كبير العائلة المصرية.. كلاكيت ثانى مرة

10:43 ص, الخميس, 14 أبريل 16

جريدة المال

المال - خاص

10:43 ص, الخميس, 14 أبريل 16


«كبير العائلة المصرية».. كان هذا هو اللقب الذى اختاره الرئيس أنور السادات لنفسه فى أواخر عهده، مقرنا اياه بفكرة ضرورة الحفاظ على «أخلاق القرية» التى كان من الواضح أنه يفهمها وفق التعبير الشعبى الشهير «العين ما تعلاش على الحاجب»، أما من يتخطى «أخلاق القرية» تلك فليس له إلا «قانون العيب» الذى أصدره «الرئيس المؤمن» لـ«أهل العيب» (أو أهل الشر) من وجهة نظره.

ذكريات اقتحمت ذهنى عنوة وأنا أتابع ما سمى بـ«لقاء الأسرة المصرية»، وهو اللقاء الذى جمع الرئيس عبد الفتاح السيسى بالأمس بمجموعة من رؤساء الكتل البرلمانية ورؤساء نقابات مهنية وعمالية واعلاميين ممثلين للقنوات التلفزيونية ورؤساء لبعض المراكز والمنظمات الحقوقية، وذلك للتحدث معهم حول مجموعة من القضايا الساخنة، ومنها : قضية تسليم الجزيرتين للسعودية، وقضية مقتل رجينى، وسجل مصر الحقوقى .. وغيرها من القضايا .

و اللافت للانتباه أن هذا اللقاء الذى لم يعلن عنه إلا منذ يومين (وهو ما يدل على استشعار السلطة بوجود حالة توتر شديد فى الرأى العام ) كانت التسمية المتداولة له قبل عقده هى «اجتماع الرئيس مع ممثلى المجتمع المصري»، لكن فجأة تغيرت تسمية اللقاء لتصبح «لقاء الأسرة المصرية»، وهى التسمية الأكثر تعبيرا عن الروح التى سادت هذا اللقاء .

و الحقيقة هى أن هذه «الروح الأسرية أو العائلية» تعطى الحكم وضعا «بطريركيا» أو أبويا آمرا ومحصنا من المساءلة، يختلف جذريا عن المفاهيم التى تتأسس عليها قواعد الدول الديمقراطية الحديثة، والتى تقوم على علاقة المواطنة التى تفرض حقوقا متساوية للمواطنين أمام القانون، يلتزمون فى مقابلها بواجبات حيال الدولة، أما الحاكم فليس سوى موظف كبير بالدولة، يأتى الى الحكم عبر التنافس الانتخابى ، ويغادره بعد مدة أو مدد محددة، ويخضع للمحاسبة أمام المواطنين بصفته موظفا لديهم وليس بصفته أبا أو أخا كبيرا لهم، وبالتالى لا يملك الرئيس أو موظف أى ما كانت درجته فى الدولة أن يقول كما قال السيسى بنبرة آمرة للاعلاميين والنخب: “عن الجزيرتين .. مش عايزين كلام فى الموضوع دا تانى.. فيه برلمان أنتم اخترتوه هيناقش هذه الاتفاقية يمررها أو لا ” !!

ولعل المشهد الأخير قبل قطع الارسال التلفزيونى يكون الأكثر تعبيرا عن الروح الأبوية – أو البطريركية – التى أدار بها الرئيس هذا اللقاء الذى كان البعض يتصور انه سيكون نوعا من الحوار المجتمعى – فإذا به يتحول الى توجيه من قائد عسكرى لجنوده، وتجلى ذلك عندما حاول أحد الحاضرين التحدث فأجابه الرئيس بصرامة : أنا لم أعط الإذن لأحد كى يتكلم، لينقطع البث التلفزيونى بعدها مباشرة !!

وهكذا انتهى اللقاء الذى كان من المفترض أنه سيأخذ شكل الحوار الوطنى لتناول الأحدث والقضايا الخطيرة التى مرت بها البلاد مؤخرا، فإذا به يتحول الى “مونولج” أى حديث مطول من طرف واحد، دون اتاحة أية فرصة للطرف الآخر – الذين هم ” ممثلى المجتمع المصرى ” على حد التسمية السابقة لهذا اللقاء – للرد أو التعليق !!

كما تتجلى هذه الروح الأبوية المتعالية أيضا فى تحليل ما تكشف من خطاب الرئيس حول كيفية اتخاذ قرار بحساسية وخطورة تسليم الجزيرتين الى السعودية، حيث كشف انه قد تم عقد 11 جلسة عمل حول الجزيرتين دون أن يتم الاعلان عنها من قبل الرئاسة، وذلك حتى لا يثير هذا جدلا غير مرغوب فيه !!

و لأن الأب حكيم دائم ولا يخطئ، فقد أوضح هذا اللقاء – ومن جديد -طبيعة إدراك الحكم فى مصرللأسباب والأزمات التى يمر – هو والبلاد – بها، كأزمة مقتل الشاب الايطالى والاضطراب والبلبلة التى حدثت بعد الإعلان المفاجئ عن تسليم الجزيرتين الى السعودية.. وغيرها من الأزمات، وهذا الادراك قائم على فكرة التقسيم المبسط الشهير: الأخيار فى مقابل الأشرار (فسطاط الإيمان فى مقابل فسطاط النفاق أو الكفر لدى الاسلاميين) .. (معسكر الخير فى مقابل معسكر الشر لدى جورج بوش الابن )، ووفقا لهذا الإدراك فإن ما يحدث لنا هو نتاج تآمر «أهل الشر».. وتجاوز الإعلام.. وأحاييل اللجان الالكترونية الإخوانية على السوشيال الميديا، لكنها.. أبدا .. أبدا ليست نتاج أى أخطاء من جانبنا، أى الجانب الحكومى.

وتجلى هذا الادراك عندما تحدث الرئيس عن الافتتاح المرتقب لبعض المشروعات وقال : ” فى 25 ابريل هنفتتح مشاريع كتير وأرجو إننا منقلش “السجادة الحمرا ونركز على اللى إحنا بنعمله”، مشيرا الى واقعة فرش سجادة عملاقة لتسير عليها سيارة الرئيس أثناء افتتاحه لبعض المشاريع .. وهكذا تم القاء اللوم على الإعلام وليس على من نظم ورتب لهذا الفعل المستفز الذى يدل على افتقاد أى حس سياسى أو إعلامى يمكنه من إدراك أن فرش مثل هذه السجادة الهائلة، لتسير عليها السيارة الرئاسية، فى احتفالية يتحدث فيها الرئيس عن ضرورة ربط الأحزمة، هو أمر غاية فى الاستفزاز، ولابد وأن يخطف انتباه الجميع!!

وهو نفس الأمر الذى تكرر بالنسبة لواقعة مقتل رجينى، حيث ألقى الرئيس اللوم على الإعلام، متجاهلا غرائبية الأداء الأمنى فى هذه القضية، بدءا من إعلان الداخلية اكتشافها عصابة متخصصة فى خطف الأجانب معها مستندات رجينى (وهو ما تراجعت عنه الداخلية بعد عدم تصديق ايطاليا لهذه الرواية ) ووصولا للوفد الأمنى الذى ذهب لروما بملف تحقيقات باللغة العربية مدونا بخط اليد، وكأنه يقول لجهات لتحقيق الايطالية : «أدى اللى عندنا ..وإن كان عاجبكم بقى».

أبانا الذى فى الاتحادية .. إحنا مش عاجبنا.

[email protected]

جريدة المال

المال - خاص

10:43 ص, الخميس, 14 أبريل 16