أجمع خبراء ومحللون فى بنوك الاستثمار على أن ضبابية المشهد الاقتصادى العالمى فى ظل فيروس كورونا وانعكاسه السلبى على الأنشطة الحيوية مثل السياحة والتجارة والتحويلات يحول دون التنبؤ بشكل دقيق بآداء الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى، لاسيما وأن المعطيات الاقتصادية تتغير بشكل شهرى .
أشاروا إلى أن المسئولين عن إدارة الاقتصاد فى أكثر الدول تقدمًا لا يستطيعون وضع سيناريوهات دقيقة لفترات طويلة فى الوقت الحالى فى ظل استمرار أزمة كورونا، وهو ما يصعب الوضع بشكل كبير على مستوى توقع عودة التدفقات النقدية الأجنبية لمصر.
وقالوا إن مصر نجحت فى تأمين جزء من الفجوة التمويلية للعام الجارى عبر صندوق النقد الدولى والسندات الدولية، مشيرين إلى ضرورة الالتزام بسداد أقساط القروض الخارجية فى موعدها المحدد وعدم طلب الجدولة أو مد فترات السداد للحفاظ على الثقة الدولية والسمعة التى تتمتع بها الحكومة المصرية فى أوساط المقرضين .
يشار إلى أن احتياطى النقد الأجنبى تراجع بنحو مليار دولار ليصل إلى 36 مليار دولار تقريبًا مقابل 37.04 مليار بنهاية أبريل السابق عليه، وفقًا لبيانات البنك المركزى، وبهذا المستوى يكون الاحتياطى فقد نحو 9 مليارات دولار من قيمته فى الثلاثة أشهر الأخيرة.
فى الوقت ذاته، نجحت مصر فى الحصول على قرض عاجل من صندوق النقد الدولى بقيمة 2.77 مليار دولار منذ نحو شهر، قبل أن تحصل يوم الجمعة قبل الماضى على موافقة الصندوق للحصول على قرض جديد بقيمة 5.2 مليار دولار لأجل عام ضمن حزمة مواجهة «كورونا»، طرح سندات خارجية بقيمة 5 مليارات دولار .
ومن المتوقع أن تطرح مصر سندات دولية جديدة بقيمة 4 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة حيث أعلنت وزارة المالية فى بداية الأزمة احتياجها تمويلات من السوق الدولية بنحو 9 مليارات دولار.
وبحسب بيان سابق، أعلن البنك المركزى أنه والحكومة المصرية اتخذا إجراءات استباقية وحاسمة للحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادى، وتم التقدم بطلب لصندوق النقد الدولى للحصول على حزمة مالية طبقا لبرنامج أداة التمويل السريع، وبرنامج اتفاق الاستعداد الائتمانى.
وذكر أن هذين البرنامجين من شأنهما تعزيز قدرة مصر على مواجهة أى صعوبات اقتصادية متوقعة، وكذلك حماية القطاعات الأكثر عرضة لأضرار انتشار فيروس كورونا.
محمد عبد العال: 36 إلى 37 مليارا بنهاية العام وعودة نشاط السياحة والتحويلات غير متوقع
وتوقع محمد عبد العال، الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، أن يظل مستوى احتياطى النقد الأجنبى فى مصر بين 36 إلي 37 مليار دولار حتى نهاية العام الجارى، مع إمكانية استخدام 5 مليارات فى احتياجات الدولة وتعويضهم من خلال بيع السندات لدعم الفجوة التمويلية .
واستبعد عودة موارد العملات الأجنبية سواء على مستوى السياحة أو تحويلات المصريين فى الخارج أو التصدير بشكل قوى حتى نهاية العام الجارى .
وفيما يتعلق باحتمالية لجوء مصر لإعادة جدولة أو تأجيل سداد بعض المديونيات المستحقة خلال الشهور المقبلة رجح «عبد العال» أن تكون الإدارة المصرية غيرمتحمسة لهذه الفكرة طالما هناك قدرة على السداد إلا إذا كانت هناك دعوة رسمية من تجمعات دولية يمكن المشاركة فيها .
ووصف الفترة الحالية بالضبابية، مشددًا على أنها تسقط فيها حسابات التخطيط الإستراتيجى حتى فى أقوى دول العالم اقتصاديًا لذلك فإن التنبؤ بحركة الاقتصاد المحلى والعالمى خلال الأشهر الستة المقبلة لن تكون مجدية .
وضرب مثالا بتصريحات محافظ البنك المركزى الأمريكى الذى قال إن نحو 24 مليون أمريكى فقدوا وظائفهم منذ ظهور أزمة كورونا، لافتًا إلى أن الإدارة الاقتصادية فى الولايات المتحدة توقعت بدء عودة الوظائف فى يونيو الجارى، إلا أنها وجدت أن الأمر بدأ يعود فى منتصف مايو وهو ما يعكس عدم اليقين وفشل التوقعات فى هذه المرحلة.
وفيما يتعلق باحتمالية عودة السياحة أو وجود تحويلات قوية من المصريين خلال النصف الثانى من العام الجارى، أكد أن السياحة يجب أن تنشط بتحركات متبادلة بين الدول فإذا قامت مصر بالسماح بعودة الأفواج فهل ستكون هناك تحركات مقابلة من الدول الأخرى، لاسيما فى ظل حالة عدم الثقة بين المواطنين على مستوى العالم.
وانخفضت التدفقات النقدية إلى مصر بشكل كبير منذ أزمة كورونا حيث قال رامى أبوالنجا، نائب محافظ البنك المركزى، فى تصريحات تليفزيونية خلال شهر مايو الماضى، إن الأجانب سحبوا نحو 17 مليار دولار من السوق المحلية .
بينما تشير البيانات الرسمية للبنك المركزى إلى أن استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة فقدت نحو 10.42 مليار دولار خلال شهر مارس الماضى فقط نتيجة أزمة انتشار فيروس كورونا مما أثر على توجهات المستثمرين فى العالم وأحدث اضطرابات عالمية .
وأظهر تقرير صادر عن البنك المركزى أن إجمالى استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة سجل 9.48 مليار دولار بنهاية مارس الماضى مقابل نحو 19.897 مليار بنهاية فبراير الماضى، بتراجع قدره 10.42 مليار وذلك لأول مرة منذ أكتوبر 2019 .
وعلى مستوى تقرير الأصول الأجنبية قال البنك المركزى إن فائض صافى الأصول الأجنبية الإجمالى هبط للشهر الثانى مسجلا مستوى قياسيًا عند 3.04 مليار دولار بنهاية أبريل الماضى مقابل 8.17 مليار بنهاية مارس السابق عليه، بتراجع قدره 5.13 مليار .
وبهذا المستوى يكون فائض صافى الأصول الأجنبية فقد نحو 21.6 مليار دولار خلال شهرى مارس وأبريل بسبب أزمة كورونا التى عصفت باستثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية وأثرت سلبًا على تدفقات العملات الأجنبية من مصادرها المختلفة سواء السياحة أو تحويلات المصريين العاملين بالخارج .
ووفقًا لبيانات حديثة صادرة عن البنك المركزى فإن إجمالى الأصول بالعملات الأجنبية الإجمالى فى مصر بلغ 49.45 مليار دولار بنهاية أبريل الماضى مقابل 52.01 مليار بنهاية مارس السابق عليه، بانخفاض 2.6 مليار، وكانت الأصول تسجل 67.9 مليار فى فبراير .
فى الوقت ذاته، ارتفعت الالتزامات بالعملات الأجنبية إلى 46.41 مليار دولار بنهاية أبريل الماضى مقابل 43.84 مليار بنهاية مارس السابق عليه، بزيادة قدرها 2.6 مليار دولار .
رضوى سويفي: التكهن بالآداء صعب فى ظل تغير المعطيات الاقتصادية شهريا
فى سياق متصل، قالت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث بشركة فاروس القابضة، إن التكهن بوضع الاحتياطى خلال النصف الثانى من العام الجارى فى ضوء الالتزامات المستحقة على الدولة والفجوة التمويلية صعب للغاية .
وتوقعت أن تسعى الحكومة إلى إعادة تمويل بعض الأقساط ومد فترات السداد لاسيما وأن أزمة كورونا لم تكن متوقعة تمامًا مع بداية العام الجارى، واصفة الظروف التى يمر بها الاقتصاد المصرى والعالمى بغير العادية .
وأكدت أن التدفقات النقدية من الموارد الحيوية مرتبطة ارتباطا وثيقا بعودة الثقة لدى المواطنين فعودة السياحة تعتمد على ذلك، كما أن تحويلات المصريين تتوقف على وضع اقتصاديات الخليج وأدائها وهو أمر يصعب التكهن به.
وقالت إنه فى كل شهر تتغير المعطيات الاقتصادية بشكل كبير وهو ما يجعل من الصعب تحديد مستوى معين للاحتياطى خلال الفترة المقبلة .
من ناحيته، قال طارق متولى، الخبير المصرفى ونائب رئيس بنك بلوم السابق، إن الحكومة نجحت فى تأمين تدفقات نقدية تكفى للعام الجارى وتغطى الفجوة التمويلية المقدرة بين 12-8 مليار دولار، لذلك حصلت على 2.7 مليار من صندوق النقد الدولى و5 مليارات حصيلة طرح سندات دولية، واتفقت على 5.2 مليار مع صندوق النقد يتم الحصول عليهم خلال عام .
وأشار إلى أن هذه التمويلات قادرة على تغطية الفجوة التمويلية خلال العام الجارى ثم يتم إعادة النظر فى الوضع مع بداية العام المقبل ومعرفة ما ستؤول إليه أزمة كورونا، وكيف سيتعامل الاقتصاد مع محاولات التشغيل التى تسعى إليها حكومات العالم .
وفيما يتعلق بإمكانية إعادة جدولة بعض الديون لم ير طارق متولى حاجة لذلك فى ظل السمعة الجيدة التى تتمتع بها مصر بين المقرضين الدوليين، وهو ما مكنها من طرح سندات بقيمة 5 مليارات دولار وأقبل عليها المستثمرون بشكل كبير .
طارق متولي: التزام مصر بسداد التزاماتها بشكل دورى ضرورى للحفاظ على ثقة المقرضين
وتابع: “من الممكن أن يتم مد فترة سداد بعض الديون العربية والودائع فى ظل العلاقات الجيدة مع مصر لكن المقرضين الدوليين يفضلون الالتزام بفترات السداد فى ظل السمعة التى تتمتع بها مصر والتزامها تاريخيا بسداد ديونها وعدم تخلفها إطلاقا لأى سبب” .
وتشير أحدث بيانات عن الدين الخارجى المصرى إلى أنه ارتفع حوالى 16.1 مليار دولار خلال العام الماضى وبنسبة %16.6 ليسجل نحو 112.67 مليار دولار بنهاية 2019 مقابل حوالى 96.6 مليار بنهاية 2018.
وأظهرت البيانات أن الدين الخارجى المستحق على مصر ارتفع بنحو 3.31 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام الماضى فقط .
وأوضحت بيانات البنك الدولى أن %89.9 من الدين الخارجى المصرى مصنف كطويل الأجل، وتبلغ قيمته نحو 101.4 مليار دولار، بينما تبلغ النسبة المتبقية والبالغة قيمتها 11.3 مليار دولار ضمن الديون قصيرة الأجل التى تسدد خلال عام.
وقالت وحدة أبحاث بنك الاستثمار “بلتون” إن التراجع الذى سجله صافى احتياطى مصر من النقد الأجنبى خلال شهر مايو المنقضى جاء أقل من توقعاتها البالغة 2 مليار دولار.
وذكرت “بلتون” أن تراجعات شهر مايو جاءت نتيجة الحاجة إلى تغطية الطلب على العملة الأجنبية لواردات السلع الأساسية، متأثرة بالعوامل الموسمية المعتادة لنشاط الواردات فى الربع الثالث عادة.
فى الوقت نفسه، ارتفعت الاحتياطيات غير الرسمية بواقع 1.8 مليار دولار مسجلة 10.3 مليار فى مايو، ليعكس جزءا من قرض صندوق النقد الدولى بقيمة 2.8 مليار الذى حصلت عليه مصر منتصف الشهر الماضى.
وأشارت “بلتون” إلى أن معدل تغطية صافى احتياطى النقد الأجنبى من الواردات لايزال أعلى من المستوى التاريخى المنخفض بنحو 3.1 شهر فى 2011، وهو أيضاً الحد الأدنى المحدد من صندوق النقد الدولى.
بلتون: قرض صندوق النقد والسندات يعززانه ويوفران دعمًا للعملة المحلية
وأوضحت أن قرض صندوق النقد المتوقع بنحو 5.2 مليار دولار إلى جانب السندات الدولارية بواقع 5 مليارات سيمنعان نفاد الاحتياطى وسيوفران بعض الاستقرار لسعر الجنيه.
ولفتت الورقة البحثية إلى أن الاتفاق المتوقع مع صندوق النقد الدولى لمدة 12 شهرا سيؤدى إلى وصول إجمالى التسهيلات التمويلية إلى حوالى 13 مليار دولار منذ تفشى فيروس كورونا، مقابل التدفقات الخارجية المقدّرة بأكثر من 20 مليار دولار مقابل فاتورة الواردات المقدّرة بحوالى 22 مليارا.
وقلص احتياطى النقد الأجنبى من تراجعاته خلال شهر مايو المنقضى وفقد نحو مليار دولار فقط ليصل إلى 36 مليارا تقريبًا مقابل 37.04 مليار دولار بنهاية أبريل السابق عليه، وفقًا لبيانات البنك المركزى.
يأتى ذلك بعدما فقد احتياطى النقد الأجنبى نحو 5 مليارات دولار فى مارس ونحو 3 مليارات خلال أبريل.
وفى أبريل الماضى، قال البنك المركزى فى بيان إن تداعيات انتشار فيروس كورونا استمرت على الأسواق العالمية للشهر الثانى والتى على أثرها تواصلت عمليات التخارج لاستثمارات الصناديق المالية الأجنبية من الأسواق الناشئة وكذلك الأسواق المصرية خلال شهر أبريل الماضى، وإن كانت بوتيرة أقل من الشهر السابق الذى شهد ذروة التخارج من المحافظ الاستثمارية .
هيرميس: الحكومة نجحت فى تغطية جزء كبير من الفجوة التمويلية والاحتياطى آمن
وأكد أحمد شمس الدين، رئيس قسم البحوث بالمجموعة المالية هيرميس، أن حجم احتياطى مصر من النقد الأجنبى لايزال فى المعدلات الآمنة ويكفى لفترة تتراوح بين 18 و24 شهرًا، لافتًا إلى أن الانخفاض الأخير جاء أقل من المتوقع.
وأوضح أن الفجوة التمويلية للدولار فى مصر فى حدود 17 مليارا تمت تغطية معظمها عبر الاتفاق المالى مع صندوق النقدى الدولى، وطرح السندات الدولية.