من حين لآخر، رغم اتجاه العرب للتسوية السياسية مع إسرائيل منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، إلا من تصريحات قيادتها لما تعودت عليه سيكوباتياتهم المعهودة، لأسبابهم، فى ليّ الحقائق وتعميق جذور الصراع، سواء بتحريض الولايات المتحدة لحجب التسليح عن دول عربية لا يزال اتفاقات اعترافهم بالدولة العبرية لم يجف مداده بعد، أو عبر تلقين الأجيال الجدد فضلاً عن القدامى.. نوازع العنصرية ضد الأغيار، خاصة العرب، أو حين يطلق رئيس الحكومة (نتنياهو) 1996 على مصر الوصف بـ «أعداؤنا الذين فى الجنوب».. قبل ربع قرن من ادعائه النصر فى حرب أكتوبر 1973 – كأسطوانة مشروخة- لم يقر بها حتى أكثر المراقبين حياداً – فى ضوء استبسال المصريين حين خاضوا الحرب دون أن تكون موازين القوى العسكرية والدولية لصالحهم، ومع ذلك فقد شهدت الأيام الأولى للحرب اقتحامهم بصدور عارية إلا من أسلحتهم الشخصية.. «خط بارليف» المحصن عن السقوط حتى ولو من جانب «قنبلة نووية»- وفقاً للتقديرات الإسرائيلية – إلا أن شهد الأسبوع التالى من الحرب ثلاثة عوامل ليست غير طارئة أدت إلى تغييرات فى مسار الحرب – لم تتخل مصر خلالها عن مواقعها المكتسبة شرق القناة حتى إيقاف النار فى 29 أكتوبر- تلخص أولها فى القرار السياسى يوم 14 لتطوير الهجوم شرقاً خارج حماية المظلة الصاروخية للدفاع الجوي، وبالتزامن – ثانياً – مع تدفق شحنات الأسلحة الأميركية لأرض المعركة لمساعدة إسرائيل، ذلك فيما لم يعد – من جانب ثالث – للتحالف مع الاتحاد السوفيتى إعطاء مصر ما تحتاج إليه فى المقابل لمواجهة السطوة الأميركية – الصهيونية عما تملكه من أحدث ما أنتجته آلة الحرب الجهنمية من أسلحة متقدمة، الأمر الذى أتاح لإسرائيل فى ضوء هذه المتغيرات الثلاثة.. التسلل عبر ثغرة الدفرسوار 16 أكتوبر إلى جنوب الضفة الغربية للقناة (مئات الدبابات «فرقتان مدرعتان» وآلاف الجنود الإسرائيليين ما بين قتيل وجريح).. حيث دارت معارك ضروس مع قوات مصرية خاصة- أقل حجماً- إذ سبق استنزاف قوات الاحتياطى الاستراتيجى فى تطوير الهجوم نحو المضايق، بحيث لم يعد الطريق للقاهرة إلا غير مفتوح أمام قوات معادية عجزت حتى عن اقتحام مدينة السويس 24 أكتوبر، ومع استمرار القتال للأسبوع الثالث من الحرب، اقترحت موسكو على القاهرة التدخل بقواتها- منفردة أو بالمشاركة مع الولايات المتحدة- لإيقاف إطلاق النار، على غرار تدخلها على الجبهة السورية، إلا أن واشنطن التى عارضت الاقتراح السوفيتى خشية تكرار توابع تجربة الإنذار السوفيتى لقوى العدوان الثلاثى على مصر 1956لصالح موسكو آنئذ ولتسارع واشنطن على الفور بإعلان الاستعداد لقواعدها النووية.. فيما واصلت الضغط على إسرائيل للقبول بالسيناريو الأميركى لوقف إطلاق النار على جبهة السويس نهاية الأسبوع الثالث من الحرب، ذلك فيما كانت القوات الإسرائيلية أشبه بالجسد المنهك المصلوب حصراً ما بين خمس فرق مصرية ما زالت مستمسكة بكامل أسلحتها ومواقعها شرق القناة من ناحية.. وبين احتياطى جديد جار تعبئته مصرياً غرب السويس وجنوب الإسماعيلية (وربما بمساعدة مرجحة روسية)، لولا تدخل الولايات المتحدة مجدداً فى الحرب إلى جانب إسرائيل، سواء لإنقاذها قبل أسبوعين مما تواجهه على الجبهة المصرية، من خلال تدفقات الأسلحة الأميركية إليها من دبابات وطائرات إلى استطلاعات جوية لصالحها، أو سواء لإنقاذها للمرة الثانية وفقاً لتطبيق سيناريو الأساليب الإجرائية الأميركية لإنهاء الأسبوع الثالث من الحرب، ذلك من قبل أن تعتزم مصر تعبئة كامل قدراتها البشرية للدفاع القومى الشامل، امتداداً لسنوات التصدى فى مواجهة قادة سيكوباتيين لدولة إسرائيلية لا تتوقف منها الريح عن الهبوب.
End of current post