أثار التقارب الملموس بين الدوحة والقاهرة خلال المرحلة الأخيرة تخوفات رجال الأعمال وحتى الشارع المصرى من تهديد قطر للأمن القومى المصرى عبر سعيها لتنفيذ مشروعات عملاقة فى منطقة قناة السويس وسيناء. وأبدى عدد من المستثمرين خشيتهم من التدخل القطرى فى الشئون الداخلية المصرية، لا سيما بعد تقديم قطر نحو 5 مليارات دولار للقاهرة فى صورة ودائع ومنح.
وحذر المستثمرون من مخطط لبيع أصول الدولة لقطر المرتبطة بتحالف وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
يأتى ذلك فى الوقت الذى شهدت فيه الفترة الماضية أيضاً خلافاً بين أعضاء مجلس الأعمال المصرى – القطرى، بعد الزيارة التى قام بها المجلس يومى 16 و17 من الشهر الحالى، حيث أعرب مقرر لجنة الشئون الخارجية بالمجلس عن غضبه الشديد من طبيعة الاجتماعات التى تتم بين بعض أعضاء مجلس إدارة المجلس ورجال أعمال ومسئولين حكوميين، الأمر الذى دعا المجلس إلى عقد اجتماع طارئ نهاية الأسبوع الماضى بالرغم من توتر الأوضاع داخل الشارع المحلى للرد على تلك التصريحات ونفى وجود مخطط لبيع مصر.
التقت «المال» داكر عبداللاه عضو مجلس الأعمال المصرى – القطرى، مقرر لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، للوقوف على تفاصيل الزيارة الأخيرة التى قام بها أعضاء المجلس لقطر، مؤكداً أن اللقاء كان صورياً بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أن الزيارة اقتصرت على عدد محدود من الأعضاء فيما تم تجاهل أكثر من 50 رجل أعمال كانوا مشاركين فى اللقاء، قائلاً: «ذهبنا لقطر لنقابل بعضنا البعض وليس لعقد صفقات مع الجانب القطرى».
القائمين على المجلس لم يلتزموا بالبرنامج المعلن للزيارة
وقال داكر عبداللاه إن القائمين على المجلس لم يلتزموا بالبرنامج المعلن للزيارة وتم عقد لقاءات سرية مع ولى العهد القطرى أثناء زيارة باقى الاعضاء معرض «صنع فى مصر» ولم تتح الفرصة لباقى رجال الأعمال المشاركين فى الوفد للقاء السفير المصرى ومكتب التمثيل التجارى للتعرف على فرص الاستثمار المشترك وتم قصر الاجتماع على عدد قليل من أعضاء مجلس الإدارة مما أثار غضب الكثيرين.
وأضاف عبداللاه أن الوفد كان من المفترض أن يشارك فى «ورشة عمل» إلا أن المجلس تعمد أن يتم عقدها قبيل ساعات من السفر، الأمر الذى حال دون تحقيق أى جدوى من المشاركة.
وقال داكر عبداللاه إنه عقد اجتماعاً خلال الزيارة مع صاحب سوبر ماركت قطرى يرغب فى استقدام عمالة مصرية تعمل لدى المحال التابعة له، فى حين لم نر رجال الأعمال القطريين فى قطاعات الصناعة والتشييد والبناء، وتساءل: هل ذهبنا لقطر لتناول وجبة الغذاء! ولماذا تم عقد لقاءات سرية لمناقشة التعاون المشترك إلا إذا كانت هناك قضايا يخشى الجانبان أن تثار على الرأى العام، منها تملك الأراضى فى مشروع محور قناة السويس وسيناء.
وقال عضو الجمعية العمومية بمجلس الأعمال المصرى – القطرى «أدعو قطر أن تثبت حبها لمصر من خلال البدء فى تنمية مشروعات فى منطقة الصعيد الذى يحتاج لأكثر من 165 مليار جنيه وفقاً للمخطط العام الذى أعلنت عنه هيئة التخطيط العمرانى التابعة لوزارة الإسكان».
وانتقد عبداللاه موافقة الجهات الحكومية على المخطط العام لمشروع شركة «الديار» القطرية بتكلفة استثمارية تقدر بحوالى 4 مليارات جنيه فى منطقة سيناء، بالرغم من وجود قضية متداولة حالياً أمام القضاء ومحدد النظر فيها خلال شهر مارس المقبل.
يشار إلى أن اللواء طارق سعد الدين، رئيس هيئة التنمية السياحية قال فى تصريح سابق لـ«المال»، إن شركة «الديار» القطرية تقترب من الحصول على الموافقة الأمنية لمشروع سياحى متكامل على مساحة 39 مليون متر مربع يتم تنفيذه على 5 سنوات من بدء الأعمال الإنشائية، لافتاً إلى أن الموقف القانونى للشركة سليم 100%.
هناك إصراراً من قطر على محاصرة مصر اقتصادياً عبر عدة محاور رئيسية
وأضاف داكر عبداللاه أن هناك إصراراً من قطر على محاصرة مصر اقتصادياً عبر عدة محاور رئيسية، الأول منها يتمثل فى محور خليج السويس على مساحة 14 كيلو متراً مربعاً من خلال إقامة مدينة الحلم التى أعلن عنها أحمد أبوهشيمة رجل الأعمال المعروف، عضو مجلس إدارة المجلس باستثمارات تقدر بحوالى 7 مليارات دولار، مشيراً إلى أن المحور الثانى يتمثل فى تنفيذ مشروعات عملاقة بسيناء بدليل مشروع شركة الديار القطرية، أما المشروع الثالث فيتمثل فى محور قناة السويس.
وأوضح عبداللاه أن قطر تصر خلال كل مؤتمراتها على هذه المشروعات التى تمس الأمن القومى لمصر، مشيراً إلى أن تلك المناطق لابد أن تكون الاستثمارات المنفذة فيها مصرية 100%، ولا يسمح لأى دولة بالاستثمار فيها بنظام التملك فما بالنا بقطر الحليف الأول لأمريكا وإسرائيل!.
وقال داكر عبداللاه أدعو الحكومة إلى أن تكون الاستثمارات الحكومية المنفذة فى المناطق الاستراتيجية وخصوصاً قناة السويس وسيناء يتم طرحها على رجال الأعمال لتنفيذها وعلى رأسهم أعضاء جمعية تنمية الأعمال «ابدأ» برئاسة حسن مالك، رئيس الجمعية، وكذلك أحمد أبوهشيمة رئيس مجموعة «حديد المصريين» والمهندس محمد فريد، رئيس مجلس إدارة شركة النساجون الشرقيون وغيرهم من رجال الأعمال المشهود بوطنيتهم.
وحول المشروعات التى ستتم فى قناة السويس وفقاً لنظام المزايدات والمناقصات وبالتالى لن يتم تخصيص أى مشروع لصالح رجال الأعمال القطريين، بالأمر المباشر، تساءل عبداللاه: هل يمكننا أن نصدق أن قطر عاجزة عن المنافسة على أى مشروع فى مصر أمام أى دولة فى العالم فى ظل القدرة المالية التى تتمتع بها حالياً، مضيفاً: ما الضمانات بعدم التلاعب فى نتيجة المناقصات لصالحها فى ظل حصولنا على 5 مليارات دولار من قطر لم يفصح عنها إلا بعدها بأكثر من شهر وعلى لسان رئيس الوزراء القطرى.
قطر تستهدف الاستعلاء على مصر
وأكد داكر عبداللاه أن قطر تستهدف السيطرة على مصر والاستعلاء عليها، والقائمة بصورة أساسية على استغلال الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر وعجز السيولة الذى لا يخفى على كل دول العالم، والبدء فى التلويح بقدرة الأموال القطرية على سد عجز الموازنة وتمويل مشروعات التنمية المزمع طرحها وذلك تحت مظلة العروبة والحب وتقديم يد العون.
وأضاف عبداللاه أن المشكلة ليست فى الاستثمارات القطرية بقدر المنطقة التى تحتوى على هذه الاستثمارات والتى تصنف ضمن مناطق الأمن القومى لمصر، فهى منطقة استراتيجية فى حدود مصر مع إسرائيل.
وأشار داكر عبداللاه إلى أن قطر تسعى لعمل ما يشبه «الكماشة» على مصر، وناشد عبداللاه الرافضين للتدخل القطرى فى الشئون المصرية لإعلان ذلك صراحة، إذ شهدت صحف الفترة الأخيرة رفض العديد من القيادات العسكرية والمدنية تدخل قطر فى الشأن الداخلى إلا أنهم رفضوا ذكر اسمائهم ومناصبهم بما يضعف من تأثيرهم.
وقال عبداللاه إذا كانت الرئاسة تعتمد على المساعدات القطرية فعليها أن تتراجع من الآن عن الإجراءات الإصلاحية التى قامت بها للحصول على قرض صندوق النقد الدولى البالغ 4.8 مليار دولار والتى أثارت بلبلة الرأى العام خلال الأيام القليلة الماضية ومنها الزيادات الضريبية التى أعلن عنها الرئيس محمد مرسى، ثم قام بتجميدها بعدها بساعات.
وألمح داكر عبداللاه إلى أن العديد من أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الأعمال المصرى القطرى يوافقونه على رأيه إزاء خطورة التدخل القطرى فى الشأن الداخلى والمحاولات المستميتة للسيطرة على الاقتصاد المصرى ومن ثم التفوق على مكانة مصر فى الشرق الأوسط، ولكنهم لم يظهروا هذه التأييدات لشعورهم بأن هذه الخطورة لا تزال بعيدة ولن تستطيع قطر تحقيق ما تتمناه، مؤكداً أنه إذا أقدمت الدولة على خطوة فعلية ملموسة فى طريق منح قطر حق تنمية إقليم شمال غرب السويس سيتحرك كل أعضاء المجلس الشرفاء ضد هذه التدخلات الغشيمة للقطريين فى الشأن الداخلى على حد قوله.
قطر لا تستهدف الربح الاقتصادى فقط من وراء إقراضها مصر ولكن القضية لها بعد سياسى بحت
وشدد على أن قطر لا تستهدف الربح الاقتصادى فقط من وراء إقراضها مصر، ولكن القضية لها بعد سياسى بحت، وهو ما دلت عليه تصريحات الدكتور يوسف القرضاوى بأن التصويت بـ«لا» فى الدستور الجديد يعنى ضياع 18 مليار دولار استثمارات قطرية.
وأنهى داكر عبداللاه حواره بالتشديد على أن الدافع الرئيسى لإثارة خطورة هذه التوجهات ليس شخصياً وليس ضد أى شخص من شخوص مجلس الأعمال المصرى القطرى، وإنما بدافع إحساس كامل بوجود خطورة حقيقية على مستقبل أبنائنا وأحفادنا حال فوز رجال قطر بحق تنمية إقليم شمال غرب السويس وسيناء ومحور قناة السويس.