كتابات صيفية

كتابات صيفية
حازم شريف

حازم شريف

10:55 ص, الأحد, 27 يوليو 03

حين يأتي موسم الصيف تشتد حرارة الجو وتهدأ حركة مجتمع الأعمال.

الجميع خارج البلاد أو علي الأقل خارج المدينة.

وعليك أن تهيئ أذنيك جيدا، لاستقبال عبارات من نوعية، إجازة نهاية الأسبوع “Week End- ويقصد بها السفر بعد ظهر يوم الخميس والعودة بعد ظهر السبت- أو إجازة نهاية الأسبوع الطويلة “Long Week End- ويقصد بها انتهاز فرصة ظهور يوم إجازة في نهاية أو حتي منتصف الأسبوع لإلغاء ما قبله أو بعده من أيام عمل والتمتع بالسفر لقضاء إجازة طويلة نسبيا-.

وتبقي لمن هم علي شاكلتي من الصحفيين متعة الانتظار!

محاولة اقتناص خبر من هنا أو هناك علي لسان مصدر مغادر، أو عائد حديثا من إجازة، ليباشر عمله بنفسه لعدة أيام، قبل أن يعاود السفر من جديد.

لا شيء بمقدوره أن يفسد عليك متعة الانتظار «المزعومة».. إلا رغبتك «الملعونة» انت بدورك في السفر.

حاول كما شئت أن تجتث هذه الرغبة!

اسحب ديوان «ثورة نهد» لنزار قباني من رف مكتبتك، ورتله في شغف، متخيلا نفسك وحدك في الصباح الباكر علي شاطئ البحر الهادئ في أعقاب سهرة ليلية صاخبة.

لن يستطيع ذلك انتزاع رغبتك في السفر.

اجلب شريط فيروز المتهالك من درج المكتب، وحاول أن تعزي نفسك،  بسماع «شط اسكندرية» أغنيتك المفضلة وانت تلتهم طريقك إلي مقصدك الصيفي.

لن يغنيك ذلك عن عدم تحقيق رغبتك المكبوتة.

قدم لنفسك تبريرات متهافتة، فخم فيها كما تشاء، اجعل نفسك شهيد المهنة أو قديسها، مجد في الدور الذي تلعبه، صور ذاتك شمعة تحترق من أجل الآخرين، راهبا في محراب الصحافة، قبطانا لسفينة صاحبة الجلالة.. اطلق العنان لهلاوسك المثالية غير الحقيقية عن طبيعة ما تقوم به من عمل كما تشاء.. فلن يجديك هذا أيضا.

لا شيء كفيل بانقاذك من فخ الانتظار، ولا حتي وعودك الكاذبة المتكررة لنفسك، بترك كل ذلك، والسفر اليوم أو غدا أو الأسبوع القادم أو حتي بعد شهر.

سأسافر بعد أن انتهي من هذه القصة الخبرية، أو عقب مراجعتي لهذا الموضوع، أو اطمئناني لدقة المعلومات الواردة في ذلك التحقيق، أو بعد أن يعود فلان من إجازته، أو أن يفوق علان من غيبوبته.. ثم وعود،  ووعود تلي وعود، ولا تزال قابعا لا تراوح مكانك، وكأنك ملتصق به، بمادة رخوة لينة، تعجز حرارة الجو أن تنال من لزوجتها، لتفك أسرك منها.

تتحول الإجازة في ذهنك إلي صورة تاريخية لأوقات سعيدة، تتمناها بقدر خوفك منها، وكأنك تخشي أن تعود لتذوب في طراوتها، فتفقد قدرتك علي الاستنفار من جديد!

تتخيل نفسك رقما هاما في معادلة أكثر أهمية، وربما تكون صفرا كبيرا في معادلة عبثية.

تبذل جهدا مهولا في اقناع من حولك، زملائك، أصدقائك، أقاربك، مرؤسيك، بأهمية مزاولتهم لحقهم في الحصول علي إجازة، فلا يثنيك ذلك عن ممارسة حقك العكسي في الانتظار!

تجزل الوعود لحبيبتك بمرافقتها في رحلة مجنونة لا يحين موعدها أبدا، فتقع هي الأخري- ولكن إلي حين- في شرك الانتظار.

تدلف إلي جوارك كالقطة الصغيرة، فتتلو عليها شعر نزار:

وعدتك أن لا أحبك..

ثم أمام القرار الكبير، جبنت

وعدتك أن لا أعود..

وعدت..

وأن لا أموت اشتياقا

ومت

وعدت مرارا..

وقررت أن استقيل مرارا

ولا اتذكر أني استقلت..

وعدت بأشياء أكبر مني..

فماذا غدا ستقول الجرائد عني؟

أكيد ستكتب أني جننت..

أكيد ستكتب أني انتحرت

وعدتك..

أن لا أكون ضعيفا.. وكنت

وأن لا أقول بعينيك شعرا..

وقلت..

وعدت بأن لا..

وأن لا..

وأن لا..

وحين اكتشفت غبائي.. ضحكت

حاول بقدر استطاعتك أن تحلق بها بعيدا.. لكنك لن تملك القدرة علي مجرد الابتسام- وليس الضحك- حين تكتشف في نهاية المطاف انك قد هويت وحيدا في محراب معبد انتظارك المقدس!