كشف قطاع الأدوية عن كيفية وصول الدواء المغشوش للمريض المصري، مؤكدين أن الأزمة قديمة وتحتاج إلى آليات مختلفة وطرق رقابية متعددة لإحكام السيطرة على السوق المصرية، ومواجهة الظاهرة التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى وفاة المرضى حال تعاطي دواء مغشوش أو مُهرب.
«هيئة الدواء»: اختلاف آلية تحليل للعينات جزء من الأزمة
وقال مطلع في هيئة الدواء المصرية، إنَّ آلية تحليل عينات الدواء في معامل الهيئة تتم بشكل غير منظم، إذ كانت في السابق يتم اختبار ثلاث عينات للدواء الواحد، من قِبل هيئة الرقابة على الأدوية، من كل خط تشغيل لأي شركة في السوق المصرية.
وأفاد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، بأنه مع ارتفاع أسعار الأدوات المستخدمة في تحليل عينات الأدوية، ووجود ما وصفه بالتسرع في نزول الأدوية للسوق دون اختبار كافة عينات التشغيل بدأت المشاكل في الزيادة، بالإضافة إلى تهريب كميات كبيرة من الأدوية تحاول هيئة الدواء مصادرتها بالتعاون مع الجهات ذات الصلة.
وأضاف المصدرفي تصريحات خاصة لـ «المال» أن إصدار نشرات الهيئة للأدوية المغشوشة لا يحل المشكلة بشكل قاطع، إذ تكون المستحضرات المختلفة موجودة بالفعل وتباع في الصيدليات، ولا يتمكن المريض من فحص العلبة والتأكد من خلو المستحضر من تحذيرات الهيئة في النشرات المختلفة، مشيرًا إلى أن الأمر يحتاج صيدلي ليدقق في رقم التشغيلة ويستبعد المنتجات التي تحذر منها الهيئة.
وأكد أن الآلية الأكثر فاعلية التوسع في تحليل كل عينات الدواء، والعودة إلى النظام القديم بتحليل ثلاث عينات من كل خط إنتاج، ولا يتم السماح بتوريد أي منتج لمخازن التوزيع أو الصيدليات إلا بعد التأكد من جودته، بالإضافة إلى زيادة عدد مفتشي الهيئة ليتمكنوا من ملاحقة الكميات الكبيرة من الأدوية المُهربة التي تمر للصيدليات بدون فحصها أصلا من قِبل هيئة الدواء المصرية.
وعلى خلفية وفاة الطفلتين «إيمان» و«سجدة» اللتين ماتتا نتيجة حصولهما على حقنة مضاد حيوي بدون اختبار، تم تجديد حبس صيدلانية واثنين من العامليْن لديها لمدة 45 يوما أخرى احتياطيًّا على ذمة التحقيقات.
لكن تكرار الواقعة بوفاة الطفل كريم في مستشفى بالدقي بعد إصابته بارتفاع في درجة الحرارة، وطلبت طبيبة الطوارئ إعطاءه حقنة مضاد حيوي خاصة أن الطفل مصاب بالتهاب رئوي، ليتوفى الطفل بعدها مباشرة مما فتح بابًا حول عقاب الطبيب أو الصيدلي حال وجود مضاد حيوي مغشوش، يسبب الوفاة في الحال.
الهيئة تحذر بمنشورات دورية من الأدوية المغشوشة
نوهت هيئة الدواء عن مئات الأنواع من الأدوية المغشوشة عبر موقعها الرسمي، في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن غلق أكثر من مكان بسبب بيع تشغيلات مغشوشة أو مُهربة من الأدوية، إذ تم تحريز حوالي 350 ألف عبوة وأقراص مواد مخدرة وأدوية مغشوشة.
«حافظ»: متابعة نشرات هيئة الدواء واستبعاد التشغيلات التي تحذر حال وصولها للصيدليات
وقال محيى حافظ عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، إن مشكلة الدواء المغشوش من أبرز الملفات التي ناقشتها اللجنة خلال دور الانعقاد الحالي، لإيجاد حلول جذرية للقضاء على هذه الظاهرة خاصة بعدما أصبحت من أهم القضايا التي تحظى باهتمام الكثير، وتؤثر على صحة المريض المصري.
وأضاف «حافظ » في تصريحات خاصة لـ «المال»، أنه خلال مناقشة هذا الملف في لجنة الصحة تقدم بمقترح بإصدار قرار تنظيمي مشترك بين وزارة الصحة ورئيس هيئة الدواء بإطلاق دورات تدريبية تشمل كافة التفاصيل المتعلقة بفكرة إعطاء الحقن حيث تقدم لكل من الصيادلة والعاملين لديهم فكرة متابعة نشرات هيئة الدواء واستبعاد التشغيلات التي حذرت منها الهيئة حال وصولها للصيدليات.
وأكد «حافظ» أن أهم أهداف تعميق صناعة الأدوية هي تقليل فاتورة الاستيراد، بما ينعكس بالإيجاب على توفير احتياطي كبير من النقد الأجنبي، علاوة على تحقيق مبيعات كبيرة للدواء المصري نتيجة التصدير لمختلف الدول.
«الليثي»: صناعة الدواء تغطي 75% من احتياجات مصر كقيمة المالية و93% من عدد الوحدات الدوائية
وقال جمال الليثي، رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، إن صناعة الدواء تغطي 75% من احتياجات مصر من حيث القيمة المالية، و93% من عدد الوحدات الدوائية.
وأضاف «الليثي» في تصريحات خاصة لـ «المال» أن هناك حاجة لنظام واضح لتسعير أو لتداول الدواء في مصر، لأن الأمر حاليًا معتمد على بعض الاجتهادات، بدون ثوابت واضحة وليس الأفضل للكثير من المستثمرين، خاصة أن صناعة الدواء تطورت كثيرًا خلال الفترة الأخير، لافتًا إلى ضرورة استحداث أدوات رقابية جديدة تناسب التطور.
وأشار إلى أن هناك 170 مصنعا للدواء في مصر توفر ما يقرب من 500 ألف وظيفة، مشيرًا إلى أن قطاع صناعة الدواء قوي، ولكن هناك حاجة لتنظيم هذه الصناعة.
«عطا الله»: الأدوية يتم تداولها في أماكن غير مرخصة
وقال جورج عطا الله، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصيادلة العرب، إن هناك جهدا كبيرا من هيئة الدواء المصرية في استخدام صلاحيتها لضبط الأدوية المغشوشة في المصانع غير المرخصة.
وأكد أن هذه الأدوية يتم تداولها في أماكن غير مرخصة لأن أي مستشفى أو عيادة، يلزمها القانون بشراء الأدوية من جهتين فقط هما، شركة الأدوية نفسها المصنعة للدواء، أو من خلال شركات التوزيع المعتمدة التي تشتري الدواء من المصانع، وأصبحت بذلك دورة الدواء مغلقة.
وأضاف في تصريحات لـ «المال» أنه يمكن شراء الأدوية حاليًا عن طريق تنزيل تطبيقات إلكترونية لا تخضع لأي رقابة، أو من خلال مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، إذ جعلت هذه الآليات غير المراقبة الأدوية المغشوشة تتسلل إلى السوق المصري.
وأوضح أن قانون مزاولة مهنة الصيادلة أعطي حق الضبطية القضائية لمفتشي الصحة دون إذن نيابة، كاشفا أن أي شخص يقوم بتفتيش الصيدلية دون وجود مفتش صيدلي، يكون هذا الإجراء باطل قانونًا.
«عوف»: أدوية مهربة وأدوية مغشوشة وأدوية تباع عبر الإنترنت
قال علي عوف، رئيس شعبة الأدوية في الاتحاد العام للغرفة التجارية، إن ملف الأدوية غير المرخصة يتضمن أدوية مهربة وأدوية مغشوشة وأدوية تباع عبر الإنترنت، مشيرًا إلى أنَّ تلك الأدوية ليست تحت رقابة وزارة الصحة، موضحا أن الأدوية المهربة هي أدوية كاملة الصنع وتتداول في السوق من خلال النماذج الجمركية، ولم يتم إجراء التحاليل للتأكد من جودتها والسماح بتداولها.
وأضاف «عوف» في تصريحات خاصة لـ «المال» أن هناك مشكلة كبيرة في غش الأدوية البيطرية أيضًا، ومعظم شركات الأدوية البيطرية الكبيرة تعاني بسبب حالة الانفلات وضعف الرقابة في الوقت الحالي؛ لأن مجال الدواء البيطري لم يأخذ حقه في الحماية من الغش والتهريب.
وأشار إلى أنَّ الأدوية مجهولة المصدر يتم من خلالها إجراء دعاية من خلال السوشيال ميديا وبعض القنوات الفضائية غير المرخصة، مؤكدًا أنَّ تلك الأدوية تتضمن مستحضرات للتخسيس وعلاج مرض السكري أو الضغط والتي لا يوجد لها علاج نهائي من الأساس، ولذلك تصنف من الامراض المزمنة أو أدوية آلام المفاصل، مؤكدا ضرورة تفعيل أدوات الرقابة من كافة الجهات للسيطرة على السوق بداية من عملية الإنتاج، وصولًا إلى التخزين بشروط معينة حتى نضمن وصول المنتج بأمان للمريض المصري.
وأكد أن أدوية مجهولة المصدر قضية قديمة ومستمرة، إذ يتم إنتاجها بدون تطبيق معايير الجودة في معامل صغيرة، موضحا أنه يمكن أن تصنع هذه الأدوية داخل مصر، مشددًا على ضرورة مراجعة قانون مزاولة المهنة؛ لتناسب التغيرات الموجودة؛ إذ وضعت نصوصه عام 1955.
«الصحة العالمية»: إنفاق أكثر من 30 مليار دولار سنويًا على الأدوية والمغشوشة
حذرالدكتور تيدروس ادهانوم جبريسيوس مدير عام منظم الصحة العالمية فى بيان جديد له من الأدوية المغشوشة ودون المستوى، موضحا أن حجم هذه المشكلة وأضرارها لكل من الأرواح والاقتصاد هائل.
وقال: في أحسن الأحوال، تفشل هذه الأدوية في علاج الأمراض أو الوقاية منها، وتبديد موارد الدولة إذ تقدرمنظمة الصحة العالمية، أن أكثر من دواء واحد من كل 10 في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إما دون المستوى المطلوب أو مغشوشة.
وأضاف، نحن نقدر أن المضادات الحيوية المتدنية الجودة أو المغشوشة لعلاج الالتهاب الرئوي لدى الأطفال دون سن الخامسة تؤدي إلى وفاة ما بين 72000 و 169000 حالة وفاة كل عام، وبالمثل، تشير التقديرات إلى أن مضادات الملاريا السيئة تؤدي إلى ما يتراوح بين 31000 و 116000 حالة وفاة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كل عام، وتشمل الأمثلة الأخرى لقاحات الكوليرا المغشوشة، وأدوية اللوكيميا التي تحتوي على الباراسيتامول، وأدوية السكري المعيبة التي تجعل المرضى يعانون من نقص السكر في الدم.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تنفق أكثر من 30 مليار دولار أمريكي سنويًا على الأدوية دون المستوى المطلوب والمغشوشة.