احتفت جمعية محبي الشيخ إمام للفنون والآداب ليلة أمس بذكرى الكاتب الصحفي الراحل محمود عوض، المتوفى في 28 أغسطس 2009 بحضور عدد من أصدقاء وزملاء وأقران “عوض”.
أدار محمد خطاب؛ المشرف على جمعية محبي الشيخ إمام للفنون والآداب، اللقاء الذي تحدث به جمع من الصحفيين وشيوخ المهنة، وروى كل واحد منهم مواقفه مع محمود عوض التي أبرزت إنسانيته وتفوقه ونبوغه.
ورحب “خطاب” بالمتحدثين من الصحفيين، والذين كان من بينهم أسامة عرابي، وسهام بيومي، والدكتور نبيل عبد الفتاح، ومحمد عمر، ومحمد نوار، ونبيل صادق، وأيمن الحكيم، وحنان عمر، ووفاء حلمي، وطه عوض.
وقال أسامة عرابي؛ صحفي، إن عوض بعد تخرجه واجه أول اختبار عملي له، حينما رفض العمل بالنيابة العامة، مفضلًا الاشتغال بالصحافة، وبعد 8 أعوام أصبح نائبًا لرئيس تحرير “الأخبار”، بينما لم يكمل عامه الـ30 بعد.
وأشار إلى أن إحسان عبد القدوس اختار له لقب “عندليب الصحافة المصرية” مراهنًا عليه بأن يكون واحدًا من أبرز كُتاب الستينات، بعدما ظهر نبوغه في كتابة مقال بدلًا من أنيس منصور، بعدما تأخر الأخير عن إرسال مقاله بـ”أخبار اليوم”، فكتب عن أم كلثوم، مما أثار حفيظة وغيظ الكثيرين من أقرانه.
وألمحت سهام بيومي؛ صحفية، إلى أن إحسان عبد القدوس أوكل كتابة صفحة أسبوعية في “أخبار اليوم” بعنوان “شخصيات” لمحمود عوض، كان يحاور فيها رموز الفكر والثقافة والسياسة والدين والفن بمصر، بطريقة خاصة امتاز بها وبشكل لم تعهده الصحافة من قبل.
ويحكي محمود عوض في كتابه (شخصيات): “كان إحسان كبيرًا في ثقته فنانًا في أفكاره رقيقًا في لهجته، إنه لا يطلب، ولكن يقترح، لا يفرض، ولكن يثير الحماس، لا يقرر، ولكن يوحي، هذا رجل فنان يريد منك أن تسمو وتكتشف”.
وذكر الرسام نبيل صادق، أن اقتراب محمود عوض من نجوم الفن والسينما أثار حوله الكثير من التساؤلات، لدرجة جعلتهم يتكالبون عليه للكتابة عنهم.
وأشار محمد نوار؛ صحفي، إلى أن أم كلثوم طلبت إلى مصطفى أمين أن يؤلف كتابًا عنها، فاعتذر، ورشح لها “عوض”، فلم تتفاءل بالعمل معه في البداية، بينما سرعان ما غيرت رأيها به حينما قرأت كتابه “أم كلثوم التي لا يعرفها أحد”.
وبيّن أسامة عرابي -مداخلًا- أن محمود عوض كان الصحفي العربي الوحيد، الذي شهد إصدار قرار الأمم المتحدة الشهير 242 عام 1967، مشيرًا إلى أنه كان ضيفًا على الملك الحسن الثاني أثناء محاولة انقلاب محمد أوفقير عليه.
وأوضحت وفاء حلمي؛ صحفية، أن محمود عوض كان يملك علاقة وطيدة برموز الأدب والفكر، كطه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد حسن الباقوري، والفنان العالمي أنتونى كوين.
وتابع الدكتور نبيل عبد الفتاح؛ صحفي، أن محمود عوض قد كتب لبعض الصحف غير المصرية المعروفة، حينما مُنع من الكتابة بالبلد، مثل “الحياة” اللندنية و”القبس” الكويتية و”الرياض” السعودية.
وأضاف عرابي -في مداخلة- أن محمود عوض رأس تحرير “الأحرار” عام 1986، ونجح في رفع أرقام توزيعها من 3 آلاف نسخة إلى 160 ألفًا، خلال 3 أشهر فقط، عمر تلك التجربة، التي وأدها الحزب القائم على الجريدة، بينما لم يحتمل استقلاله عن الحسابات السياسية.
وأشارت وفاء حلمي أن محمود عوض قرر فرض عزلة ذاتية على نفسه، بعد أن تمكن منه المرض، إلا أنه انضم إلى مجلس نقابة الصحفيين، مقدمًا أنشطة وجوائز لتحفيز زملائه الشبان، رغم استمرار منعه من الكتابة وإصدار إبراهيم سعدة؛ رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الأسبق، قرارًا استثنائيًا بإحالته للمعاش فور وصوله سن الستين، إذ كانت القاعدة آنذاك مد الخدمة حتى سن الـ65.
واستطرد محمد عمر؛ صحفي، أن محمود عوض رغم حياته الحافلة، رفض الانضمام إلى أي تيار أو حزب سياسي، ومنها محاولات دعوة الدكتور عزيز صدقي، رئيس الوزراء الأسبق، له للانضمام للجبهة الوطنية، ورد عليه قائلًا: “أنتم ناس تودون حكم مصر، أما أنا فلا أود حتى أن أحكم شارعنا”.
وبيّن أيمن الحكيم؛ صحفي، في مداخلة، أن محمود عوض قد عمل في مؤسسة أخبار اليوم الفترة الأطول من عمره، إلا أنه منع من الكتابة بها في عهد الرئيس أنور السادات، بينما انتشرت كتاباته في الصحف العربية في المنطقة والمهجر، ولكنه حظي في آخر أيامه بالكتابة في جريدة “اليوم السابع” فور إنشائها، والتي أُقتبس اسمها من كتاب له كان يجهزه عن حرب أكتوبر.
واختلف الحكيم مع الدكتور نبيل عبد الفتاح في مسألة أن محمود عوض لم يكن كاتبًا سياسيًا، ورأى أنه كان ضيفًا دائمًا على البرامج السياسية والثقافية في مختلف منافذ الإعلام العربية والأجنبية من راديو وتليفزيون، ومنها “BBC “في مراحل مختلفة من تاريخها، والأرشيف يشهد.
وأضافت سهام بيومي أن محمود عوض كان متحمسًا لعودة كتابته من داخل وطنه، مشيرة إلى أن وفاته أُدركت صدفة بعدما تأخر عن تسليم مقاله الأسبوعي لصحيفة “اليوم السابع” حديثة الصدور، والتي أرسل مسئولوها مندوبًا إلى منزله لتسلم المقال بعد محاولات عدة للاتصال به هاتفيًا دون جدوى.
وتابع طه عوض؛ صحفي وشقيق محمود عوض، أن صحيفة “اليوم السابع” حدثته بعدما لم يجد مندوب الجريدة من يجيب عليه في المنزل، ولما كُسر باب المنزل وُجد “عوض” جثة هامدة، وبعدها اكتشف موته طبيعيًا قبل يومين كاملين دون أن يدري أحد بوفاته.
وأضاف شقيق “عوض” الأصغر أنه كان محبًا للقراءة منذ صغره، وكاد ذلك يتسبب في رسوبه، لولا قطعه عهدًا لأبيه بتفوقه، مشيرًا إلى أن الأب قد تلقى بعدها خطابًا من كمال الدين حسين؛ وزير التعليم آنذاك، يضم شيكًا بمبلغ 25 جنيهًا، كجائزة لابنه المتفوق، وكأنها رسالة للاطمئنان على مصير الولد، حيث رحل بعدها بأيام.
وتابع إن “عوض” التحق بكلية الحقوق، وأقرنها بممارسة هوايته المفضلة للأدب، فالتحق بكتيبة “أخبار اليوم”، واجتاز الدراسة بها، إلى أن تخرج في عام 1964.
وأشارت حنان عمر؛ صحفية إلى أن “عوض” حينما عرض إجراء حوار على أم كلثوم زارها في منزلها، ولكنها أبدت اعتراضًا على جملة يفتتح بها مقدمة حواره معها، فسألها بغضب: “من منا يفهم في الغناء أكثر.. أنا أم أنتِ؟”، فردت: “أنا طبعًا”، فتابعها “إذن فالكتابة عملي، وأنا أفهمه جيدًا، ولن أغير المقدمة”.
وتابعت أن ذلك في عُرف أم كلثوم يعد تجاوزًا، إلا أنها آثرت تجاوز الموقف، ونشر الحوار كما كتبه “عوض”، وهاتفته أم كلثوم بعدها باتصال هاتفي تستأذنه أن يطبعه سعيد فريحة؛ صاحب دار الصياد، بإحدى مطبوعاته، وأبلغته أنه من له الحق في الموافقة، لأنه صاحب الحوار.
وبيّن أسامة عرابي أن “عوض” حينما أصدر كتابه “أم كلثوم التي لا يعرفها أحد”، بلغه غضب بعض أقاربها من العنوان، إلا أن رضاها جاء مساندًا له، كنوع من إعلان الاعتراف بكاتب متميز، وإن اختلف معه الآخرون.
وأشار أيمن الحكيم إلى أن كتابة “عوض” عن المشاهير من الموسيقيين كانت فريدة من نوعها، فألف كتاب “عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد”، حيث أضاف قيمة نقدية للكتاب لا تملق فيها ولا ازدواجية في المعايير التي يبني عليها حكمه.
وأضاف أسامة عرابي -مضيفًا- أن عبد الحليم حافظ حينما طلب من “عوض” أن يكتب عنه في حياته، رفض بأدب، وتكرر ذلك مع فريد الأطرش، وتفرغ للكتابة السياسية، محتفظًا بصداقة واحترام كل من عرفوه ولمسوا الصدق في أقواله وتصرفاته.
وتابع أيمن الحكيم أن “عوض” حينما رفض الكتابة عن عبد الحليم حافظ علل ذلك قائلًا: “لم أتخلص من صداقتي له بعد، ولن أتمكن من كتابته وهو كذلك”، في إشارة إلى أن قربهما من بعضهما يمكن أن يؤثر على مادة الكتابة.
وأسهب أسامة عرابي في الحديث عن كتب محمود عوض التي أصدرها، لا سيما “أفكار ضد الرصاص”، و”متمردون لوجه الله”، اللذين عدهما من أجمل أعمال “عوض”.
بينما أضاف أيمن الحكيم أن كتب “سري جدًا” و”وعليكم السلام” و”شخصيات”، تلخص إبداع محمود عوض السياسي، حيث النظرة البعيدة للأحداث والتنبؤ بالمستقبل الذي لم يحياه.
ورأى الدكتور نبيل عبد الفتاح أن كتابي “أم كلثوم التي لا يعرفها أحد” و”محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد”، إنما يلخصان علاقة “عوض” بالفن والنجوم، حيث لم يعتمد على التملق أو التقرب، وإنما الموضوعية والسلاسة في العرض، حتى لأصعب المصطلحات الموسيقية.
وبيّنت وفاء حلمي أن كتاب “بالعربي الجريح” من أبرز كتب “عوض” التي لا تماثل غيرها أبدًا التي تحدثت في ذات المضمار، بينما يظل متفردًا في عرضه وكتابته وبيانه.
وتابع طه عوض أن كتابي “ممنوع من التداول” بجزئيه، كانا سببًا لتأليب دوائر الحكم ضد “عوض”، وذلك ما لم يغفره له أي نظام.
بينما تعد سهام بيومي أن كتابي “من وجع القلب” و”اليوم السابع: الحرب المستحيلة.. حرب الاستنزاف” سلسلة من الانبهار بالكتابة والمعلومات والوثائق، التي لا ينفرد بها سوى “عوض”، من وجهة نظرها.
وختم محمد خطاب اللقاء برجاء أن يظل محمود عوض في ذاكرة الجميع، وألا يدخر الصحفيون جهدهم في تعريف الجيل الجديد بذلك الكنز من الكتابة والعمل المهني الحر.