رجح صندوق النقد الدولي ارتفاع الدين العام العالمي إلى نحو 99.5% من الناتج الإجمالي في العام الجاري مقارنة مع 97.6٪ من إجمالي الناتج في نهاية العام الماضي 2020 ، ولفت في أحدث توقعاته المنشورة في مستجدات تقرير الراصد المالي الصادرة في شهر يناير الماضي، أن معدل الدين العالمي كان قد سجل نحو 83.5% من إجمالي الناتج في عام 2019 ونحو 82.3% في 2018 ، مضيفاً أن الاقتصادات المتقدمة سجلت أكبر زيادة في العجز والديون تليها اقتصادات الأسواق الصاعدة والمتوسطة الدخل والبلدان النامية منخفضة الدخل.
وأضاف صندوق النقد ، أن جائحة كورونا (كوفيد -19) فرضت تحدياً جسيماً علي الماليات العامة ؛ فقد أدي انكماش الناتج وما أعقبه من هبوط في الإيرادات فضلاً عن الإمدادات الحيوية الطارئة إلي رفع العجوزات والديون الحكومية إلي مستويات تجاوزت تلك المسجلة أثناء الأزمة المالية العالمية .
وأشار إلي أن الدعم الذي قدمته المالية العامة علي مستوي العالم لمواجهة كورونا وصل إلي قرابة الـ14 تريليون دولار ونتيجة لذلك ارتفع الدين العام العالمي.
“الفقي” : توقف النشاط الاقتصادي عالمياً في 2020 وارتفاع نفقات الدول رفع الدين العام العالمي من الناتج
وقال الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس النواب، إنه عند المقارنة ما بين عامي 2019 و2020 من حيث مؤشرات الدين العام العالمي ، نجد أن وباء كورونا كان قد ظهر فى الصين أواخر عام 2019 لكن توقف النشاط الاقتصادي علي مستوي العالم جراء الوباء كان قد تم في عام 2020 وما تبعه من انخفاض معدلات الضرائب وارتفاع حجم الإنفاق الحكومي لكل دولة علي قطاعات معينة ومنها الصحة والتعليم واتجاه الحكومات للاستدانة لتغطية العجز في ميزانياتها الأمر الذي أدي في النهاية إلي ارتفاع حجم ديونها.
وأضاف أن حجم الناتج العالمي كان قد تراجع في العام الماضي إلي 86 تريليون مقابل 90 تريليون دولار في العام السابق عليه نتيجة تفشي الجائحة والاتجاه لتنفيذ الإغلاق الكامل في بعض الدول وشبه الكامل في دول أخري ثم القيام بإعادة فتح النشاط الاقتصادي تدريجيا بعد ذلك.
وأوضح أن إعادة فتح النشاط الاقتصادي عالمياً في العام الجاري أصبح كاملاً ما عدا قطاع الطيران “ليس بالدرجة الكاملة” الأمر الذي من المتوقع معه أن يرتفع حجم الناتج العالمي ليبلغ نحو 88 تريليون دولار.
وبالتالي رجح صندوق النقد أنه في ضوء المعدل المتوقع من نمو الناتج العالمي في العام الجاري والذي سيكون “بالموجب” سيرتفع معدل الدين العام العالمي من الناتج ولكن بدرجة أقل من نسبة ارتفاعه ما بين عامي 2019 و 2020 .
ويمثل الناتج العالمي مجموع الناتج المحلي لـ 190 دولة عضوة بصندوق النقد.
كان الصندوق ، قد قال في أحدث توقعاته بشأن الاقتصاد العالمي الصادرة في يناير الماضي ، إنه على الرغم من أن الموافقات الأخيرة في دول العالم على لقاحات وباء كورونا قد أثارت الآمال في حدوث تحول في الوباء في وقت لاحق من هذا العام، لكن الموجات المتجددة والمتغيرات الجديدة للفيروس تثير مخاوف بشأن التوقعات، مرجحاً أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.5 % في العام الجاري 2021 عقب انكماش بنسبة -3.5 % العام الماضي.
ووفقاً لتقرير صندوق النقد ، يأتي تعافي النمو العالمي المتوقع هذا العام في أعقاب انهيار حاد في عام 2020 كان له آثار سلبية حادة على النساء والشباب والفقراء والعاملين بشكل غير رسمي وأولئك الذين يعملون في القطاعات كثيفة الاتصال .
وأوضح “الفقي” ، أنه يجب التفريق بين الأنواع المختلفة من الدين التي تنقسم إلي الدين العام “الحكومي” ودين القطاع العائلي “الأفراد” ودين قطاع الأعمال العام والخاص، مشيراً إلي أن بيانات الصندوق في هذا التقرير تركز فقط علي معدل الدين العام للدول فقط.
وأشار إلى أن حكومات الاقتصادات المتقدمة “التي تسير بنظام اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر” قامت في العام الماضي بالكثير من النفقات في حين أن عائداتها من الضرائب كانت منخفضة ، لافتا إلي أنه علي سبيل المثال وزعت الولايات المتحدة الأمريكية أموالاً علي مواطنيها بهدف التيسير عليهم بواقع 2000 دولار لكل فرد بالغ علي دفعات، كما نفذت دول أخري كفرنسا واليابان إجراءات شبيهة ؛ الأمر الذي رفع العجز لدي تلك الاقتصادات .
وأشارت بيانات الصندوق في تقرير مستجدات الراصد المالي الصادر في يناير الماضي إلى أن الاقتصادات المتقدمة سجلت أكبر زيادة في العجز والديون تليها اقتصادات الأسواق الصاعدة والمتوسطة الدخل والبلدان النامية منخفضة الدخل ، موضحةً أن متوسط العجز الكلي كحصة من إجمالي الناتج الإجمالي سجلت في العام الماضي نحو -13.3٪ للاقتصادات المتقدمة و -10.3٪ لاقتصادات الأسواق الصاعدة والمتوسطة الدخل و -5.7٪ للدول النامية المنخفضة الدخل.
و أرجع صندوق النقد ارتفاع العجوزات في الاقتصادات المتقدمة إلى زيادة الإنفاق وانخفاض الإيرادات بمستويات شبه متساوية، بينما يرجع الجانب الأكبر من عجوزات اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل والبلدان النامية منخفضة الدخل، في المتوسط، إلى انهيار الإيرادات على أثر انخفاض النشاط الاقتصادي.
حاجة الدول للاستثمار بالأنشطة المتضررة من”كورونا”
وفي سياق متصل، أرجع أيمن أبو هند، الخبير الاقتصادي والشريك المؤسس بشركة advisable wealth engines، ارتفاع معدل الدين العام العالمي بالرغم من التعافي المتوقع في العام الجاري نتيجة حاجة الدول إلي الاستثمار في أنشطتها وعملياتها التي تضررت جراء تفشي وباء كورونا الأمر الذي سيرتفع معه معدلات ديونها.
وقال إن العديد من الاقتصادات قد تأثرت جراء الوباء وارتفعت معدلات البطالة بها ولذا سيأخذ إصلاح القطاعات المتضررة بها ومنها الطيران والنقل واللوجستيات وقتاً ، مضيفاً أن الدول ستتجه للاستدانة كي تقوم بإصلاح تلك الأضرار التي تعرضت لها.
وأكد أنه لا يعني أن لقاح “كورونا” قد تم إنتاجه أنه سيتم توزيعه بين كل دول العالم بسرعة بل سيأخذ وقتاً كما أن الموجة الثانية من تفشي الوباء ما زالت مستمرة حتي شهر مايو المقبل.
وأكد أن ارتفاع معدلات الديون لدي الاقتصادات المتقدمة نتيجة قيامها بالإغلاق وارتفاع معدلات نفقاتها أكثر من الدول الأخري ، مشيراً إلي أن الاقتصادات الصاعدة مثل الصين ودول جنوب شرق آسيا لم يقوموا بالإغلاق سوي مرة واحدة الأمر الذي قلل حجم تكلفتهم مقارنة بغيرهم من الاقتصادات المتقدمة.
ولفت إلي أنه نتيجة تأثير الوباء فهناك تباطؤ اقتصادي في القارة الأوروبية في ضوء إغلاق النشاط ، مشيراً إلي أن فرنسا تتعرض لتباطؤ اقتصادي حالياً لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية.
وتوقع أن ترتفع معدلات الدين العام العالمي من الناتج العالمي حتي عام 2023 ولكن وتيرة الزيادة السنوية ستنخفض.
ووفق بيانات صندوق النقد ، سيرتفع معدل الدين العام في دول مجموعة العشرين إلي نحو 109% من الناتج الإجمالي في العام الجاري مقابل 106.8% في العام الماضي .
وأظهرت البيانات أن معدل الدين العام في الاقتصادات المتقدمة سيقفز إلي نحو 124.9%من الناتج المحلي الإجمالي لها في العام الجاري مقابل 122.7% في العام الماضي، مشيرةً إلي أنه كان قد سجل نحو 104.8% في عام 2019 و103.6% في عام 2018.
في حين أن الاقتصادات المتقدمة بدول مجموعة العشرين فسترتفع ديونها العامة من ناتجها الإجمالي إلي نحو134.7% في العام الجاري مقارنة مع 132.1% في العام الماضي ، بينما كانت قد سجلت في عام 2019 نحو 112.7% و111.2% في 2018.
وذكرت البيانات أن الاقتصادات المتقدمة بدول مجموعة العشرين تتضمن الولايات المتحدة ومنطقة اليورو “فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا” واليابان والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وكوريا.
الاقتصادات الصاعدة ومتوسطة الدخل
وأظهرت البيانات أن معدل الديون العامة في الاقتصادات الصاعدة ومتوسطة الدخل من ناتجها الإجمالي ستزيد إلي 65.3% في العام الجاري مقابل 63.3% في العام الماضي، في حين أنها كانت قد بلغت نحو 54.3% من ناتجها في 2019 و52.3% في 2018.
وذكر الصندوق أن نسبة الدين العام من إجمالي الناتج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “MENA” سترتفع إلي نحو 53.5% في العام الجاري مقابل 53.1% في العام الماضي، موضحاً أن هذه النسبة كانت قد بلغت 45.1%في 2019 و39.9% في 2018.
وعلي صعيد الدول النامية منخفضة الدخل ، فمن المرجح أن تسجل نسبة ديونها العامة من ناتجها المحلي نحو 48.5% في العامين الماضي و الجاري ، وأشارت بيانات الصندوق إلى أنها كانت قد سجلت 43.3% في عام 2019 .
وقال صندوق النقد الدولي ، في مستجدات تقرير الراصد المالي ، إنه بالرغم من أن حجم الدعم المالي العالمي البالغ ما يقرب من 14 تريليون دولار قد ساهم في إنقاذ الأرواح وسبل العيش وخفف من آثار وباء كورونا على الاستهلاك والإنتاج ، لكنه أدي إلي ارتفاع الدين العام والعجز بجانب الانكماش الاقتصادي الذي تسبب في انخفاض الإيرادات.
وأضاف الصندوق أن جائحة كوفيد -19 فرضت تحدياً جسيماً علي الماليات العامة ؛ فقد أدي انكماش الناتج وما أعقبه من هبوط في الإيرادات فضلاً عن الإمدادات الحيوية الطارئة إلي رفع العجوزات والديون الحكومية إلي مستويات تجاوزت تلك المسجلة أثناء الأزمة المالية العالمية .
وقال إن الكثير من البلدان تقدم دعمًا ماليًا إضافيًا للأسر والشركات نظرًا لحدوث طفرة جديدة في الإصابة بالفيروس وإعادة فرض القيود في بعض المناطق مع الحفاظ علي المرونة والتكيف مع التطورات الاقتصادية.
وأضاف أنه منذ أكتوبر 2020 ، أعلنت عدة حكومات عن إجراءات مالية جديدة أو مددت الإجراءات المؤقتة السابقة وهي أستراليا ، كندا ، فرنسا ، ألمانيا ، الهند ، إندونيسيا ، اليابان ، إسبانيا ، المملكة المتحدة ، الولايات المتحدة.
و تابع أن دولا أخرى تفكر في تشريعات جديدة كبعض الدول الأعضاء في منطقة اليورو، وفي الوقت نفسه ، سمحت التدابير المالية متعددة السنوات في بعض البلدان بالمرونة بشأن توقيت وحجم الدعم قصير الأجل المشروط بتطور الوباء وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي كما في كندا، مع تسهيل التعافي بعد فيروس COVID-19 من خلال تحديد أولويات السياسات مثل الاستثمار الأخضر والرقمنة والحد من عدم المساواة والفقر كما في كندا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي واليابان.
وبالتالي وفق الصندوق ؛ من المتوقع أن تشهد الكثير من البلدان عجوزات فى المالية العامة في 2021 علي إثر ارتفاع الإيرادات وتراجع النفقات تلقائياً مع زيادة التعافي وانتهاء العمل بالإجراءات المؤقتة المتعلقة بالجائحة.
وفيما يلي جراف لتوضيح معدل الدين العام العالمي في العامين الجاري والماضي.