تواصلت تداعيات جائحة كورونا على الاقتصادات العالمية بداية من تراجع معدلات النمو إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة إغلاق الاقتصادات، ومرورا بتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية للدول وانخفاض الطلب على السلع والخدمات، وليس انتهاءً بأزمة سلاسل الإمداد مع بداية تفشى الوباء وتفاقمت بصورة أكبر فى الآونة الأخيرة حتى أنها كانت أحد أسباب خفض صندوق النقد الدولى لآفاق نمو الاقتصادات المتقدمة العام الجارى.
لكن من المتوقع أن تساعد الأزمة فى فتح أسواق جديدة لمنتجات الاقتصادات الصاعدة والنامية، لاسيما وأن الدول المصنعة التى تواجه مشكلة فى الوفاء باحتياجاتها من السلع والمواد الخام من أسواقها التقليدية بدأت تلجأ لمقاصد أخرى بديلة لتعويض ما لديها من نقص.
ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن الصادرات المصرية استفادت إيجابيا من مشكلة اضطرابات الإمدادات العالمية، واتضح هذا جليا فى بيانات التجارة الخارجية التى أصدرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مؤخرا، وكانت الزيادة الأكبر فى صالح صادرات المنتجات غير البترولية.
السويفى: طفرة فى بعض القطاعات بمجالات الأسمدة والحديد والصلب والبتروكيماويات ومواد البناء والكيماويات
وقالت رضوى السويفى، رئيس قطاع البحوث فى بنك الاستثمار الأهلى فاروس لـ«المال» إن الصادرات المصرية استفادت بصورة إيجابية من المشكلات التى تعانيها سلاسل الإمداد العالمية حاليا، مضيفةً أن بعض القطاعات شهدت طفرة.
وتابعت أن الشركات المصدرة العاملة فى مجالات الأسمدة والحديد والصلب والبتروكيماويات ومواد البناء والكيماويات استطاعت الوصول إلى العديد من الأسواق الأخرى.
و العكس صحيح بالنسبة للشركات المستوردة للمواد الخام نتيجة ارتفاع حجم نفقاتها بسبب زيادة أسعار المواد الخام عالميا، لكن تلك الشركات كانت قد لجأت بصورة مسبقة لتخزين مجموعة من المنتجات، وهو ما عاد عليها بالنفع واستطاعت حماية التكاليف نسبيا من أى مشكلة نتيجة أزمة سلاسل التوريد.
الإحصاء: زيادة الصادرات فى أول 9 شهور من 2021 أعلى من ارتفاع الواردات
وأظهرت بيانات حديثة صادرة عن جهاز «الإحصاء» ارتفاع إجمالى قيمة الصادرات المصرية بنسبة %40 فى التسعة شهور الأولى من العام الجارى لتسجل نحو 29.7 مليار دولار مقابـل 21.2 ملـيار خلال الفترة المقابلة من العام الماضى، وكانت نسبة ارتفاع الصادرات خلال تلك الفترة أكثر من تلك التى شهدتها الواردات المصرية البالغة نسبتها %16 وسجلت نحو 61 مليـار مقابل 52.4 ملـيار فى فترة المقارنة السابقة.
أبوهند: ازدياد الأزمة العالمية حاليا نتيجة إعادة فتح اقتصاديات الدول
ومتفقا مع «السويفى»، قال أيمن أبو هند، الشريك المؤسس ومدير الاستثمار لشركة «Advisable » الأمريكية للاستثمار، إن الشركات المصرية العاملة فى مجال التصدير استفادت من تلك الأزمة العالمية.
وأشار إلى أن تداعيات الأزمة على السوق المحلية تمثلت فى زيادة مدة تسليم طلبيات الواردات التى أصبحت تصل إلى 12 أسبوع تقريبا مقابل ما يتراوح بين 4 إلى 6 أسابيع سابقا ما جعل الموردين يلجأون إلى زيادة حجم الطلبية الواحدة وما لديهم من مخزون للوفاء باحتياجات عملائهم ولعلمه بأن الطلبيات الأخرى ستأخذ وقتا لحين وصولها.
وتابع أن هذا الأمر أدى أيضا لارتفاع حجم الواردات، وأضاف أنه قبل تفشى وباء كورونا كان المستوردون يستهدفون تقليل ما لديهم من مخزون وهو الأمر الذى اختلف حاليا، مشيرا إلى أن أزمة سلاسل التوريد تزايدت فى الوقت الحالى عالميا نتيجة اتجاه الدول لإعادة فتح اقتصاداتها بعد غلقها أوائل العام الماضى لمواجهة تفشى جائحة كورونا، ولذا فهى تعاود العمل مرة أخرى وافتتاح مخازن وتوظيف عمالة جديدة لاستيعاب الطلبيات المتزايدة على السلع والخدمات لدرجة أن شركات اللوجستيات لا تستطيع مواجهة تلك الطلبيات المرتفعة.
وذكر أن اضطرابات سلاسل التوريد كانت قد ظهرت عقب بداية تفشى وباء كورونا ؛ نتيجة إغلاق الدول وكانت السفن والشركات لا تعمل وقتها لكن كان المخزون الموجود لدى الدول يغطى احتياجاتها الغذائية والصناعية.
لكن تزايدت المشكلة حاليا بصورة أكبر عن الفترة التى تلت كورونا مباشرة وارتفعت أسعار المنتجات، وأصبحت البنوك المركزية للدول بين مشكلتين تتمحوران حول كيفية ضبط المعادلة بين معدلات التضخم وأسعار الفائدة لأنه فى حال زيادة الأخيرة فستتوقف الاقتصادات.
وأكد أن المشكلة فى تلك الأزمة العالمية هى ضبابية الموقف وعدم معرفة آفاقها المستقبلية، لاسيما وأن المعروض المتوفر حاليا من السلع أقل من حجم الطلب.
وأفادت وسائل الإعلام بخفض صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو للاقتصاد العالمى العام الجارى إلى 5.9 % نتيجة أزمة سلاسل التوريد ليصل إلى 4.9 % العام المقبل، كما قلص توقعات نمو الاقتصاد الأمريكى بنقطة كاملة هذا العام.
وقالت سوزان لوند، شريك بمعهد ماكينزى العالمى، إن هناك العديد من الطرق لجعل سلاسل القيمة أكثر مرونة عن طريق الاحتفاظ بمزيد من مخزون المكونات المهمة، وتبسيط تصميمات المنتجات ومشاركة المكونات عبر كل المنتجات، ورقمنة سلسلة التوريد لتحسين الشفافية فيما يتعلق بالمخاطر المحتملة وإضفاء الطابع الإقليمى على الإنتاج بالقرب من مكان بيع السلع.
و أضافت فى مقالة نشرتها ضمن التقرير السنوى لمنظمة التجارة العالمية لعام 2021، الصادر مؤخرا، أن وباء كورونا دفع صناع السياسات فى جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ إجراءات تركز على السلع والتقنيات التى تعتبر ضرورية للأمن الاقتصادى القومى.
وكانت المقالة بعنوان «كيف يمكن لسلاسل التوريد الأكثر مرونة إعادة تشكيل التجارة العالمية؟».
وتابعت إنه نتيجة لكل من الحسابات الاقتصادية للشركات والتغيرات فى مشهد السياسات، تتغير تدفقات التجارة العالمية، ويقدر مركز أبحاث ماكنزى أن ما يتراوح بين 15 إلى 25 % من تجارة السلع عالميا يمكن أن تتحول إلى بلدان مختلفة على مدى السنوات الخمس المقبلة فى سيناريو تصبح فيه سلاسل القيمة أكثر توجها إقليميا.
وأشارت أن هذا السيناريو لا يعنى أن العولمة قد ماتت، أو حتى أن التدفقات التجارية العالمية سوف تتضاءل ولكن من الممكن أن تشارك مجموعة أوسع من البلدان فى سلاسل القيمة العالمية فى السنوات المقبلة.
علاوة على ذلك، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من التعاون الدولى – وليس أقل – لرصد الصدمات ذات الطابع العالمى والتخفيف منها مثل الأوبئة وتغير المناخ.
وقالت إن الاقتصاد العالمى ونظام التجارة صمدا بشكل أفضل مما توقعه الكثيرون فى مواجهة الجائحة، مشيرة إلى أننا الآن لدينا فرصة للبناء على هذا النظام وليس التخلى عنه.
واستعرضت فى مقالتها عددا من الأزمات التى أثرت على التجارة العالمية العام الجارى وكان بينها إغلاق عمليات خط أنابيب غاز رئيسى على طول الساحل الشرقى للولايات المتحدة نتيجة هجوم إلكترونى، مضيفةً أنه فى فبراير الماضى أدت درجات الحرارة المنخفضة بشكل غير عادى وانقطاع التيار الكهربائى فى تكساس إلى تعطيل عدد من مصانع البتروكيماويات، مما أدى إلى نقص فى المواد البلاستيكية والراتنجات الرئيسية لمجموعة من الصناعات.
وأشارت إلى أن النقص العالمى فى عدد من مكونات الإنتاج فى ضوء تقلب الطلب الناتج عن وباء « COVID-19 »أدى إلى قيام شركات السيارات حول العالم بتقليص الإنتاج، مضيفةً أن هذه الحوادث ليست مجرد سلسلة من سوء الحظ، بل هى أحدث التذكيرات بالضعف المحتمل لسلاسل التوريد العالمية التى سببتها الجائحة وقفزت بها إلى قمة جداول أعمال الرؤساء التنفيذيين.
وغالبًا ما تمتد سلاسل القيمة الصناعية لآلاف الشركات، وتعكس مسبباتها التخصص والوصول إلى الأسواق الاستهلاكية حول العالم والعلاقات الطويلة الأمد وحجم الاقتصاديات.
شريكة بمعهد ماكينزى : هناك العديد من الطرق لجعل سلاسل القيمة أكثر مرونة
وتوصلت الأبحاث التى أجراها معهد «ماكينزى» العالمى العام الماضى إلى أن شركات التصنيع «فى المتوسط» تتوقع حدوث اضطراب فى الإنتاج لمدة تصل إلى أسبوعين كل عامين، ولفترات تتراوح من شهر إلى شهرين كل 3.7 سنة، وهذه الاضطرابات مكلفة؛ فعلى مدار عقد من الزمان، يمكن أن تتوقع الشركة خسارة ما يقرب من نصف أرباح عام بسبب اضطرابات سلسلة التوريد، وتدرس الشركات بنشاط طرق تقليل نقاط الضعف وتمكين ردود الفعل السريعة.