لحظات النشوى

لحظات النشوى
حازم شريف

حازم شريف

11:10 ص, الأحد, 28 ديسمبر 03

لم أكن يوما من هواة الحديث – الذى يعشقه العديد من الزملاء – عن الصحافة، باعتبارها مهنة المتاعب، التى تضنى وتشقى العاملين فى بلاطها بما يلاقونه من مصاعب ومخاطر وأهوال.
أولا: لأن أغلب هؤلاء المتحدثين لا يشقون ولا يتعبون من الأساس، أو فى أفضل الأحوال كفوا عن ذلك منذ سنوات بعيدة، جلسوا بعدها واستراحوا بل وغاصوا فى مقاعد وثيرة، لا يخرجون منها سوى إلى حفلات الخمس نجوم وشاشات الفضائيات، لممارسة عادة العلاقات العامة.
وثانيا: لأن الولوج إلى المهنة هو فى نهاية الأمر يجسد اختيارا حرا من بين عشرات البدائل الوظيفية الأخرى، ومن ثم لا يصح لصاحبه من الناحية المبدئية، أن يضج بالشكوى منه، ناهيك أن يملأ الدنيا ضجيجا وصراخا، عما يكابده من ويلات نتيجة لوضع اختاره بمحض إرادته.
وثالثا: لأن الصحافة كغيرها من المهن الإبداعية كالفن بأنواعه المختلفة، يتعرض الممارسون لها للعديد من الضغوط العصبية والنفسية، نتيجة لحالة من القلق تنتابهم طوال الوقت، بشأن رد فعل القراء أو المشاهدين أو المستمعين، تجاه ما يكتبونه ويبدعونه من إنتاج.
ورابعا: لأن كل هذه المعاناة يصاحبها شعور آخر بالمتعة، يتصاعد إلى أن يصل إلى مرحلة الذروة، وذلك حين يتلقى المبدع ثمرة ما أنتجه سواء على المستوى الداخلى – الذاتى – أو المستوى الخارجى، متمثلا فى ردود أفعال جمهوره المستهدف، حينئذ…. وحينئذ فقط يبلغ لحظة النشوي.
وحياة الصحفى عامرة بهذه النوعية من اللحظات، من أبرزها نشوة السبق الصحفى، وهى متعة لا يستطيع أن يشعر بها سوى من مارس هذه المهنة (الممتعة).
وهى نشوى غريبة الأطوار، تتميز عن ما عداها من لحظات النشوى، بقدرتها الديناميكية الفائقة على شحذ وتوليد إرادة الاستمرار، والأغرب من ذلك، أنها نشوى لا يستتبعها استرخاء، وإنما رغبة سريعة فورية فى تحقيق المزيد والمزيد من الانفرادات الصحفية.
العدد الماضى كان موعدنا فى جريدة «المال» مع واحدة من هذه اللحظات، أسبوع كامل من المتابعة قبل صدور العدد لحدث هام كان يتم الإعداد له فى سرية تامة.
كنا نعلم أن المفاوضات النهائية لصفقة شراء الشركة المصرية للاتصالات لحصة 25.5% فى شركة فودافون مصر قد بدأت، وإنها قد بدأت لكى تحسم قبل بدء تداول أسهم فودافون فى البورصة.
بدأنا المتابعة لكن تعثرت المفاوضات، فتم تأجيل قيد فودافون لإعطائها – المفاوضات – فرصة للنجاح.
وضعنا أيدينا على قلوبنا ونحن نتابع الصحف فى اليوم التالى خشية أن يتسرب الخبر… بعض الجرائد تجاهلته وأخرى نشرت خبر تأجيل القيد وعزته إلى أسباب إجرائية..!
طالت المفاوضات، فتقرر تأجيل عملية القيد للمرة الثانية، ومرة أخرى احتبست أنفاسنا ونحن نطالع صحف اليوم التالى، لم نجد سوى خبر التأجيل فى بعض المطبوعات الزميلة، مقترنا أيضا بإرجاع التأجيل إلى أسباب إجرائية..!
كان الوقت يجرى، وكنا نشعر من مصادرنا أن هناك رغبة عارمة من أطراف عديدة لحسم وإنجاح المفاوضات قبل يوم الأحد الماضى، وهو الموعد الأخير لقيد الأسهم وبدء التداول عليه بالبورصة.
وفى نفس الوقت كنا نخشى من أن تشعر إحدى الصحف الزميلة، فيفلت السبق من أيدينا.
تابعنا المفاوضات لحظة بلحظة… بعض المستثمرين لا يرغب فى بيع الأسهم للمصرية للاتصالات بسعر 30 جنيها، بعضهم يرغب فى ضمان استمرار حقه فى عضوية مجلس الإدارة، شروط القرض الممنوح من ثلاثة بنوك لتمويل الصفقة لم يتم الاتفاق عليها بصورة نهائية… عقبة وراء أخرى يتم التفاوض لتذليلها حتى ما بعد منتصف الليل.
أخرنا الطبع حتى بعد ظهر يوم الجمعة، أرسلنا الأفلام إلى المطبعة، ووضعنا أيدينا على قلوبنا للمرة العاشرة ونحن نتابع صحف يوم السبت، ثم ونحن نقلب الريموت كنترول بين القنوات الفضائية المتخصصة وغير المتخصصة، ولكن………
للمرة المئة لا شىء.. لا شىء على الإطلاق…. نجحنا…. فزنا بالسبق الصحفى للمرة الثانية بالنسبة لهذه الصفقة، بعد أن كنا قد انفردنا قبلها بأسابيع بنشر تفاصيل الاتفاق النهائى، وأهمها تأسيس شركة مشتركة بين كل من فودافون العالمية والمصرية للاتصالات، تحت اسم الوطنية للاتصالات لامتلاك 51% من فودافون مصر.
اليوم التالى كنا على موعد مع لحظات النشوى، فودافون والمصرية للاتصالات تعلنان فى مؤتمر صحفى بالبورصة عن نجاح المفاوضات، فى نفس الوقت الذى كانت فيه جريدة «المال» الأسبوعية فى أيدى الحاضرين، تحتوى التفاصيل قبل 24 ساعة كاملة من نشر الخبر فى أى (صحيفة) يومية.
ولا عزاء للزملاء فى الصحف المنافسة.