وكالة الأمن القومي الأمريكية، غالباً، أهم مؤسسة معنية بالتجسس الإلكتروني فى العالم. ما هو معروف أن عمل الوكالة يتضمن التجسس على كميات مهولة من المكالمات والاتصالات والرسائل الإلكترونية واستخدام لوغاريتمات للبحث فى كل ذلك من أجل كشف أسرار، أو تحديد مشاكل أمنية للولايات المتحدة، أو استنباط تيارات قد تكون دالة على ما قد يحدث فى المستقبل.
الوكالة قديمة، تعود بداياتها وإن تحت أسماء أخرى لعقود، لكن الاتساع فى عملها جاء بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وبداية ما عُرف بالحرب على الإرهاب. لكن مع اقتراب الذكرى العشرين لاتساع عمل الوكالة، هناك دراسات حول قيمة برامج مختلفة فى عملها.
فى 2019 قلصت الوكالة بعض برامج جمع المعلومات، خاصة من الاتصالات، بعد تحديات لقانونية هذه البرامج. والآن، هناك تشريعات أمام الكونجرس تتناول الاستمرار فى الدعم التشريعى والتمويلى لعدد من أهم برامج الوكالة. وفى إطار العمل البرلمانى، طرح عدد من السيناتورز (المُشرعين فى البرلمان الأمريكى) تساؤلات حول قيمة هذه البرامج.
الكثير من المحادثات لم يتم الكشف عنها. كما أن التسريبات فى هذا الموضوع لا تزال محدودة، لكن هناك أربع نقاط تبدو واضحة.
أولاً: أنه بالرغم من الحجم المهول من المعلومات التى تجمعها برامج الوكالة، وبالرغم من استخدام الوكالة تكنولوجيات متقدمة للغاية – وبعضها الوكالة شريك فى تطويره – فإن المعلومات ذات النفع فى قضايا متعلقة بالأمن القومى الأمريكى، خاصة الأمن الداخلى، تبدو محدودة، خاصة إذا قورنت هذه المعلومات بما يجمعه مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) بشكل معتاد، وبتكنولوجيات أقل تقدمًا، وغالباً أقل تدخلاً فى اتصالات الناس.
اثنان: الاتساع فى التنصت الإلكترونى أصبح عرضة لتحديات قانونية تضع ضغطاً، ليس فقط على الوكالة، ولكن أيضا على المشرعين فى الكونجرس. على سبيل المثال، إحدى الدراسات تتحدث عن جمع تفاصيل أكثر من 400 مليون مكالمة هاتفية فى عدد من الأشهر، فى مقابل عدد يعد على الأصابع من الموافقات القضائية المباشرة المتعلقة بهذه المكالمات. ذلك وضع معقد فى بلد مثل الولايات المتحدة تستطيع فيه شركات ومجموعات مواطنين وجمعيات مجتمع مدنى أن تتحدى الوكالة، كما تستطيع أن تضع ضغطاً هائلاً، خاصة فى وسائل الإعلام، على الكونجرس.
ثلاثة: هناك مخاطر أمنية متعلقة بهذا الكم المهول من المعلومات. مثلاً، فى ظل حروب التجسس الإلكترونى بين الدول المتقدمة تكنولوجياً، فإن تركيز هذه المعلومات والتحليلات الناتجة عنها فى دوائر محدودة متعلقة بالوكالة، يشكل فى حد ذاته خطراً أمنياً على الولايات المتحدة (حتى إذا كانت هذه الوكالة الآن واحدة من أقوى الحصون الإلكترونية فى العالم).
أربعة: هذه البرامج التجسسية، حتى وإن كان الجزء الأكبر منها موجهًا إلى خارج الولايات المتحدة، تتعارض مع جوهر فكرة تعدد مراكز القوى السياسية، وهى واحدة من أعمدة الديمقراطية الأمريكية. كما أن وجود هذه القدرات التجسسية الهائلة فى مؤسسة واحدة (حتى مع درجات وبروتوكولات مختلفة من التحكم والمتابعة الداخلية) قد يؤدى إلى تجاوزات. وفى الولايات المتحدة، مثل تلك التجاوزات قد تؤدى إلى مشاكل كبرى وفضائح سياسية. ولعل واترجيت (الفضيحة التى أنهت رئاسة نيكسون فى منتصف السبعينات) مثال واضح على ذلك … مع الوضع فى الاعتبار أن الإمكانات التى استخدمها نيكسون وقتها تعد ألعاباً طفولية، مقارنة بالقدرات الموجودة الآن.
لذلك فإن مداولات الكونجرس – وقراراته – حول تشريع وتمويل استمرار أو تقليص هذه البرامج لوكالة الأمن القومى، تستحق بعض المتابعة.
* كاتب مصرى مقيم فى لندن