بقلم : شريف عطية
من المفترض ربما أن تكون القمة العربية الثلاثون المنعقدة بتونس نهاية مارس 2019، ذات خصوصية استثنائية، إذ قد تدعو خطورة الأحداث المتلاحقة- قادة العرب- إلى التحلى بالمزيد من المسئولية «القومية» لإقالة البيت العربى من عثراته، فيما الخصوم يعيثون فى حجراته صخباً وتدميراً، لو لم يتم تدارك مخاطرها لأودت بالعرب إلى مرتبة «الخادم الذليل» فى بلدانهم، وأحسب أن ذلك هى قناعة كافة المسئولين على مختلف مستوياتهم.. وفى قطاعات الرأى العام، بسيان، لا محيص عنها سوى عقد العزم نحو وحدة العمل العربى المشترك، وقبل فوات الأوان حتى لا يصعب الحيلولة بين الأجيال المقبلة واستمطار اللعنات على تقاعس أسلافهم فى مواجهة التحديات البادية للعيان.
فى سياق هذا التوقيت، تجوس الجيوش الأجنبية وأجهزتها، من داخل الإقليم أو خارجه، ديار العرب ووحداته السياسية، للعمل على تفتيتها أو استقطاع أجزاء منها، بالتزامن مع انعقاد القمة العربية الحالية، ومن دون استثناء قوات وأساطيل القوى الكبرى، الدولية والإقليمية، تواصل إسرائيل فرض سياسة الأمر الواقع لضم الأراضى التى سبق وأن احتلتها فى العام 1967، وفى معية نفوذ الولايات المتحدة، سواء القدس التاريخية أو الجولان السورى المحتل.. أوبالتطلع من بعد إلى ضم أراضى الضفة الغربية مع تهجير السكان إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن وفى شمال سيناء وإلى جنوب العراق (التليفزيون الأميركى ABC) كما ويثير القرار الأخير بضم الجولان.. مخاوف لبنانية من تأثيره على ضم إسرائيل مزارع شبعا (وتلال كفرشويا وقرية الغجر).. وهى أراض لبنانية محتلة 1967 من إسرائيل التى تعتبرها (وكذلك الأمم المتحدة) جزءاً من الجولان السورى المحتل، ناهيك عن توافق توقيت انعقاد القمة العربية قبل عشرة أيام من إجراء إسرائيل انتخاباتها النيابية.. التى يتنافس فى ظلها كل من اليمين المتشدد الذى يطالب بـ«ضم الأراضي» المحتلة.. وبين يسار اليمين (غير الراغب فى ضم الفلسطينيين إلى إسرائيل)، دونما اختلاف بينهما على قتل العرب سواء بالسم أو الرصاص، ذلك قبل أن يمتد مخطط التفتيت fragmentation إلى دول أخرى محددة، كالسعودية والعراق ومصر وليبيا- إلخ، كما وتستبق القمة العربية من جانب ثالث.. إعلان الإدارة الأميركية مضمون مبادرتها بشأن التسوية النهائية للصراع العربى- الإسرائيلى، والمسماة بـ«صفقة القرن» التى من غير المعلوم عن أى قرن تعنيه هل هو القرن المنصرم الذى يجوز تسميته بـ«قرن الصهيونية» لفرط ما أنجزته من الغايات العليا للمشروع الصهيوني/ الإمبريالى (..) أم أن المقصود بها هو القرن الحالى.. لأن يكون الشرق الأوسط الجديد «والموسع»- بحسب المشروع الأميركى 2004- تحت هيمنة «الحقبة اليهودية»، كما سبق وأن ألمح إلى ذلك «شيمون بيريز» فى خطاب له بالدار البيضاء 1995.
ولما كانت المصائب- كما يقال- تجمعن المصابينا، وعلى النحو السالف بيان بعضها، فقد تكون القمة العربية الثلاثون «قمة التضامن العربي».. فرصة لاستعادة التماسك العربي.. لصد الهجمة الكبيرة المتشعبة الموجهة ضدهم.. التى يصفها الأمين العام للجامعة العربية «أبوالغيط» بأنها.. ذات طبيعة مركبة ومتداخلة، لا يمكن مواجهتها سوى بحزمة سياسات تمزج بين الأدوات الاقتصادية.. والبرامج الاجتماعية، جنباً إلى جنب مع إجراءات أمنية أو سياسية أو غيرها».. مضيفاً أن «بلادنا صارت للأسف منتجة لنصف لاجئى العالم، ومازالت جرثومة الإرهاب كامنة فى الكثير من مجتمعاتنا.. تستهدف عقول الشباب».
إلى سياق ما سبق، وبسببه، كان من الطبيعى أن تسبق القمة نشاطات دبلوماسية ثنائية وثلاثية تمهد لإنجاح قمة التماسك العربى المفترض، سواء بالقمة المصرية- العراقية- الأردنية بالقاهرة 23 مارس الحالى للتوافق على التنسيق الاستراتيجى، أو استقبال العاهل السعودى لكل من قائد الجيش الليبى (ووزير الدفاع الصيني)، فضلاً عن قيامه بزيارة رسمية إلى تونس تسبق انعقاد القمة، أو عن اجتماع رؤساء البرلمانات الخليجية بشأن رفض «وثيقة الجولان» الأميركية، إلى اجتماع قمة مغربية- أردنية ترفض جميع الإجراءات الأحادية التى تتخذها إسرائيل، أو عن التشجيع الدولى للسعودية لمواصلة جهود التسوية السياسية فى اليمن، وما إلى ذلك من تجاوب مع تفاهمات ترسخ الموقف التفاوضى العربى مع الجارات الثلاث غير العربيات فى المنطقة، من ناحية ومع القوى الكبرى الدولية من جانب آخر، إذ يضيف كل ذلك لرصيد العرب فى السيادة على أراضيهم، ولئلا يصبحوا كالتابع الذليل فى أوطانهم.