فى ظل عملية التحول الرقمى التى تشهدها مصر، تخطط العديد من البنوك فى السوق المصرفية لإطلاق مصرف موازِ للتعاملات الرقمية لمواكبة التطور التكنولوجى على الساحة المحلية والدولية، والذى يُعد مصرفًا ليس له فروع «فيزيائية» بل «كيان رقمى» يقدم جميع الخدمات المصرفية الفورية عبر قنوات رقمية، يتميز عن نظيره التقليدى فى استخدام التكنولوجيا المالية الحديثة. وقال رامى أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزى المصرى، إن عددًا من البنوك –بعضها لا يعمل فى مصر- تقدمت بطلبات للحصول على رخصة تأسيس مصرف رقمى بالسوق المحلية، موضحًا خلال ندوة عبر الإنترنت نظمتها غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، أن البنك المركزى يضع فى الاعتبار عند منح رخص البنوك الرقمية أنظمة الحوكمة فى المؤسسة والبنية التحتية.
ونجح بنك مصر فى الحصول على ترخيص البنك المركزى المصرى لتأسيس مصرف إلكترونى خلال العام الماضى، وحصلت شركة «آتوس» الفرنسية على مناقصة تأسيس النظام الإلكترونى الخاص بالبنك.
طارق متولي: رغبة تعكس ملامح القطاع المصرفى فى المستقبل القريب
قال طارق متولى، نائب رئيس بنك بلوم السابق والخبير المصرفى، إنّ رغبة البنوك فى تأسيس مصرف رقمى تعكس ملامح التعاملات المصرفية فى المستقبل القريب، موضحًا أنّ البنوك التقليدية تشهد منافسة شديدة فى الوقت الحالى للتسابق نحو تأسيس بنك رقمى.
وأوضح متولى أنّ شركات التكنولوجيا المتنوعة مثل جوجل وفودافون باتت المنافس الأقوى للبنوك التقليدية فى التعاملات الرقمية، وذلك لسهولة إجراءاتها فى التحويلات الإلكترونية مقارنة بالعراقيل التى تواجه العميل فى الفروع البنكية التقليدية.
وأضاف الخبير المصرفى أنّ البنوك الرقمية ستواجه عدّة تحديات فى السوق المصرية، موصيًا بضرورة استعداد البنوك وتطوير هياكلها المؤسسية لمواكبة تلك النقلة النوعية فى معاملاتها.
وشدد نائب رئيس بنك بلوم السابق، على ضرورة إعادة صياغة القانون ليتسم بالمزيد من المرونة فى تسهيل الإجراءات لاستقطاب المزيد من العملاء فى دعم عملية التحول الرقمى الشاملة التى تشهدها البلاد، موضحًا أنّ القانون لا يعتد بالتوقيع الإلكترونى فى إتمام أى تعاملات مالية ولا يمكن الاحتجاج به أمام المحاكم المختصة فى حالة النزاع.
وأشار متولى إلى أنّ البنوك الرقمية تُقدم خدمة أكثر كفاءة وأقل جهدًا، وتوفر وقت العملاء فى زيارة الفرع إذ يمكنه إتمام كافة تعاملاته إلكترونيًا، الأمر الذى سيوفر على البنوك تكلفة إنشاء فروع جديدة وتقليص العمالة مما سينعكس فى تقليل التعريفات المختلفة التى يدفعها العميل.
وفى سياق استقطاب المزيد من العملاء، أكّد الخبير المصرفى أنّ البنوك الرقمية ستقلل الإجراءات البيروقراطية فى عملية إنشاء الحسابات، مما سيجذب المزيد من العملاء نحوها لإتمام كافة تعاملاتهم البنكية عبر الإنترنت.
شهاب حلمي: التوسع الرقمى ضرورى بالتوازى مع نشر «التقليدى» فى الأقاليم
ويرى شهاب حلمى، محلل قطاع البنوك ببنك الاستثمار برايم، أنّ توسع البنوك الرقمية سيحدث على المدى المتوسط فى السوق المصرية، خاصة عقب انتهاء جائحة “كورونا” والتى عززت فكرة التعامل الرقمى لدى المواطنين.
وأوضح حلمى أنّ طبيعة العملاء فى السوق المصرية تتسم بالحرص فى التعاملات البنكية عبر الانترنت والتخوف من إتمامها تجنبًا لحدوث أى خطأ، مضيفًا أنّ البنوك التقليدية لا تُغطى جميع المواطنين فى مختلف أقاليم الجمهورية.
وأشاد المحلل بتسهيلات البنك المركزى للعملاء فى عملية إنشاء حساب بنكى مما يدعم عملية تضمين المزيد من المواطنين فى التعاملات المالية عبر البنوك، الأمر الذى يدعم عملية التحول الرقمى الشاملة التى تقوم بها الدولة فى جميع القطاعات المختلفة.
ولفت حلمى إلى أنّ تأسيس بنوك رقمية موازية سيكبد ميزانيات البنوك المزيد من المصروفات بما سيشمل عملية التأمين الإلكترونية المعقدة واعتماد التوقيعات الإلكترونية فى إنشاء الحسابات أو إصدار دفاتر الشيكات والتعاملات المختلفة.
وأضاف محلل قطاع البنوك ببنك الاستثمار برايم، أنّ التوسع الرقمى ضرورى لمواكبة الثورة التكنولوجية المستمرة، فيما شدد على ضرورة التوسع الموازى للبنوك التقليدية فى الأقاليم وبما يخدم شريحة معينة من العملاء.
وحول إمكانية منح البنك المركزى ترخيص إنشاء بنك رقمى لشركات الاتصالات على غرار السعودية وشركة STC للاتصالات، يتوقع المحلل البنكى أنّ تحذو مصر حذو «الرياض» على المدى الطويل فى منح تلك التراخيص حال نجاح التجربة بالنسبة للبنوك.
وقال محمد عبدالعال، الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس السابق إنّ استخدام التكنولوجيا فى التعاملات المالية من المتوقع أن ينتشر بشكل متسارع لأنّها تمثل محور المستقبل فى كافة الجوانب الحياتية، وأنّها سريعة التنفيذ ورخيصة التكلفة.
وأوضح عبدالعال أنّ العائد المادى على البنوك سيظهر تدريجيًا على المدى المتوسط، مؤكدًا أنّ عملية الشمول المالى التى تقودها الدولة تدعم التحول نحو البنوك الرقمية بما سيعزز إمكانية دمج المزيد من العملاء فى القطاعى المصرفى.
وأضاف الخبير المصرفى أنّ التوسع فى البنوك الرقمية يجب أن يتم بالتوازى مع البنوك التقليدية بما يناسب الشرائح المختلفة من المجتمع، مشيرًا إلى أنّ الدولة تعمل على برنامج الإصلاح الهيكلى الثانى بما يشمل تطوير التشريعات القانونية المتعلقة بالبنوك.
وأكّد عبدالعال أنّ شركات التكنولوجيا المختلفة لن تُنافس البنوك فى التوجه نحو رقمنة الخدمات، بل ستعمل على إحداث تكامل مالى فى الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
أحمد سامح: خطوة تمثل امتدادًا للتمويل متناهى الصغر و «الاستهلاكى»
وقال أحمد سامح المدير التنفيذى لشركة إيجابى لحلول النظم المصرفية إن توجه البنوك نحو تأسيس مصارف رقمية لن يُنهى تواجدها التقليدى، موضحًا أنّ البنوك ستُقدم بعض منتجاتها وخدماتها عبر الإنترنت وهو ما تعمل عليه غالبية البنوك خلال السنوات الماضية.
وأوضح سامح أنّ البنوك الرقمية تمثل امتدادًا للتمويل متناهى الصغر والتمويل الاستهلاكى ونتيجة لعملية الشمول المالى على المدى الطويل، مشيرًا إلى أنّها ستعمل على استقطاب شريحة كبيرة من العملاء غير المصرفيين وفئات الشباب.
وأضاف سامح أنّه من المتوقع أن يُعلن البنك المركزى عن اللوائح المنظمة للحصول على ترخيص إنشاء بنك رقمى، متوقعًا أنّ تكون الإجراءات الورقية أقل تعقيدًا وأكثر مرونة للعميل والبنك على حد سواء.
وفى سياق تقنين التوقيع الإلكترونى فى التعاملات البنكية عبر الإنترنت، أضاف أحمد سامح أنّ البنوك توفر العديد من خدماتها ومنتجاتها عبر خاصية الانترنت البنكى أو الموبايل البنكى دون الحاجة لتوقيع إلكترونى، مشيرًا إلى خاصية OTP والتى تستخدمها البنوك فى التأكد من هوية العميل لإتمام العملية المالية إلكترونيًا.
وخاصية «OTP» هى كود يُستخدم لمرة واحدة فقط، يتم إنشاؤه عشوائياً حتى يتمكن المستخدم من تأكيد رقم الجوّال الخاص به والتحقق من هويته إلكترونيًا.
وفى تقرير حديث لصندوق النقد الدولى صدر يونيو 2021، قال إنّ قدرة البنوك الرقمية على الإقراض عن بعد وإدارة مخاطر الائتمان باستخدام التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا فى تسهيل استمرارية الأعمال، مستدلًا بتجربة الصين والتى لديها تجربة رائدة فى التكنولوجيا الرقمية.
وبحسب صندوق النقد الدولى تكمن أهمية الإقراض الرقمى فى أنّ البنوك الرقمية يمكنها تسهيل وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة للحصول على تمويل أو قرض، بالإضافة إلى دعمها للتباعد الاجتماعى تحسبًا لانتشار أى أوبئة مستقبلًا أو حدوث ركود اقتصادى.
وطبقا للتقرير، نجحت البنوك الرقمية فى الصين، مثل MYbank و WeBank و XW Bank ، فى سد فجوة التمويل ودعم استمرارية الأعمال التجارية للشركات الصغيرة التى واجهت صعوبات فى الحصول على القروض خلال فترة انتشار جائحة “كورونا”، فيما يوضح التحليل التجريبى الوارد فى بحث صندوق النقد الدولى أن الإقراض من قبل البنوك الرقمية للشركات الصغيرة ومتناهية الصغر أتاح نموًا أعلى فى المبيعات بالإضافة لوصول التمويل إلى شرائح مختلفة من السكان لم تكن تخدمها البنوك التقليدية، مثل الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للإناث والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى المناطق الأقل نموًا.
وفى ضوء استمرار انتشار جائحة «كورونا»، يرى الصندوق أنّها ساهمت فى تسريع تحول النظم المالية للدول نحو الرقمنة الشاملة، والذى من المتوقع أن يؤدى إلى تسهيل مشاركة المعلومات بين البنوك وبالتالى زيادة العرض والطلب على الائتمان، وارتفاع معدل إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة دون زيادة فى المخاطر المصاحبة لهذا الإجراء.
وشدد صندوق النقد الدولى على ضرورة تعزيز التنظيم وضمان الاستقرار المالى، بما يشمل تأمين خصوصية البيانات وتحقيق التوازن بين جنى الفوائد من الابتكار المالى والحماية من المخاطر المحتملة.