تصورات لمسيرة الحرب والسلام بين العرب وإسرائيل (3)
تمثل طبيعة العلاقة الخاصة للولايات المتحدة مع إسرائيل حتى قبل سنوات من زرعها فى فلسطين، أقصى التطورات الدراماتيكية المصاحبة لقضية الحرب والسلام فى الشرق الأوسط، وعلى مستويات مختلفة ومتدرجة.. بدءاً من التحالف المحدود مع الصهيونية الأميركية فى مؤتمر «بلتيمور» 1942، الذى أغلق صحفة عنصرية من أقذع ما قيل باليهود من جانب الأميركيين القدامى، وليس انتهاء بعهد الرئيس ريجان فى الثمانينيات الذى اعتبر أن إسرائيل بمثابة «الكنز» الاستراتيجى للولايات المتحدة، مروراً بالرئيس «جونسون» الذى أعطى إسرائيل الضوء الأخضر في 1967 لاحتلال كامل أرض فلسطين التاريخية، إلى جانب كل من سيناء المصرية، والجولان السورية، إلى تأكيد الرئيس «كارتر» (مايو 1977) العلاقة الخاصة مع إسرائيل، وباعتبار الرئيس «كلينتون» (ربيع 1994) إسرائيل – ركيزة العمل لإحلال السلام فى الشرق الأوسط، ومن غير استثناء لقاء الرئيس «بوش الابن» مع رئيس الحكومة الإسرائيلية «شارون» فى العام 2004، حيث تبادلا رسائل (ضمانات)، يعتبرها البعض بمثابة «وعد بلفور جديد»، إذ يتصل بأن تكون الدولة الفلسطينية المرتقبة «موصولة ترابياً»، (أى ممزقة فى نهاية الأمر.. وليست «متصلة» فى قطعة واحدة)، ما شجع إسرائيل بعدئذ فى 2009 للتمرد على رؤية الرئيس «أوباما» بشأن «عدم شرعية المستوطنات» إلى أن جاء الرئيس «ترامب» 2016 يحمل معه مشروع ما يسمى إعلامياً «صفقة القرن» وليمهد إلى تطبيقها.. بالاعتراف بالقدس الشرقية والجولان السورية تحت السلطة الإسرائيلية، فيما لا يزال الغموض يحيط بالموقف الأميركى من نوايا إسرائيل ضم أراضى من الضفة الغربية المحتلة إليها.
إلى ما سبق من هذا المنظور الممتد لنحو ثمانية عقود، تعكس المواقف والتصريحات الأميركية- احتكارًا- تجريبيًّا للوساطة بين العرب وإسرائيل، أحجمت القوى الكبرى عن مزاحمته، خاصة مع وجود التزام قوى للغاية بين واشنطن وتل أبيب، وإن لا يحول بالمطلق عن بروز مناطق اختلاف وتساؤلات بينهما.. كما هى الحال فى أى علاقة من هذا النوع (البراجماتى)، سواء من البيت الأبيض الذى يملك عادة القرار الرئاسى فى هذا الشأن، مؤيداً على الأرجح من الكونجرس، إلا ما كان يقابل بمعارضة كبار البيروقراطيين فى وزارتى الخارجية والدفاع، خاصة حين لا تفرض تطورات الحرب الباردة تنافساً أميركياً مع قوة عظمى أخرى كالاتحاد السوفيتى السابق أو غيره، يسعون لكسب مزايا استراتيجية لدى الدول والتجمعات الإقليمية. إلا أنه مع حلول رئاسة «كارتر» 1977، وكانت اتفاقات التسوية قد قطعت شوطاً لا بأس به بين مصر وإسرائيل، وباتجاه عام للتحول من بحث السلام الحصرى الشامل.. إلى الدبلوماسية ثنائية المسار، ما شجع «كارتر» للبناء عليها.. حين لقائه بالرئيس «السادات» فى أبريل، ليطالبه أثناء جولتهما فى «منطقة حجرات النوم فى البيت الأبيض»، بحسب خطاب «كارتر» فى 1978/5/5 بكلية نوتردام، بالتفاوض المباشر (لأول مرة) مع إسرائيل، وبالاعتراف بها، وبالتطبيع الكامل معها فى جميع المجالات، وليرد عليه “السادات” “إن هذا لا يمكن أن يحدث فى حياتى، سيدى الرئيس»، إلا أنه لم يمض العام- حسب رواية كارتر- إلا وكان الرئيس السادات قد وضع كل أوراقه على «المائدة» (انتهى الاقتباس)، مشيراً على الأرجح إلى سابق زيارة السادات إلى إسرائيل فى نوفمبر 1977 التى أفضت إلى لقاء ثلاثى للقمة فى كامب دافيد سبتمبر 1978 قبل شهور من توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل مارس 1979.
إلى ذلك فقد أفضت ولاية «كارتر» إلى الاعتراف De facto بإسرائيل من جانب مصر التى انعزلت عن دائرة الصراع العربى، ما شجع إسرائيل على الانفراد بعد استبعاد أقوى الدول العربية.. بمحاولة تطويع الأطراف العربية الأخرى، ذلك على النحو المأساوى خلال الثمانينيات مع صعود «الريجانية» إلى سُدّة البيت الأبيض.
(يتبع)