تخضع البنوك المركزية فى الدول النامية لطلبات صارمة من مؤسسات التمويل الدولية، الأمر الذى يقيد قدرتها على القيام بأى دور تنموى مأمول، ويفاقم من المشكلات الاقتصادية التى تتعرض لها بلدانها.
وبحسب تقرير نشره موقع “All Africa” المتخصص فى الشأن الأفريقي، تطلب المؤسسات الدولية دائما من حكومات البلدان النامية تجنب الاقتراض من البنوك المركزية لتمويل الإنفاق الحكومي، وقد دفع ذلك بعض الدول لإصدار تشريعات تمنع تمويل البنك المركزى للإنفاق المالي.
ويتعلق الأمر تحديدا بالتمويل النقدى “monetary financing” والذى يتضمن تمويل البنوك المركزية للحكومات بشكل مباشر ضمن ما ينظر إليه على أنه أحد أدوات السياسة النقدية غير التقليدية.
وعادة ما يتم هذا التمويل عن طريق “إصدار النقود” بحيث يزيد المعروض النقدى فى الدولة.
لماذا يرفض صندوق النقد “التمويل النقدى”؟
تصر الأبحاث التى أجراها صندوق النقد الدولى مؤخرًا على أن التمويل النقدى ينطوى على مخاطر كبيرة، أهمها تفاقم معدلات التضخم والديون وضعف الاستثمار والنمو.
وينظر أيضا للتمويل النقدى باعتباره سياسة تهدد استقلالية البنك المركزى وتضعف الفصل الصارم بين السلطات النقدية والسلطات المالية.
ومع ذلك، يفرق صندوق النقد الدولى بين البنوك المركزية التى تتمتع باستقلالية قوية وتلك التى تتسم بضعف الاستقلال، عند النظر إلى التأثير الضار لأدوات التمويل النقدى.
تقييد البنوك المركزية
رغم تحذيراته، يعترف صندوق النقد الدولى بأن التمويل النقدى كأداة استخدمتها البنوك المركزية خلال فترة التعامل مع جائحة كورونا “لم تؤد إلى تضخم جامح”.
كذلك، وفقا لبنك التسويات الدولية، فإن التمويل النقدى مكّن البلدان النامية من التعامل مع التقلبات الدورية التى سببها وباء كوفيد- 19.
ويوضح تقرير “All Africa” أن الإجراءات التى منعت البنوك المركزية من التمويل النقدي، قادت إلى تقييد الدور التنموى المحتمل لتلك البنوك وقدرة الحكومات على التعامل بشكل أفضل مع الأزمات.
ووفقا للتقرير أيضا، فإن بعض الدول تحايلت على إجراءات المنع هذه بشكل سمح لها بالاقتراض من البنوك المركزية لتمويل عمليات الإغاثة والتعافى من الأوبئة.
وأوضح التقرير أن هذه التغييرات الأخيرة أعادت فتح المناقشات حول الحاجة الملحة لتنسيق السياسات المالية والنقدية لمواجهة التقلبات الدورية والتنموية.
دروس من الهند والصين
قال محافظ بنك الاحتياطى الهندى السابق ريدى إن تنسيق السياسات المالية والنقدية قد وفر الأموال لتنمية الصناعة والزراعة والإسكان وما إلى ذلك من خلال المؤسسات المالية التنموية، علاوة على إتاحة الاقتراض من للشركات المملوكة للدولة فى العقود الأولى.
وحث ريدى على معالجة قضايا تنسيق السياسة النقدية والمالية ضمن إطار اقتصادى كلي، مشيرا إلى أن العجز المالى للدول ليس مهما فى حد ذاته بقدر ما يهم كيفية تمويله وأين يستخدم التمويل.
كما لفت إلى أن إدارة الدين العام، فى بلدان مثل الهند، تلعب دورًا حاسمًا فى تطوير الأسواق المالية المحلية، وبالتالى فى إدارة السياسة النقدية.
وقال إن التنفيذ المنسجم للسياسات يضمن ألا تشكل إحدى السياسات عبئًا غير ضرورى على الأخرى لفترة طويلة جدًا.
من جهته، أكد تشو شياو تشوان، محافظ بنك الشعب الصينى السابق، على المسؤوليات المتعددة للبنك المركزى بما فى ذلك تنمية القطاع المالى واستقراره فى الاقتصادات التى تمر بمرحلة انتقالية والبلدان النامية.
وقال المصرفى الصينى إن السياسة النقدية ستتأثر بلا شك بميزان المدفوعات الدولية وتدفقات رأس المال ومن ثم، فإن التحوط الكلى والتنظيم المالى هما وظائف حساسة للبنوك المركزية.
وبحسب التقرير، تشمل أهداف بنك الشعب الصينى التى فرضتها الحكومة منذ فترة طويلة الحفاظ على استقرار الأسعار، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعزيز التوظيف، ومعالجة مشاكل ميزان المدفوعات.
وقد تطلبت الأهداف المتعددة مزيدًا من التنسيق والجهود المشتركة مع الأجهزة الحكومية والهيئات التنظيمية الأخرى، لذلك يعمل بنك الشعب الصينى بشكل وثيق مع الوكالات الحكومية الأخرى.
وخلال الوباء، طور بنك الشعب الصينى أدوات سياسة نقدية هيكلية تستهدف مساعدة القطاعات المتضررة من فيروس كوفيد- 19، وقد ساعدت الأدوات الهيكلية فى الحفاظ على وفرة السيولة بين البنوك ودعم نمو الائتمان.
وأشار التقرير إلى أن بنك الشعب الصينى ينسق السياسة النقدية مع السياسات المالية والصناعية لتحقيق النمو المستقر المرغوب، وبالتالى تعزيز الثقة فى السوق، ونتيجة لذلك، ظل التضخم فى الصين ضعيفًا.
ووفقًا لصحيفة “ذى إيكونومست”، بلغ متوسط تضخم أسعار المستهلكين فى الصين %2.3 فقط خلال العشرين عامًا الماضية، وعلى عكس الاتجاهات العالمية، انخفض تضخم أسعار المستهلكين فى الصين إلى %2.5 فى أغسطس الماضي، وارتفع إلى %2.8 فقط فى سبتمبر، رغم سياسة “صفر كوفيد” وإجراءات الإغلاق.