تعتزم سريلانكا الاستغناء عن ثلث جيشها خلال العام القادم، على أن تستكمل خطة للاستغناء عن 50% من قوام الجيش الحالي بحلول عام 2030.
وحسب مجلة the diplomat الأمريكية، تأتي الخطوة لإرضاء صندوق النقد الدولي الذي جادل بأن الإنفاق العسكري كان مفرطا في العقود الأخيرة.
ووفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز، تمتلك سريلانكا واحدا من أضخم الجيوش في العالم (على أسس نسبية) إذ يبلغ قوامه 200 ألف جندي في دولة يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة.
وترزح سريلانكا تحت جبل ديون يقدر بنحو 50 مليار دولار، وقد تخلفت بالفعل عن سداد جزء من تلك الديون العام الماضي.
إرضاء صندوق النقد
في سبتمبر الماضي، أعلنت سريلانكا التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار.
ورغم مرور أكثر من 4 أشهر على الإعلان لم يوافق المجلس التنفيذي للصندوق على هذا القرض بعد.
وتأخر القرض يأتي بينما تواجه البلاد أياما حالكة، في ظل توسع الاحتجاجات الشعبية بالتوازي مع نقص حاد في كل السلع من الوقود إلى الغذاء.
ويرى صندوق النقد الدولي أن الإنفاق العسكري كان مفرطا في العقود الأخيرة.
ومن بين 1.45 مليار دولار (2% من الناتج المحلي الإجمالي) من مخصصات الدفاع في سريلانكا، يذهب الجزء الأكبر وقيمته 1.29 مليار دولار للنفقات المتكررة، خاصة دفع رواتب القوات.
ويعني هذا أنه لا يمكن إجراء أي تخفيض ذا مغزى في ميزانية الدفاع دون تخفيض أعداد القوات.
وبالأمس، قال محافظ بنك سريلانكا المركزي لـ”بي بي سي” إن بلاده لن تحصل على قرض الصندوق حتى تتوصل إلى اتفاقيات لجدولة ديونها مع الصين والهند.
ويجب أن يوافق الدائنين على دعم إعادة الهيكلة قبل أن يبدأ صندوق النقد الدولي في الإفراج عن أموال الإنقاذ التي تم الاتفاق عليها.
ومع ذلك، حذر محافظ البنك المركزي السريلانكي من أن الاضطرابات السياسية الهائلة في البلاد تهدد محادثات الإنقاذ مع الصندوق.
تقليص الجيش عبر خطة “تقاعد طوعي”
بعد أكثر من عقد من انتهاء حرب أهلية وحشية، خرجت سريلانكا بجيش متضخم قوامه 200 ألف جندي.
وحسب بريميثا باندارا تيناكون وزير الدفاع في سريلانكا، فإن الحكومة تعتزم خفض حجم الجيش إلى 135 ألف جندي بحلول عام 2024 وإلى 100 ألف بحلول عام 2030.
وتقول مجلة the diplomat إن الخفض سيتم عن طريق خطة تقاعد طوعي.
ويعد الإنفاق العسكري أكبر عنصر في ميزانية سريلانكا.
ومع ذلك، لم يتطرق بيان وزارة الدفاع إلى جزئية خفض الإنفاق على وجه التحديد.
ووفق “فاينانشيال تايمز”، لطالما جادل الاقتصاديون بأن كبح جماح الإنفاق العسكري ضروري للسيطرة على الشؤون المالية لسريلانكا.
وتذهب حوالي نصف فاتورة رواتب الحكومة إلى قوات الأمن، إذ بقي الإنفاق العسكري أعلى مما كان عليه في ذروته خلال الحرب الأهلية، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة سنغافورة الوطنية ونشرت في عام 2021.
خطورة تسريح الجيش
ومع ذلك، حذر الباحث السريلانكي راثيندرا كورويتا من مغبة تسريح قوات الجيش بالنظر إلى الحالة الخاصة للبلد.
وقال كورويتا في مقال بمجلة the diplomat إن فرضية صندوق النقد مبنية على أن الإنفاق العسكري المفرط قلل من الموارد المتبقية للإنتاج (رأس المال والعمالة) ما أضعف الاستثمارات العامة.
وأوضح أن تلك الفرضية تعتقد أيضا أن النتيجة المتوقعة لانخفاض الإنفاق العسكري هي زيادة الاستثمار والنمو الاقتصادي.
وقال إن الفرضية قد لا تعمل في سريلانكا خاصة وأن المجندون العسكريون في البلاد يأتون من عائلات ريفية فقيرة.
وأوضح أن الاقتصاد الريفي في البلاد انهار وورث الفقر بسبب سياسات التحرير الاقتصادي غير المنضبطة في الثمانينات، وقد تزامنت تلك الفترة مع تضخم حجم الجيش.
وتابع: “نظرًا لتدهور الاقتصاد الريفي، اتخذ عدد كبير من الشباب قرارًا عقلانيًا مفاده أن أفضل طريقة للهروب من الفقر هي الانضمام إلى الجيش”.
ولفت إلى أن الدراسات في بلدان أخرى تظهر أن أوقات الصعوبات الاقتصادية عادة ما تعزز التجنيد العسكري، مجادلا بأن الإقبال على العسكرية في بلاده لا يرتبط بآلة دعاية شوفينية كما يعتقد البعض.
وفي 2022، غادر أكثر من 300 ألف سريلانكي البلاد بحثًا عن وظائف في الخارج.
كذلك، فإن لتقليص حجم الجيش تداعيات خطيرة على سريلانكا. إذ يعني أن الآلاف من الجنود ذوي المهارات الجيدة في استخدام الأسلحة سيكونون عاطلين عن العمل.
وتابع: “لطالما شكل الهاربون من الجيش السريلانكي تهديدًا أمنيًا خطيرًا للبلاد. لقد انضموا إلى الجماعات الإجرامية، وأنشأوا عصابات خاصة بهم، وهم وراء جميع الجرائم البارزة تقريبًا في البلاد”.
وفي الأشهر الـ 11 الأولى من 2022، قُتل 497 شخصًا، وتم تسجيل حوالي 3596 حالة اختطاف من أجل الحصول على فدية بزيادة نسبتها 2800% عن نفس الفترة من العام الماضي.
وقال إنه إذا تم إطلاق سراح الشباب من الجيش في اقتصاد انهار به سوق العمل، فسيصبح عام 2023 أحد أكثر الأعوام عنفًا منذ انتهاء الحرب الأهلية.
واقترح كورويتا إعادة تدريب قوات الأمن على أعمال الشرطة وحفظ السلام أو العمل كفرق عمل سريعة للاستجابة للكوارث.
ولدى سريلانكا تاريخ عريق في مجال حفظ السلام حيث شاركت القوات السريلانكية لأول مرة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 1960 بالكونغو الديمقراطية .
وتقدم عمليات حفظ السلام للجنود السريلانكيين رواتب عالية وتوفر لهم الاحتكاك الدولي.
كذلك، فإنه مع تزايد آثار تغير المناخ، تعاني سريلانكا من عدد متزايد من الكوارث الطبيعية.
وفقًا لبيانات البنك الدولي ، تعرضت سريلانكا لمزيد من الفيضانات والانهيارات الأرضية والجفاف في السنوات الأخيرة، وتؤثر هذه الكوارث على عدد كبير من الناس.