في 3 أيام فقط تحولت كازاخستان الدولة الغنية الهادئة والثقيلة في محيطها إلى نقطة ملتهبة بسبب قرار لم يراع ظروف التضخم.
ووفقا لبي بي سي، بدأت الأحداث في كازاخستان عندما قررت الدولة الغنية بالنفط والغاز والمعادن، يوم الأحد الماضي، رفع أسعار غاز البترول المسال.
وغاز البترول المسال هو الوقود المستخدم في كثير من السيارات بكازخستان، وقد أدى رفع سعره بالتالي إلى قفزة بأسعار سلع استهلاكية أخرى.
ورغم أن الاحتجاجات على هذا القرار بدأت في منطقة واحدة فقط، إلا أنها سرعان ما استشرت في بقية كازاخستان لتصبح البلاد نقطة ملتهبة بحلول يوم الثلاثاء.
لجأت الشرطة للغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت، لكنها لم تكفي لردع المتظاهرين فاُعلنت الحكومة حالة الطوارئ يوم الأربعاء لكن الآلاف واصلوا انتفاضتهم قبل أن تسيل الدماء لاحقا من الطرفين وبالعشرات.
الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف الحكومة، ألقى باللائمة على حكومته، وأصدر قرارا بحلّها ووعد بعودة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه، لكن المتظاهرون ردوا باجتياح مكتب عمدة “ألماتي” أكبر مدن البلاد وعاصمتها السابقة ثم تلى ذلك عمليات نهب وتخريب.
ماذا حل بكازاخستان الهادئة؟
بحسب “بي بي سي”، كازاخستان إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق، وأكثر البلاد تأثيرًا في منطقة آسيا الوسطى.
وتسهم كازاخستان بنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة. وغالبا ما يوصف نظام الحكم فيها بأنه سلطوي.
وتأتي كازاخستان في المرتبة التاسعة عالميا من حيث المساحة، لكن تعداد سكانها صغير نسبيًا عند 18.8 مليون نسمة.
وأعلنت كازاخستان استقلالها عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتي.
وتولى نور سلطان نزار باييف قيادة البلاد لسنوات عديدة كأول رئيس وزراء في عام 1984، بينما كانت كازاخستان لا تزال جمهورية سوفيتية.
بعد ذلك، أصبح نور سلطان رئيسًا عبر انتخابات غير مطعون في نزاهتها، وشهدت فترة حكمه عوامل تمجيد لشخصه، وشيدت تماثيل له في عدد من الميادين في أنحاء البلاد، وسُميت العاصمة الجديدة باسمه.
وفي عام 2019، تنحى نزار باييف عن السلطة، وسط مظاهرات نادرة مناوئة للحكومة، حاول الرئيس إخمادها بالاستقالة.
وجاء توكاييف، خلفًا لنزار باييف، عبر انتخابات مبكرة واجهت انتقادات من مراقبين دوليين.
وكان نزار باييف هو من صعّد توكاييف في مدارج السلطة.
وعلى الرغم من أنه لم يعد رئيسا لكازاخستان، لا يزال نزار باييف مؤثرا في المشهد الكازاخي. ويرى مراقبون أن المظاهرات الراهنة تمثل احتجاجا موجّها ضده في الأساس.
وتتمخض معظم الانتخابات في كازاخستان عن فوز الحزب الحاكم بنسبة تناهز أحيانا 100% من أصوات الناخبين، في غياب معارضة سياسية فاعلة.
مطالب المتظاهرين
وفقا لما نقلته “بي بي سي” عن ناشطين محليين فإن لدة المتظاهرين 5 مطالب أساسية هي تغيير حقيقي للحكومة، وانتخابات مباشرة لحكام المقاطعات (الذين يعيّنهم رئيس البلاد في الوقت الراهن)، وعودة دستور 1993 الذي حدّد فترات الرئاسة وسلطات الرئيس.
وأيضا عدم اضطهاد الناشطين المدنيين، وأخيرا السماح بشغل مناصب لشخصيات لا تربط بينها وبين النظام الحالي علاقة.
ولا يبدو أن لهذه المظاهرات قيادات واضحة. وبحسب مراقبين، تتم الإطاحة مبكرًا بكل المعارضين في كازاخستان، بحيث لا تتأتى فرصة لعملية انتخابات ديمقراطية حقيقية في البلاد.
التدخل الروسي
لاحقا، اتهم الرئيس توكاييف المتظاهرين بالانتماء “لعصابات إرهابية تلقّت تدريبًا في الخارج”.
وطلب توكاييف دعمًا من منظمة معاهدة الأمن الجماعي – وهي تحالف دولي يضم عددا من دول الاتحاد السوفيتي السابق بما في ذلك كازاخستان وروسيا.
ويعني ذلك أن قوات بقيادة روسية ستُنشر في كازاخستان من أجل إعادة الاستقرار إلى البلد الذي يشهد مظاهرات مناوئة للحكومة.
ولأنها ليست حليفًا تقليديا للغرب، لا يتوقع أن يجد المتظاهرين في كازاخستان دعما حقيقا من الغرب بخلاف التنديد.