ورغم كل عبارات الترحيب الأمريكية بثورات الربيع العربى فإن أحدا لا ينكر أن تلك الثورات قد قلبت كل الخطط الأمريكية المجهزة لدول الشرق الأوسط ـ العربية والإسلامية ـ رأسا على عقب، بسبب عنصر المفاجأة الكامل ـ رغم تتابعها ـ حيث كانت الإدارة الأمريكية تتعامل لعقود من ديكتاتورية الحكم وقصر تعاملهم على الحكام بأقل التكاليف، فى تصور ـ غير سياسى بالمرة ـ بأن شعوب تلك الدول لم تكن لها قيمة تزيد كثيرا على قيمة «الموتى فى القرافات » لتفاجأ الإدارة الأمريكية بفرار بعض أنصارها من الحكام مغادرين عواصم ملكهم، ومنهم مبارك الذى أفزعتهم كثيرا صورته والوريث وشقيقه خلف القضبان التى خلت من السيدة العقربة بسبب مازال يثير دهشة المصريين جميعا، ذلك أن «الثأر الحقيقى » هو بينها وبين الناس، بينما مازال الحكام الحاليون يحملون لها الكثير من الود الذى أما أن يكون ودا حقيقيا أو ودا مرتبطا بأوراق لدى السيدة التى تقود بكفاءة فلول نظام حسنى مبارك الذين لم يسقطوا بعد، رغم معرفة جميع مواقعهم وهو ما يثير ريبة الجميع !
وعلى الولايات المتحدة أن تدرك أن «نظرية كونداليزا رايس » حول الشرق الأوسط الجديد لم تعد ـ الآن على الأقل ـ صالحة للتحقيق، وأن الإدارة الأمريكية عليها ـ أرادت أم لم ترد ـ أن تتعامل «بحرفية سياسية » مع مناخ مختلف ورجال مختلفين فى تذكر دائم فيما يشبه «الكابوس » لجحافل من شعوب تلك الدول خرجت للثورة وإسقاط «الأنظمة المفترية » دون تحديد موعد للعودة قبل أن يتم قيام نظم حكم جديدة سقط من أجلها آلاف الشباب، ذلك أن الثمن الذى دفع فى «ثورات الربيع العربى » كان فادحا الى درجة يستعصى على وطنى واحد أن ينساه حتى لو أدى الأمر لعشرات أخرى من الثورات يؤكد قيام كل منها، حتمية التحقيق الكامل لما خرجت من أجله ثوراتهم الأولى التى تصدى لها الفلول وكل المستفيدين ـ بالفساد ـ من الحكام السابقين، وهى الطوائف التى ينبغى القضاء التام عليها قبل التفكير فى تحقيق الأهداف الشعبية لتلك الثورات، ذلك أن أى وطن مهما كان اتساعه ـ لا يتسع للاثنين معا : للثوار والخونة، أحدهما فقط هو الذى ينبغى بقاؤه على الساحة، وأولئك هم الثوار الذين ـ رغم كل ما يحيط بنا من مؤامرات سوف ينتصرون مهما «تحالف الإخوان مع أنفسهم » تحت لافتات الثورة للغذاء بالثوار قبل أن يتعشوا بهم .. وسوف «يتعشون » قطعا فور إفساد مائدة الغذاء العامرة بلحومنا ومعها «الحلو » الذى هو حكم المصريين !
ولعل أول ما ينبغى على الإدارة الأمريكية الالتفات اليه ـ اذا فهمت حقيقة ما تموج به المنطقة من مشاكل اقتصادية وفوضوية مصنوعة ـ أن تحاول إقناع قيادات البنك وصندوق النقد الدوليين ـ وهما من توابعها السلطوية ـ بأن المنوال التنموى القديم ـ أيام الأنظمة التى سقطت ـ قد فشل وهو ما أدى الى ثورات الربيع، ومن ثم فإن نظاما جديدا للتنمية الحقيقية أصبح الآن ضرورة لغطاء كل ما جرى من معوقات مصنوعة مازالت تعانى منها حياة دول الثورة التى تعرف الفاعل الحقيقى لتلك المشاكل، رغم بحث تلك الثورات ـ وحاجتها ـ الى الأصدقاء الحقيقيين خاصة الذين يتحدثون ليل نهار عن حقوق الإنسان وديمقراطية الشعوب !