قمة الدوحة العالمية للنقل الجوي ترسم الطريق نحو مزيد من التعافى

توقعات بانحسار الخسائر إلى 9.7 مليار دولار فقط هذا العام.. وتوصيات بتعاون أكبر بين الأطراف لتحقيق أهداف الاستدامة

قمة الدوحة العالمية للنقل الجوي ترسم الطريق نحو مزيد من التعافى
مصطفى طلعت

مصطفى طلعت

9:26 ص, الأحد, 25 سبتمبر 22

«الاستدامة والحفاظ على البيئة والطريق نحو المزيد من التعافى».. كلمات تلخص أهم النقاط التى ناقشتها النسخة الرابعة للندوة المالية العالمية للاتحاد الدولى للنقل الجوى «إياتا» والتى استضافتها العاصمة القطرية الدوحة هذا العام، بمشاركة كبار المسئولين وخبراء صناعة الطيران على مستوى العالم.

«المال» حضرت الفعالية، التى تعد الأكبر فى الصناعة منذ تفشى جائحة كورونا نهاية عام 2019 وشارك فيها أكثر من 50 مسئولا وخبيرا وقائدا يمثلون كل الجوانب وناقشوا خلالها أبرز التحديات والإستراتيجية المالية للنهوض بمستقبل الصناعة خلال الفترة المقبلة.

ووصف المشاركون الأزمات التى عانى منها قطاع النقل الجوى مؤخرا بأنها واحدة من أكبر المشكلات التى تعرض لها فى تاريخه خاصة فى ظل تعقد الوضع بشكل أكبر مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وقدر الاتحاد العالمى للنقل الجوى وصول خسائر القطاع بنهاية العام الحالى فقط إلى 9.7 مليار دولار، بتراجع كبير نتيجة رفع القيود المفروضة على السفر، بعد أن شهد سلسلة خسائر مع تداعيات كورونا بلغت نحو 190 مليار دولار تقريبا.

ورجح المشاركون عودة القطاع إلى الربحة بحلول عام 2023 ، لكن بالتأكيد بمستويات أقل من مما قبل الجائحة، موضحين أن ارتفاع مستوى الديون لدى الشركات بسبب الاقتراض ستظل التحدى الأكبر للمديرين الماليين خاصة فى ظل التزام الشركات بتحقيق مستهدفاتها «صفر انبعاثات كربون» بحلول عام 2050وهو الأمر الذى سيتطلب استثمارا أكبر فى هذا الجانب ويضغط على الموارد المالية للكيانات.

وأكد المشاركون خلال الندوة أن طريق الاستدامة وتحقيق القطاع لهدفه الخاص بصفر انبعاثات كربون «- Fly Net Zero – » سيتطلب التعاون من جميع الأطراف المعنية من شركات طيران ومدراء ماليين وعاملين ومسئولين حكوميين.

وانطلقت فعاليات الندوة بحضور ورعاية وزير النقل القطرى، جاسم بن سيف السليطى، وعدد من المسئولين، كما شارك فى جلسة افتتاحية حوارية كل من والى والش المدير العام للاتحاد الدولى للنقل الجوى، وأكبر الباكر الرئيس التنفيذى للخطوط الجوية القطرية.

وتبع ذلك عقد عشرات الجلسات الحوارية على مدار يومين كان من أبرز المشاركين فيها كل من: «محمد البكرى نائب الرئيس الأول لخدمات التسوية المالية فى الاتحاد الدولى للنقل الجوى، ومارى أوينز تومسن كبيرة الاقتصاديين فى الاتحاد».

إلى جانب مشاركة كل من: «دنكان نايسميث المدير المالى للخطوط الجوية القطرية، وتيريزا باريجو رئيسة قسم الاستدامة فى طيران أيبيريا، وإريك سويلهايم رئيس المجلس الاستشارى المالى للصناعة المدير المالى لشركة «KLM» وكارولين دريشل رئيسة قسم  المسئولية المشتركة لمجموعة لوفتهانزا، وغيرهم».

فى البداية، قال والى والش المدير العام للاتحاد الدولى للنقل الجوى إن عملية الاستدامة فى قطاع الطيران أمر بالغ الأهمية لكنه  يتعارض مع سياسة فرض الضرائب على شركات الطيران جراء عدم الالتزام بخفض الانبعاثات الكربونية.

وأضاف «والش» خلال كلمته بالندوة: «الضرائب لا تستخدم بشكل خاص فى تقليل الكربون وبالتالى هى لا تضيف شيئا للبيئة».

ويرى أن مكاسب الحفاظ على البيئة أقل من مخاطر توقف التواصل بين العالم من خلال الطيران، متوقعا أن لا تشهد الخطوط الجوية طائرة تعمل بنظام الهيدروجين قبل عام 2040 أو 2050.

وأكد أن دراسات عديدة أشارت إلى أن إغلاق الحدود لم يفعل شيئا لحماية المواطنين، فعلى سبيل المثال سياسة الصين نحو «صفر كوفيد» أفقدتها موقعها كمركز طيران عالمى.

وأشار إلى أن أسعار النفط المرتفعة حاليا ستنعكس بالتأكيد على أسعار تذاكر الطيران، متوقعاأن تعود الشركات إلى تسجيل معدلات ربحية فى 2023.

وقال أكبر الباكر الرئيس التنفيذى للخطوط الجوية القطرية، ورئيس جهاز قطر للسياحة خلال كلمته للحضور: «الظروف التى يمر بها القطاع جعلتنا نجتمع أكثر من مرة فى وقت قصير، فمنذ وقت ليس ببعيد عقدنا اجتماع الجمعية العمومية هنا فى الدوحة لمناقشة القدرة على الصمود بعد الوباء».

وأضاف : «اليوم نركز فى تجمعنا على مستقبل القطاع والشركات والكوكب بأكمله وذلك فى إطار الالتزام بمهمتنا المتمثلة فى القضاء على الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، فشركات الطيران فى جميع أنحاء العالم تتخد خطوات جادة للحد من تلك الانبعاثات».

وأكد أن التحدى الأكبر لصناعة الطيران فى العالم يتمثل فى الاضطرابات السياسية، تليها التضخم وأسعار الوقود والعمالة والبنية التحتية فى مراحل لاحقة.

وأوضح أن القطاع مر بجائحة كورونا كتحد كبير قبل أن يمر بعقبات متعاقبة بعد ذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط ونقص القوى العاملة، إلى جانب تراجع الاستثمار بسبب القيود المفروضة على شركات الطيران بسبب الالتزام بدعم مسألة المناخ.

ولفت إلى أن الحكومات تضع قيودا على الطيران بزعم أنه المسبب الرئيسى لانبعاث ثانى أكسيد الكربون رغم أنها لا تساهم بنسبة تتجاوز %3 من مجمل الانبعاثات الكربونية.

وقال إن السوق تفتقد إلى المواهب البشرية فى إدارة ملف استدامة الطاقة فى قطاع الطيران، مشددا على أن هناك دورا كبيرا على السياسيين لمساعدة قطاع الطيران فيما يتعلق بشق المناخ.

وأوضح أن شركات النفط عليها التزام كبير فيما يتعلق بإنتاج وقود الطيران المستدام «المعروف بـ  SAF» لافتا إلى أن الخطوط الجوية القطرية ستشترى منه حال توفيره بسعر مناسب.

ويعد الوقود «SAF» أغلى 3 مرات من الكيروسين ويتم شراؤه كعلامة على التزام شركة الطيران بالتخفيف من الآثار البيئية.

وشدد «الباكر» على أن الدفع باستخدام الهيدروجين والطاقة الكهربائية الهجينة لا يزال أمامهما سنوات طويلة مما يجعل زيادة إنتاج وقود الطيران المستدام أكثر أهمية بالنسبة للقطاع.

وقال إن القرارات المتعلقة بالاستثمارات وخاصة فى مجال الاستدامة، سيكون لها تأثير كبير على الشئون المالية للشركات على المدى القصير والطويل وتؤثر على الملاءة المالية المستقبلية.

وأكد الحاجة إلى تنفيذ استثمارات ضخمة فى الطائرات والتقنيات الجديدة والتى قد تعطلت بسبب عمليات التمويل فى مجال حلول الاستدامة والبيئة بسبب اللوائح العالمية المنظمة.

وذكر أن السنوات اللاحقة لفترة وباء كورونا هى الأكثر نجاحا فى تاريخ الطيران، مشيرا إلى أن الوقت ما زال خطيرا ولا نعلم كيف ستتطور الأمور إذ أن هناك احتمالية أن تتأثر السياحة والسفر بعمليات الطلب.

وأشار إلى أن أداء الخطوط القطرية كان أفضل من معظم الشركات، بعد أن نجحت فى تكثيف نشاطها بسرعة وفتحت وجهات جديدة بعد جائحة كورونا.

وأوضح أن مطار حمد الدولى فى الدوحة سيفتتح خلال أكتوبر المقبل توسعة ستزيد طاقته الاستيعابية إلى 58 مليون مسافر سنويا بالتزامن مع انعقاد كأس العالم لكرة القدم، مشيرا إلى أن هناك مرحلة تالية لتطويره ترفع طاقته إلى 70 مليون مسافر بحلول أواخر 2025.

وحققت الخطوط الجوية القطرية أرباحا قياسية قدرها 1.54 مليار دولار، فى السنة المالية 2021-2022 بإجمالى إيرادات قدرها 14.4 مليار دولار بزيادة %78 عن العام المالى الماضى، وأعلى بنسبة %2 عن العام المالى 2019 – 2020 قبل جائحة  كورونا.

وقال محمد البكرى، النائب الأول لرئيس اتحاد النقل الجوى الدولى لخدمات التسوية المالية والتوزيع إن الاختبار الحقيقى أمام القطاع يتمثل فى الدروس المستفادة من الأزمات التى مر بها خلال العامين الماضيين وذلك من خلال تطبيق آلية العمل الجماعى.

وأوضح أن القطاع تم إغلاقة لمدة عامين ، لكننا نجحنا فى العمل الجاد والالتزام والتصميم على البقاء على قيد الحياة، مشيرا إلى أن قطاع الطيران كان الممر الوحيد فى جميع أنحاء العالم للأدوية واللقاحات، والإمدادات الطبية فى جميع البلدان.

وأشار إلى أن التعلم من أخطاء العامين يمضى قدمًا بشكل إيجابى، والآن نتطلع  من  صانعى السياسات، المزيد من الدعم  ونحاول الاستمرار فى طريق التعافى، لاسيما وأن الطلب على السفر مستمر.

وأكد أن الواقع الجديد يجب أن يركز على عملائنا واحتياجاتهم، فالعميل لا زال هو الخيار الأول بالنسبة لنا، مشددا على ضرورة التحلى بالمرونة المالية وأن تكون الشركات أقوى من الناحية المالية.

وتابع: «علينا أن نكون قادرين مالياً على الاستمرار فى تقديم الفوائد والقيم التى أظهرناها لأن العالم يحتاج إلينا، فلم يعد الطيران رفاهية أو خيارا بل أصبح ضرورة للحياة البشرية».

وأكد أن المديرين الماليين لشركات الطيران يعملون على إعادة بناء الميزانيات العمومية بعد خسائر العامين الماضيين من خلال إنشاء هياكل رأس مال تدعم طموحات خطة الوصول إلى «صفر انبعاثات كربون» بحلول 2050، وجذب التمويل اللازم لذلك.

وشدد على ضرورة إعداد التقارير حول البيئة بشكل مستمر، إلى جانب العمل على التحول الرقمى والتحول لنموذج البيع بالتجزئة لشركات الطيران ومدى تأثير كل ذلك على أنظمة وقدرات الإدارات المالية للقطاع.

وأكدت مارى أوينز تومسن، كبيرة الاقتصاديين فى اتحاد النقل الجوى الدولى أن التعافى فى قطاع السفر يدعم توقعات حركة العودة إلى مستويات عام 2019 وذلك بحلول 2024 .

وترى أن الحجوزات الآجلة لا تزال  قوية، مع تسارع الحجوزات الدولية على الرغم من استمرار قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا فى آسيا ، وخاصة فى الصين.

وقالت إنه من المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى إلى حوالى %3 هذا العام وهو نصف النمو الذى تحقق فى 2021 وستتحمل الاقتصادات الناشئة وطأة التحديات التى يخلقها ذلك.

وأضافت : «من المفترض أن يساعد نمو الوظائف فى التخفيف من تأثير ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة».

وترى أن التوقعات تشير إلى معدل نمو سنوى مركب فى القطاع بنسبة %3.4 بين عامى 2019 و2040.

وقالت إن الطيران عنصر ضرورى للتنمية الاقتصادية وقد تم الاعتراف به منذ أكثر من 75 عاما فى اتفاقية تم توقيعها فى شيكاغو.

وقال هينك يان هوغندورن المدير المالى للخطوط الجوية القطرية إن الاضطرابات الجيوسياسية هى الشغل الشاغل لقطاع الطيران، موضحا أنها ترجمت إلى أزمة اقتصادية بعد ارتفاع أسعار النفط ونمو التضخم إذ أصبح لدى المستهلكين قوة شرائية أقل.

ورجح أن تستمر معاناة الطلب على قطاع السفر، فما زال هناك بعض آثار المخلفات من الوباء أيضا أبرزها قيود السفر المستمرة فى أجزاء معينة من العالم خاصة مع القلق من أن تزداد هذه القيود مع حلول فصل الشتاء فى نصف الكرة الشمالى.

وأشار إلى أن برامج «Zoom» والأشكال الأخرى من الاجتماعات والمؤتمرات عبر الإنترنت كان لها تأثير ضئيل فى الأزمة، ولكن الأمر الذى بات أكثر وضوحا هو تزايد الوعى البيئى والذى من المرجح أن يستمر حيث إن شركات الطيران والصناعة ككل ستكون بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتوعية الجمهور بالشأن البيئى.

وأكد أن ارتفاع قيمة الدولار سيكون له تأثير أيضًا على العديد من شركات الطيران إذ تتكبد مزيد من التكاليف، وخاصة فى الوقود، وبالتالى فإن سعر الصرف له تأثير سلبى على صافى الدخل.

وتوقع أن تستمر التكاليف فى الارتفاع خاصة فى شق العمالة بشكل خاص فهى مهيأة لزيادة حادة هذا ليس فقط بسبب نقص القوى العاملة ولكن أيضا بسبب اللوائح سارية المفعول فى جميع أنحاء العالم.

وقال إن هناك زيادة فى الاهتمام بشأن الأموال الخاصة بالاستثمار فى مجال الطيران وذلك مع التوقعات الجيدة بشأن ارتفاع إيرادات الشحن الجوى إلى جانب الانتعاش فى حركة السفر.

وأكد دانيال كولوفر، مسئول المشاركة فى السوق لدى «بلاتس» المتخصصة فى التزويد ببيانات الطاقة أنه من الواضح مع وجود الوقود المستدام للطائرات كعنصر رئيسى فى قاعدة تكلفة شركة الطيران، فإن التحوط سيكون أمرا حيويا لتجنب ظهور الآثار السلبية لهذه الشركات فى الميزانيات العمومية لتلك الكيانات.

وأشار إلى أن شركات الطيران تقوم بالتحوط لتأمين هوامش ربحيتها والحماية من الخسائر، مما يجعل التخطيط المالى أكثر دقة وصعوبة.

ولفت إلى أن التوقعات تشير إلى أن الفارق بين سعر النفط الخام ووقود الطائرات سيظل مرتفعًا طوال عام 2023، بعد أن وصل إلى مستويات قياسية خلال فترة الوباء حيث غير المنتجون مستويات إنتاج وقود الطائرات خلال تلك الفترات.