ذلك المعمل أوفر وارخص من استيراد منتجات بترولية على حالتها من الخارج، مؤكدا ان تقديم الحكومة المصرية لذلك العرض والطلب على شركات سعودية أو إماراتية سيلقى قبولاً، خاصة فى ظل الدعم الملحوظ منها للجانب المصرى حاليا.
وقال إن أغلب مشروعات البتروكيماويات والتعدين متوقفة بسبب نقص الغاز وتقوم الحكومة باستيراد نحو 10 ملايين طن مازوت بقيمة تتعدى 6.5 مليار دولار سنويا لقطاع الكهرباء، وفى حال تم جذب استثمارات جادة لزيادة إنتاج ومعروض الغاز فسيحل محل المازوت، الأمر الذى سيوفر ما يزيد على 5 مليارات دولار، ولتنفيذ ذلك لابد من إصلاح خلل منظومة الدعم وجذب استثمارات بمجال التكرير لتطوير وإعادة إنعاش الصناعة البترولية.
وتساءل الدكتور إبراهيم زهران، رئيس شركة خالدة للبترول عن الآليات التى تخطط الحكومة لتنفيذها لتسديد قيمة تلك المنتجات بشكل ميسر، وهل ستتحول مصر الى دولة مستوردة صافية للمنتجات البترولية أم هناك حلول لتخفيف ذلك، وطالما أن مصر ستتحول الى مستورد صاف فلماذا الإبقاء على «البترول» كوزارة مستقلة، ولماذا لا يتم دمجها مع «المالية» على غرار ما حدث بعدة دول؟.
وقال إن الخطوة العاجلة المقبلة الواجب اتخاذها هى تطهير الوزارة من فساد بعض القيادات والمؤسسات، حيث يعد العائق أمام زيادة الانتاج وجذب الشركات الاستثمارية الجادة، مضيفا أن قدوم تلك الشركات مرهون بالتخلص الفعلى والعلنى من الفساد والفاسدين، بحيث تقدم تلك النوعية من الشركات الضخمة العالمية على الاستثمار بقطاع البترول، ومن ثم زيادة الانتاج وتنوع الاستثمارات بما سينعكس فى النهاية على تخفيض الاعتماد على المساعدات والمنح لتلبية الاحتياجات المحلية.
ونفى ما يتردد حول انقضاء العمر الافتراضى للخام أو الغاز، بحيث لا يوجد أمل فى زيادة إنتاجهما من خلال الاستثمار، لافتا الى أن أغلب الشركات العاملة بالقطاع حاليا لا تمثل شركات استثمارية ضخمة عالمية متعددة الجنسيات، ولن تنهض الصناعة البترولية مرة أخرى دون دخول تلك الشركات للقطاع والاستثمار فيه.