قصة مركز تحكيم التقنية

محمد بكري

10:15 ص, الأثنين, 16 نوفمبر 20

محمد بكري

محمد بكري

10:15 ص, الأثنين, 16 نوفمبر 20

من بدايات علاقتى بالمحاماة 1984 وبـ التقنية 1990 وحتى الآن، وآلية التحكيم لفض المنازعات (بمميزاته المغايرة لأعباء القضاء، كالتخصص، سرعة الفصل، الخصوصية) تستقطب اهتمامى سواء بالبحث أو العمل، تخللها تقديمى لأول محاضرة عربية فى جايتكس دبى 1992 عن (نحو هوية قانونية عربية فى صناعة تكنولوجيا المعلومات)، والعلاقة الوثيقة بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إبان بدايات تقنين البرمجيات بمصر ـ قبل صدور قانون حماية حقوق الملكية الفكرية 2002 ـ فسلسلة مقالات توعية بمجلة أكتوبر ومحاضرات بمصر وخارجها من منتصف التسعينيات وحتى أزمة الصفرين 99، فتشرفى بدعم رئيس مجموعة سعودى سوفت بأول اجتماع لمنظمة BSA الامريكية/اتحاد منتجى برامج الكمبيوتر التجارية بدبى، لتصميم رؤية توعية السوق العربى بأهمية وآليات وسياسات التعامل فى البرامج الأصلية، فتأسيس سلسلة من الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة بالبرمجيات والكمبيوتر بمصر.

ومنذ انطلاق «هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات ـ إيتيدا» فى 2003، لم أتوقف عن تطوير محاولاتى فى علاقة القانون بالتقنية، لأحمل فى يوليو 2008 رؤيتى المجمعة عن (منارعات التقنية) بمصر خلال 18 عاما، وأجتمع فى برودواي/نيويورك بريتشارد نيمارك ـ نائب الرئيس الأول للمركز الدولى لفض المنازعات/ التابع للجمعية الأمريكية للتحكيم AAA ـ لأعرض عليه مقترحى الطموح لـ(المركز الإقليمى لتحكيم التقنية) بمصر، لفض منازعات التكنولوجيا بالتعاون مع AAA.

أذكر وقتها سؤاله الافتتاحى بابتسامته الذكية (معروف أن مصر تتبع المدرسة اللاتينية فى القانون، فلم اخترت أمريكا لهذا المشروع الطموح؟) فرددت بتلقائية (إذا كان القانون بمصر يتكلم الفرنسية، فالتقنية عالميا تتكلم الأمريكية) وأعجبه الرد، وانطلق الاجتماع المخصص له 20 دقيقة لينتهى بعد ساعتين إلا ربع! تخللها عرض لتجربة إيتيدا فى 5 سنوات وواقع سوق منازعات التقنية بمصر، وأهمية طرح مصرى جديد لهذه المنازعات بالمنطقة، وقدمت له أبعاد المشروع ليصادف قبوله، وإصداره لاحقا خطابا بالموافقة المبدئية على تعاون AAA مع المشروع.

عدت للقاهرة برؤية مكتملة، طرحتها فى أغسطس 2008 على قيادات إيتيدا فى وقتها، لتنفيذ المشروع طبقا لقانون التوقيع الإلكترونى 2004/15. ومر الطرح بنجاح بالعديد من الأبواب، ليقف فى النهاية عند باب «الأسباب الخاصة»!

كانت رؤية «مركز تحكيم التقنية» بذرة، ستثمر مستقبلا عن مظلة حكومية لتحكيم كل منازعات حقوق الملكية الفكرية (براءات الاختراع/الأسرار غير المفصح عنها/الأسماء والعلامات التجارية/حق المؤلف)، تكون فيها مصر قاعدة إقليمية قوية تستقطب استثمارات وخبرات ومنازعات كبرى الشركات المصرية والعربية والعالمية، فيما تنفذه من عقود التكنولوجيا بالمنطقة.

أسست فكرة علاقة المشروع بالمركز الدولى لفض المنازعات -التابع للجمعية الأمريكية للتحكيم AAA- على تقديم مرجعية دولية توفر منهجيات، خبرات، معرفة فنية، تعليم، تدريب، ومتابعة، لتكوين جيل جديد فى علاقة القانون بالتقنية سواء من حيث (أ) تأهيل وتمكين الشركات والمحكمين والمحامين والخبراء والتنفيذيين لإدارة هذه المنازعات بمستوى دولى (ب) دعم مصر سياسيا لشغل مركز حيوى بهذه الصناعة المحورية بعلاقة الشمال بالجنوب (ج) فتح مجال جديد للاستثمارات الداعمة لصناعة التكنولوجيا والاتصالات.

ورغم صدور القانون 2008/120 بنظر المحاكم الاقتصادية لجنح ومنازعات قانون حقوق الملكية الفكرية، إلا أنها مازالت تتسم بالخصائص العامة للقضاء المصرى، الذى لا يواكب جوهر التقنية (سرعة التطور والزمن والتقنين).

ومن هنا كانت منهجية التحكيم (سرية/ سرعة/ تخصص/ تكاليف مدروسة) مازالت المحاور التى يفتقدها أطراف هذه الصناعة (شركات تطوير/اتصالات/مبرمجين/مشروعات متكاملة/شبكات/مستثمرين).

ومع ازدياد تداخل التقنية فى كل صور الحياة والإنترنت فائق السرعة والذكاء الاصطناعى والخدمات السحابية وحماية البيانات، زاد الاحتياج لمحاور تميز التحكيم فى فض المنازعات وتنفيذ أحكامها.

وفى 2020، ورغم ازدحام السوق المصرية بمراكز التحكيم العامة والخاصة، فأغلب منازعات التقنية (الحقيقية\ المؤثرة) لا تحسم بفعالية كافية، ويفضل أطرافها خسارة محسوبة بدل مشاكل نقص التخصص وطول إجراءات التقاضى، فأصبح العديد من أصحاب الحقوق يستخدمون القضاء لدفع الأمور للتفاوض، المنتهى بخسائر متبادلة للطرفين، قد يختار معها بعضهم تقليص أو دراسة سحب استثماراته لعدم إنصافه!

إشكاليات تحكيم التقنية، لم تنجُ من «بزنس» مراكز التحكيم، التى تعقد دورات تدريب مجتهدة، تستثمر للحصول على شهادة (مستشار تحكيم دولي) بمناهج مترجمة لا مُصممة! فلا يعرف الطريق لتحكيم حقيقى أو مؤهل لاختياره مُحكما فى منازعة تقنية جادة.

ومع ذلك، كانت مصر ومازالت قلعة القانون والقضاء العربى من بدايات السنهورى وحتى الآن، فأغلب قضاة ومستشارى الخليج مصريون، والقانونى المصرى ذو فهم عميق وأسلوب مميز فى التقعيد والصياغة القانونية.

وانعكاسا لكل ما سبق ومازال، كان بعض من مميزات طرح «مركز تحكيم التقنية مع AAA» تبع إيتيدا ـ رغم عدم تنفيذه ـ محاولة توفيره التخصص أمام أطراف الصناعة وبخاصة المستثمرين الأجانب، ربط مصر إقليميا بخريطة التقاضى الدولى المتخصص بالتقنية، دراسة التجربة الامريكية فى منهجية تقنين التقنية ومنازعاتها لدعم المشرع والقضاء المصرى فى فهم تقنين ومنازعات الصناعة، عمل الجميع ضمن منظومة فرنشايز AAA سيسمح بضبط الأداء والعمل بمعايير دولية، ضبط موضوع رسوم التحكيم وأتعاب المحكمين بعد عزوف العديدين عن مراكز التحكيم عالية التكلفة، ربط تقنين التقنية مصريا بتجارب أجنبية أخرى تدعم تطوره المستمر، استيعاب منازعات التقنية المصرية والعربية والأجنبية بالمنطقة.

القصة لا تقدم تجربة مركز تحكيم التقنية فقط، ولكنها تستعرض علاقة محاولات التطوير، بتعارض المصالح، بصناعة القرار، بالصالح العام.

ولحسن الحظ، فمصر الجديدة الآن لم تعد كما سبق!

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]

محمد بكري

محمد بكري

10:15 ص, الأثنين, 16 نوفمبر 20